لا تختلف كثيراً وسائل وبنية التعليم وتحضيراتها التربوية بين الدول الاسكندنافية، وفي العموم دول شمال أوروبا، بل يكاد الباحث عن الفروق بين الوسائل التربوية في النرويج والسويد والدنمارك أن يصطدم بعقبة غياب تلك الفروق سوى ببعض التفاصيل البسيطة.
إلزامية التعليم في الدول الاسكندنافية ليست جديدة، بل تمتد إلى القرن التاسع عشر في معظمها، وقد كانت سابقاً "إلزامية الالتحاق بالمدارس" بينما الإصلاحات المتعاقبة منذ بداية القرن الماضي جعلتها إلزامية واسعة من حيث التطبيق، بمعنى أنه يمكن للأهل إلحاق أبنائهم بأي نوع من التعليم وحسب أي منهج يفضّلون حتى لو كان عبر مدرسين خصوصيين أو تعليم منزلي.
الإصلاحات تلك شملت أيضاً الانتقال من نظام تربوي إقطاعي يستند إلى فرض الخضوع والطاعة التامتين إلى نظام مختلف تماماً يعتمد أساليب متطورة تمنع، منذ خمسينيات القرن الماضي، استخدام وسائل العقاب الجسدي والنفسي على التلاميذ وتركز كثيراً على مسألة "الإعداد التربوي الشامل" للتلميذ/ التلميذة للالتحاق بالمدارس.
اختيار المدارس
في الدول الاسكندنافية، عادة ما يبدأ الصغار الالتحاق في المدارس في سن السادسة، وتسمى تلك الصفوف "صفر"، وفي التسمية التربوية تسمى "صفوف الروضة". لكن عملية التأهيل تبدأ مبكراً، فبعض الاختصاصيين التربويين على المستويات الوطنية يولون اهتماماً كبيراً لقضية السنوات الخمس السابقة للالتحاق بمثل تلك الصفوف.
لنأخذ في هذا السياق الدنمارك كمثل يعبّر عن بقية الدول الاسكندنافية والشمال عموماً، حيث تنتشر فيها ما يربو على الـ1742 مدرسة ابتدائية بواقع 40 ألف مدرّس وحوالي 600 ألف تلميذ.
الارتباط الوثيق بين العملية التدريسية في صف الروضة، بعمر 6 سنوات، ومن ثم في الصف الأول بعمر 7 سنوات، والسنوات السابقة أمكن تحقيقه بصورة شامله وفعالة من خلال الخطط المتدرّجة التي يتم إقرارها من قبل الخبراء والوزارات المعنية.
إن التقدم الحاصل منذ عقود طويلة على صعيد سوق العمل الذي يشمل خروج الوالدين إليه، فرض نوعاً جديداً من العلاقات والأساليب التربوية. أكثر من 90 بالمئة من الأطفال بين 0-6 سنوات مسجلين في دور رعاية الأطفال في الحضانات والروضات. وهذه الروضات بالإضافة إلى أنها تمنح الطفل مكاناً اجتماعياً ريثما ينتهي الوالدان من العمل، تعد كذلك مراحل للإعداد والتجهيز والتحفيز.
ليس بغريب أن توضع تلك المؤسسات المتخصصة برعاية الأطفال تحت رقابة الدول، وعبر البلديات والمحافظات التي تكون مسؤولة عمّا يجري فيها، رغم الاستقلالية، وذلك لتتناسب والهدف المشترك لدور الحضانة والروضات في الأساليب التربوية النهارية لمصلحة تعاون كبير بين الأهل وتلك المؤسسات.
الخطوط العامة لرياض الأطفال تركز على تنمية قدرات الطفل وتنمية المسؤولية عنده وتدريبه على عواقب قراراته. وهذه التنمية في المستوى التربوي تتطلّب، وفق سياسات عامة موضوعة في تلك الدول، وبالأخص في دول اسكندنافية: عملية التعويد على المشاركة ومعرفة الديمقراطية وتحمّل المسؤوليات.
أهداف وأساسيات
وإلى حين وصول الطفل إلى سن السادسة، يجري الالتزام بالهدف المشترك والخطوط العامة بوسائل وأساليب متعددة، منها اللعب، تهدف بالأساس إلى شيئين:
• تحريك خيال الطفل وإفساح المجال له عبر المشاركة مع الآخرين وتعويده على تحمّل مسؤوليات جماعية.
• تطوير شخصيته وقدراته وتحضيره للتعرف على ما تطلق عليه وزارة التعليم والرفاه "تنمية روح الديمقراطية والمساواة والحرية والقيمة الإنسانية" من خلال علاقته بالآخرين.
وللوصول إلى تلك الأهداف في صف الروضة، يكون المنهاج التربوي والتعليمي مرتبطاً بما قبله، في مرحلة الروضة، وما بعده في الأول ابتدائي. وإذا كنا نتحدث عن منهاج مشترك متفق عليه، فلا يغيب الأهل هنا عن الصورة، إذ يشترط وجود تعاون وتكامل تام بين الأطراف.
ولهذا، نجد أيضاً بأن المراحل الثلاث تحمل من التكاملية ما يفيد تطوير وتنمية الطفل ليكون أكثر تقبّلاً واندماجاً في تلقي التعليم. فبين 3-6 سنوات يستند التربويون إلى 6 قضايا مشتركة لا تحيد عنها كل المؤسسات التربوية:
1. تطوير الشخصية 2. تنمية القدرات الاجتماعية 3. تطوير القدرات اللغوية 4. الجسد والحركة 5. الطبيعة وظواهرها 6. التعبيرات الثقافية.
في صف الروضة (من سن 6 سنوات)، تتكامل العملية مع تلك القضايا من خلال التركيز على وسائل اللعب والنشاطات التطويرية لترسيخ شعور الطمأنينة في حياة الطفل المدرسية عن الأخطاء وتكرار الثناء والتعاون مع الأهل بعيداً عن أية لغة توبيخ أو الحط من قيمة الطفل ومنع استخدام أية أوصاف لها علاقة بالغباء والكسل وما شابه. ولتحقيق التكامل مع النقاط الست يجري العمل على:
1. تنمية التعبير اللغوي باللعب 2. الاستمتاع والاستفادة من الطبيعة وظواهرها من خلال مواد مخصصة 3. الموسيقى من خلال التطبيق العملي 4. الحركة واللياقة البدنية والتركيز 5. الوجود مع الآخرين لتنمية التعاون بينهم 6. تنمية القدرات الاجتماعية.
الحصاد المبكر
في الصف الأول الابتدائي (بسن 7 سنوات)، تبدأ عملية حصد ما جرى من تنمية القدرات عند الطفل، وبالأخص في ما يتعلق بالتعاون مع الآخرين والانتقال إلى مرحلة الطمأنينة وذلك بتقديم دروس في اللغة والديانة والطبيعة والتكنولوجيا والحساب والفنون والرياضة والموسيقى.
في صف الروضة، يجري التركيز على المعرفة اللغوية لتعليم الطفل كيفية التحدث والاستماع والسؤال والتركيز على السرد ومعرفة الكتابة والقراءة والعالم الرقمي في محيطهم، سواء كانت وسائل الترفيه أو حتى الإعلام. وفي دروس الحساب، يجري تعريف الطفل على الأشكال والأرقام والعد، وفي دروس الطبيعة التي غالباً ما تتم أيضاً في رحلات ميدانية، يجري تعريفه على مكوناتها وعلى النباتات والحيوانات وكيف تصله المواد التي تناولها وكيف يحصل على الكهرباء وماذا يفعل بالنفايات وأين تُرمى وكيف يجب أن يتصرف معها.
وبحسب ما تظهره أرقام وزارة التعليم في كوبنهاغن، فإن الحصص المقدمة للصف الأول توزع ساعاتها بسحب الأولوية لتحقيق نقلة معرفية عند الطفل. فـ350 ساعة تخصص للغة الوطنية و150 ساعة للحساب و60 ساعة للديانة ومثلها للإنكليزية ومثلها أيضاً للموسيقى و30 ساعة للفنون ومثلها للتكنولوجيا.
تبقى الإشارة أيضاً إلى أن المشترك بين الصفين يكون إلزامياً في حقول التعليم للمواد، فيجري تعريف الطفل على ثقافة وتاريخ بلده وفهم الدول والثقافات الأخرى والإنسان بشكل عام، إضافة إلى دروس عن الجنس وكيف يولد الإنسان وكيفية الانتقال من الدراسة مستقبلاً إلى العمل لتنمية رغباته في أن يصبح جزءاً من شيء ما وللعمل على تنمية تلك الرغبات.
مزدوجو اللغة
في معظم تلك الدول تؤخذ بالاعتبار حاجات الأطفال من خلفيات ثقافية مختلفة، ويسمون "مزدوجي اللغة". ولهؤلاء إمكانية استثناء من بعض الدروس ويمكنهم التسجيل في مدارس خاصة، وهي تنتشر، على أن تلتزم بالمنهاج التعليمي الملزمة به كل المدارس الأخرى، باستثناء تقديم اللغة وبعض دروس الدين.
الإصلاحات تلك شملت أيضاً الانتقال من نظام تربوي إقطاعي يستند إلى فرض الخضوع والطاعة التامتين إلى نظام مختلف تماماً يعتمد أساليب متطورة تمنع، منذ خمسينيات القرن الماضي، استخدام وسائل العقاب الجسدي والنفسي على التلاميذ وتركز كثيراً على مسألة "الإعداد التربوي الشامل" للتلميذ/ التلميذة للالتحاق بالمدارس.
اختيار المدارس
في الدول الاسكندنافية، عادة ما يبدأ الصغار الالتحاق في المدارس في سن السادسة، وتسمى تلك الصفوف "صفر"، وفي التسمية التربوية تسمى "صفوف الروضة". لكن عملية التأهيل تبدأ مبكراً، فبعض الاختصاصيين التربويين على المستويات الوطنية يولون اهتماماً كبيراً لقضية السنوات الخمس السابقة للالتحاق بمثل تلك الصفوف.
لنأخذ في هذا السياق الدنمارك كمثل يعبّر عن بقية الدول الاسكندنافية والشمال عموماً، حيث تنتشر فيها ما يربو على الـ1742 مدرسة ابتدائية بواقع 40 ألف مدرّس وحوالي 600 ألف تلميذ.
الارتباط الوثيق بين العملية التدريسية في صف الروضة، بعمر 6 سنوات، ومن ثم في الصف الأول بعمر 7 سنوات، والسنوات السابقة أمكن تحقيقه بصورة شامله وفعالة من خلال الخطط المتدرّجة التي يتم إقرارها من قبل الخبراء والوزارات المعنية.
إن التقدم الحاصل منذ عقود طويلة على صعيد سوق العمل الذي يشمل خروج الوالدين إليه، فرض نوعاً جديداً من العلاقات والأساليب التربوية. أكثر من 90 بالمئة من الأطفال بين 0-6 سنوات مسجلين في دور رعاية الأطفال في الحضانات والروضات. وهذه الروضات بالإضافة إلى أنها تمنح الطفل مكاناً اجتماعياً ريثما ينتهي الوالدان من العمل، تعد كذلك مراحل للإعداد والتجهيز والتحفيز.
ليس بغريب أن توضع تلك المؤسسات المتخصصة برعاية الأطفال تحت رقابة الدول، وعبر البلديات والمحافظات التي تكون مسؤولة عمّا يجري فيها، رغم الاستقلالية، وذلك لتتناسب والهدف المشترك لدور الحضانة والروضات في الأساليب التربوية النهارية لمصلحة تعاون كبير بين الأهل وتلك المؤسسات.
الخطوط العامة لرياض الأطفال تركز على تنمية قدرات الطفل وتنمية المسؤولية عنده وتدريبه على عواقب قراراته. وهذه التنمية في المستوى التربوي تتطلّب، وفق سياسات عامة موضوعة في تلك الدول، وبالأخص في دول اسكندنافية: عملية التعويد على المشاركة ومعرفة الديمقراطية وتحمّل المسؤوليات.
أهداف وأساسيات
وإلى حين وصول الطفل إلى سن السادسة، يجري الالتزام بالهدف المشترك والخطوط العامة بوسائل وأساليب متعددة، منها اللعب، تهدف بالأساس إلى شيئين:
• تحريك خيال الطفل وإفساح المجال له عبر المشاركة مع الآخرين وتعويده على تحمّل مسؤوليات جماعية.
• تطوير شخصيته وقدراته وتحضيره للتعرف على ما تطلق عليه وزارة التعليم والرفاه "تنمية روح الديمقراطية والمساواة والحرية والقيمة الإنسانية" من خلال علاقته بالآخرين.
وللوصول إلى تلك الأهداف في صف الروضة، يكون المنهاج التربوي والتعليمي مرتبطاً بما قبله، في مرحلة الروضة، وما بعده في الأول ابتدائي. وإذا كنا نتحدث عن منهاج مشترك متفق عليه، فلا يغيب الأهل هنا عن الصورة، إذ يشترط وجود تعاون وتكامل تام بين الأطراف.
ولهذا، نجد أيضاً بأن المراحل الثلاث تحمل من التكاملية ما يفيد تطوير وتنمية الطفل ليكون أكثر تقبّلاً واندماجاً في تلقي التعليم. فبين 3-6 سنوات يستند التربويون إلى 6 قضايا مشتركة لا تحيد عنها كل المؤسسات التربوية:
1. تطوير الشخصية 2. تنمية القدرات الاجتماعية 3. تطوير القدرات اللغوية 4. الجسد والحركة 5. الطبيعة وظواهرها 6. التعبيرات الثقافية.
في صف الروضة (من سن 6 سنوات)، تتكامل العملية مع تلك القضايا من خلال التركيز على وسائل اللعب والنشاطات التطويرية لترسيخ شعور الطمأنينة في حياة الطفل المدرسية عن الأخطاء وتكرار الثناء والتعاون مع الأهل بعيداً عن أية لغة توبيخ أو الحط من قيمة الطفل ومنع استخدام أية أوصاف لها علاقة بالغباء والكسل وما شابه. ولتحقيق التكامل مع النقاط الست يجري العمل على:
1. تنمية التعبير اللغوي باللعب 2. الاستمتاع والاستفادة من الطبيعة وظواهرها من خلال مواد مخصصة 3. الموسيقى من خلال التطبيق العملي 4. الحركة واللياقة البدنية والتركيز 5. الوجود مع الآخرين لتنمية التعاون بينهم 6. تنمية القدرات الاجتماعية.
الحصاد المبكر
في الصف الأول الابتدائي (بسن 7 سنوات)، تبدأ عملية حصد ما جرى من تنمية القدرات عند الطفل، وبالأخص في ما يتعلق بالتعاون مع الآخرين والانتقال إلى مرحلة الطمأنينة وذلك بتقديم دروس في اللغة والديانة والطبيعة والتكنولوجيا والحساب والفنون والرياضة والموسيقى.
في صف الروضة، يجري التركيز على المعرفة اللغوية لتعليم الطفل كيفية التحدث والاستماع والسؤال والتركيز على السرد ومعرفة الكتابة والقراءة والعالم الرقمي في محيطهم، سواء كانت وسائل الترفيه أو حتى الإعلام. وفي دروس الحساب، يجري تعريف الطفل على الأشكال والأرقام والعد، وفي دروس الطبيعة التي غالباً ما تتم أيضاً في رحلات ميدانية، يجري تعريفه على مكوناتها وعلى النباتات والحيوانات وكيف تصله المواد التي تناولها وكيف يحصل على الكهرباء وماذا يفعل بالنفايات وأين تُرمى وكيف يجب أن يتصرف معها.
وبحسب ما تظهره أرقام وزارة التعليم في كوبنهاغن، فإن الحصص المقدمة للصف الأول توزع ساعاتها بسحب الأولوية لتحقيق نقلة معرفية عند الطفل. فـ350 ساعة تخصص للغة الوطنية و150 ساعة للحساب و60 ساعة للديانة ومثلها للإنكليزية ومثلها أيضاً للموسيقى و30 ساعة للفنون ومثلها للتكنولوجيا.
تبقى الإشارة أيضاً إلى أن المشترك بين الصفين يكون إلزامياً في حقول التعليم للمواد، فيجري تعريف الطفل على ثقافة وتاريخ بلده وفهم الدول والثقافات الأخرى والإنسان بشكل عام، إضافة إلى دروس عن الجنس وكيف يولد الإنسان وكيفية الانتقال من الدراسة مستقبلاً إلى العمل لتنمية رغباته في أن يصبح جزءاً من شيء ما وللعمل على تنمية تلك الرغبات.
مزدوجو اللغة
في معظم تلك الدول تؤخذ بالاعتبار حاجات الأطفال من خلفيات ثقافية مختلفة، ويسمون "مزدوجي اللغة". ولهؤلاء إمكانية استثناء من بعض الدروس ويمكنهم التسجيل في مدارس خاصة، وهي تنتشر، على أن تلتزم بالمنهاج التعليمي الملزمة به كل المدارس الأخرى، باستثناء تقديم اللغة وبعض دروس الدين.