31 أكتوبر 2024
دولة الأسد العظمى وكورونا التافهة
ينشغل العالم بفيروس كورونا وآثاره المدمّرة على جميع المستويات، أما وزير الصحة لدى نظام الأسد نزار يازجي فيعلن أن "الجيش السوري" طهّر البلاد من الجراثيم! ربما ما يشفع لهذا الوزير أنه لا أحد في سورية يتعامل مع هذا النظام وأركانه بوصفهم مسؤولين يمكن تصديق ما يقولون أو حتى تكذيبه، فهم عدا عن أنهم مفصولون عن الواقع، فإنهم مجرّد واجهات لقوى الاحتلالين، الروسي والإيراني، ينتظرون النشرات التي تصدرها مراكزهم في سورية ليردّدوا ما فيها. أما حكاية الجراثيم، فهي قصة يعرفها السوريون، إذ سبق لرأس النظام وصف المعارضين بالجراثيم، وكلام الوزير يأتي في سياق تهجير جيش عصابات الأسد ملايين السوريين، وجديدهم المليون الذين تم تهجيرهم من أرياف إدلب وحلب وحماة. وبما أن نظام الأسد ينظر إلى هؤلاء أعداء مؤكدين، فإن فعل تهجيرهم يأخذ معنى التطهير بحرفيته.
المثير واللافت أن هذا السلوك يتزامن مع حالة رعب تعم العالم، إلى درجة دفعت رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، إلى تحذير شعبه بأنهم سيفقدون مزيدا من أحبتهم، وأن الأسوأ لم يأتِ بعد. وخرجت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تصارح شعبها بأن كورونا تحدّ خطير، سيصيب 60% إلى 70% من الألمان (عدد السكان يقترب من الـ100 مليون). وأن تطوير لقاح له سيستغرق وقتاً. وقبلهما خرج رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، على شعبه، ليخبرهم أن كورونا وباءٌ لا يرحم، وأن فرنسا لا تزال في بداية الأمر. وفي أميركا، تم إعلان حالة الطوارئ لمواجهة تداعيات انتشار الفيروس.
هذه الدول التي يرتجف زعماؤها رعباً، على شعوبهم، من كورونا، متطوّرة، علمياً وطبياً
وتقنياً، ولديها إمكانات وخبرات هائلة، ولديها خبرة تاريخية في التعامل مع الكوارث والأزمات، فكيف لمسؤول في سورية التي تصنفها التقارير الدولية في ذيل الدول تقنياً ومعيشياً، والقطاع الصحي فيها شبه معدم، فسورية دولة تعمل بربع طاقتها الطبية، وهذه بالأصل متخلفة، فقبل الحرب، كان السوريون المتوسطون والميسورون يتعالجون في الأردن ولبنان، نتيجة افتقاد الثقة بالطب في بلدهم، وتخلف المعدات والأجهزة الطبية التي لم يكن النظام يسمح بدخولها، لاعتبارات أمنية!
السؤال الأهم: على ماذا يخاف نظام الأسد من الإعلان عن وجود إصابات بفيروس كورونا لديه؟ أن يكون لذلك تداعيات على البورصة وسوق الأسهم في البلاد؟ أم هروب الاستثمارات أو تباطؤ حركتها؟ أم من أجل المحافظة على قيمة الليرة؟ أو ربما لتجنب ارتفاع الطلب على المواد الاستهلاكية وهجوم الناس الذين بالكاد يؤمّنون قوت يومهم، على المولات غير الموجودة والبقالات الفارغة أصلا؟ هل تنطبق، أصلاً، على دولة الأسد، صفة الدولة، وبالتالي احتمال حصول ما يحصل في الدول؟ ومن ثم فهم يخافون من التداعيات.
يتعاطى نظام الأسد مع كارثة كورونا من زاوية وجوب إظهار الصلابة، فليس الأسد الذي
واجه "المؤامرة الكونية" من يخرج على الشاشات، متعاطفاً مع الشعب في هذه الكارثة، هو رئيسٌ يخبر بالانتصارات وحسب، وعلى الشعب أن يفهم ذلك، وعليهم أيضاً تقدير هذا الواقع، فهو ليس بخفّة زعماء أوروبا وأميركا المنتخبين بنسبة 50 + واحد، ولا هو رئيس عابر، فترة أو فترتين، هو سليل عائلة حاكمة، وسيورث الحكم لابنه، ثم ما هذه كورونا التي سيخرج الرئيس للإعلان عن عجزه على مواجهتها، وهو الذي واجه ما واجه من قوى وجيوش!
تعوّد نظام الأسد إدارة الأزمات عن طريق أجهزة الأمن والجيش، الاعتقال والاغتيال والتدمير. أما الأزمات الأخرى فليست من اختصاصه، هو يهتم بالأزمات التي تؤثر على الحكم. يتذكّر السوريون أزمة الجفاف التي ضربت منطقة الجزيرة السورية، وكيف أن النظام رفض التكفّل بالمنكوبين، وتأمين مبلغ 25 مليون دولار إسعافية لتأمين حاجات بسيطة للمنكوبين، ورمى المسألة على أكتاف الأمم المتحدة، وهبّ السوريون لمساعدة المنكوبين الذين حطوا رحالهم على أطراف دمشق. لم يعترف يومها بالأزمة إلا بعد أن ضجّت بها المنظمات الدولية ووكالات الأنباء. ويعاصر أغلب السوريين أزمة النزوح، وكيف يسرق نظام الأسد المساعدات التي
تجلبها الأمم المتحدة والمتبرّعون الدوليون.
اعتاد السوريون إدارة الكوارث التي يمرّون بها بأنفسهم، بإمكاناتهم الذاتية، بصبرهم ومهارتهم، بل على العكس كانت أجهزة الأسد تساومهم على الحلول التي يبتكرونها للخروج من أزماتهم. اعتاد السوريون تدبير أمورهم وكأن لا دولة لهم ولا حكومات. لم يكونوا يوماً متطلبين، تكيّفوا مع أقصى الظروف سوءاً، ومرّروا أحلك الأيام بصمت وصبر، وصنعوا من التحدّيات فرصاً لتطوير واقعهم. يعتقد أشقاء كثيرون في دول الجوار أن كون سورية بلداً لا ديون عليه إنجاز يُحسب لحكم عائلة الأسد، ولكن ما لا يعرفه أحد أن السوريين عاشوا في حدود الممكن، ولم يطلبوا من نظامهم لا زيادة في المرتبات ولا تأمين رفاهية وحياة ناعمة لهم.
السوريون اليوم في وضع صعب، بل وضعهم هو الأصعب في العالم، حيث تجتمع عليهم حزمة كوارث، بعد سنوات طويلة من المعاناة والجوع والألم، ويبقى الأمل في قدرة السوريين على مواجهة الكوارث والخروج بأقل الخسائر. ونظام الأسد أعلن عن تعطيل المدارس والجامعات وتخفيض دوام الموظفين، في بلد لم يعلن فيه عن إصابة واحدة، أو عن الاشتباه بأي حالات.. هذه دولة الأسد التي تختلف عن الدنيا كلها.
هذه الدول التي يرتجف زعماؤها رعباً، على شعوبهم، من كورونا، متطوّرة، علمياً وطبياً
السؤال الأهم: على ماذا يخاف نظام الأسد من الإعلان عن وجود إصابات بفيروس كورونا لديه؟ أن يكون لذلك تداعيات على البورصة وسوق الأسهم في البلاد؟ أم هروب الاستثمارات أو تباطؤ حركتها؟ أم من أجل المحافظة على قيمة الليرة؟ أو ربما لتجنب ارتفاع الطلب على المواد الاستهلاكية وهجوم الناس الذين بالكاد يؤمّنون قوت يومهم، على المولات غير الموجودة والبقالات الفارغة أصلا؟ هل تنطبق، أصلاً، على دولة الأسد، صفة الدولة، وبالتالي احتمال حصول ما يحصل في الدول؟ ومن ثم فهم يخافون من التداعيات.
يتعاطى نظام الأسد مع كارثة كورونا من زاوية وجوب إظهار الصلابة، فليس الأسد الذي
تعوّد نظام الأسد إدارة الأزمات عن طريق أجهزة الأمن والجيش، الاعتقال والاغتيال والتدمير. أما الأزمات الأخرى فليست من اختصاصه، هو يهتم بالأزمات التي تؤثر على الحكم. يتذكّر السوريون أزمة الجفاف التي ضربت منطقة الجزيرة السورية، وكيف أن النظام رفض التكفّل بالمنكوبين، وتأمين مبلغ 25 مليون دولار إسعافية لتأمين حاجات بسيطة للمنكوبين، ورمى المسألة على أكتاف الأمم المتحدة، وهبّ السوريون لمساعدة المنكوبين الذين حطوا رحالهم على أطراف دمشق. لم يعترف يومها بالأزمة إلا بعد أن ضجّت بها المنظمات الدولية ووكالات الأنباء. ويعاصر أغلب السوريين أزمة النزوح، وكيف يسرق نظام الأسد المساعدات التي
اعتاد السوريون إدارة الكوارث التي يمرّون بها بأنفسهم، بإمكاناتهم الذاتية، بصبرهم ومهارتهم، بل على العكس كانت أجهزة الأسد تساومهم على الحلول التي يبتكرونها للخروج من أزماتهم. اعتاد السوريون تدبير أمورهم وكأن لا دولة لهم ولا حكومات. لم يكونوا يوماً متطلبين، تكيّفوا مع أقصى الظروف سوءاً، ومرّروا أحلك الأيام بصمت وصبر، وصنعوا من التحدّيات فرصاً لتطوير واقعهم. يعتقد أشقاء كثيرون في دول الجوار أن كون سورية بلداً لا ديون عليه إنجاز يُحسب لحكم عائلة الأسد، ولكن ما لا يعرفه أحد أن السوريين عاشوا في حدود الممكن، ولم يطلبوا من نظامهم لا زيادة في المرتبات ولا تأمين رفاهية وحياة ناعمة لهم.
السوريون اليوم في وضع صعب، بل وضعهم هو الأصعب في العالم، حيث تجتمع عليهم حزمة كوارث، بعد سنوات طويلة من المعاناة والجوع والألم، ويبقى الأمل في قدرة السوريين على مواجهة الكوارث والخروج بأقل الخسائر. ونظام الأسد أعلن عن تعطيل المدارس والجامعات وتخفيض دوام الموظفين، في بلد لم يعلن فيه عن إصابة واحدة، أو عن الاشتباه بأي حالات.. هذه دولة الأسد التي تختلف عن الدنيا كلها.