قبل فترة، أعلن عن نتيجة دراسة من فرع جامعة أميركية في المنطقة، تكشف فيها أنّ عدد قنوات التلفزيون الطائفية، إسلامية ومسيحية، قد ارتفع بنسبة 50 في المائة في المنطقة العربية منذ عام 2011.
مثل هذا الإعلان في حدّ ذاته له أهداف كثيرة تخوض في أساس الدراسة وتمويلها وأهدافها ونتائجها ومنهجها. لكنّه مع ذلك يتضمن معلومات كمّية ونوعية حول تلك القنوات، ويروَّج على أنّ ذلك دليل على تأجيج الطائفية منذ ثورات عام 2011.
كثيرة هي الدراسات والتحليلات والمواقف والآراء التي تنسب إلى تلك الثورات كلّ السلبيات الممكنة، وفي لحظة واحدة أحياناً. وفي الوقت نفسه، تتغاضى عن كلّ إيجابية للثورات.
تفصل تلك الاتجاهات عادة بين تاريخين، تاريخ ما قبل الثورات وتاريخ ما بعدها. تمعن في وصم التاريخ الثاني بكلّ ما في القواميس جميعها من انحطاط وفشل ودمار في مختلف المجالات. فيشكل ذلك بصورة تلقائية تبرئة للتاريخ الأول من كلّ ما يوجد في الثاني. أما إذا كان الاتجاه واضحاً في الهجوم على الثورات، غير موارب، أو مدّع الموضوعية، فإنّه يمدح التاريخ الأول بكلّ ما أوتي من قوة، ويعدّد مآثر الزعماء العرب الذين أطيح بهم، أو الذين لم يُطَح بهم بعد. ولا يغفل عن تعداد "مآثر" تلك الأنظمة على أصعدة الأمن والاقتصاد والبناء والتعليم والصحة والرفاهية، حتى يكاد القارئ يتخيل بلدان ما قبل الثورات مدناً أفلاطونية فاضلة. كما لا ينسى هؤلاء أنفسهم الحديث عن التعايش بين الأديان والطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية. هنا بالذات يكادون يتخطون الأفلاطونية.
من ناحية أخرى، إذا تركنا جانباً الدول العربية الخمس أو الستّ التي شهدت الأحداث الأبرز بدءاً من مطلع عام 2011 (وفي بعضها قبل ذلك)، ونظرنا إلى شواهد أخرى تتمثل بالضبط في البلدان العربية التي لم يصل حجم معارضتها إلى انتفاضة أو ثورة أو ربيع عربي أو تحرك أو حتى حرب - سمّها ما شئت. وإذا تركنا جانباً الحديث عن الديمقراطية وترويجها بكلّ ما في ذلك من دلالات على المؤامرات الغربية، تحديداً الأميركية، فهل في هذه البلدان ينعم المواطن بالحرية الفردية؟ هل ينعم بحرية التعبير؟ هل يستطيع أن يمشي غير بجوار الحائط؟ ماذا يملك فعلياً في بلده، وكيف يملكه؟ هل يتناسب ارتفاع الضرائب مع دخله الفردي؟ هل إدارات هذه الدول بعيدة عن الفساد؟ هل أجهزة مكافحة الفساد نزيهة بدورها؟
كلّها تساؤلات لها إجابات بديهية في معظم الأحيان. إجابات لا تصبّ في مصلحة أيّ نظام عربي خاضت شعوبه ثورات عام 2011 أم لم تخضها.