في حوار "العربي الجديد" معها، تناولت اللبنانية ديامان أبو عبود مسائل متفرّقة عن آلية التمثيل وارتباطه بالشخصية والإخراج والكتابة.
ما هو الدافع إلى موافقتك على تأدية دور حليمة، في "إنسرياتد"، للبلجيكي فيليب فان لووي، الذي يروي تفاصيل يوم كامل في حياة عائلة سورية مقيمة في منزلها المحاصر بالحرب، علماً أنك فزت بجائزة أفضل ممثلة عنه، في الدورة الـ39 (21 ـ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"؟
الفكرة والموضوع والشخصية. الموضوع، تحديداً، يعنيني كإنسانة وكممثلة، لأن فيه بُعداً إنسانيّاً. إنه مثير للاهتمام. الفكرة أيضاً: كيفية طرحها ومعالجتها. ثم أنّ الفيلم برمّته قائمٌ على الممثلين. هذا، بالنسبة إليّ، مهمّ جداً. هناك أيضاً شخصية حليمة بحدّ ذاتها. إنها محرِّض لي على الموافقة أيضاً، خصوصاً كيفية استيعابها ما يحدث معها وحولها، وما يؤثّر عليها.
عند اكتمال الفكرة لدى فيليب فان لووي، وانتهائه من كتابة النسخة الأولى من السيناريو، أخبرني بالأمر، وأتاح لي قراءة ما كتبه. أحببتُ السيناريو، فبدأ النقاش بيننا. تبادلنا أفكاراً عديدة حول الشخصية والفيلم وتفاصيله، فتطوّرت الشخصية تدريجياً. أعتقد أنه فعل هذا مع الآخرين أيضاً.
قبل التصوير، أمضينا جميعا أسبوعاً كاملاً في القراءة والحوار. ثم بدأ التصوير. عندها، كان كلّ واحد منا يعرف تماماً كلّ شيء: العلاقة بين الشخصيات واضحة، فالفيلم مبنيٌّ عليها وعلى علاقاتها بين بعضها البعض داخل المنزل. مبنيٌّ أيضاً على كيفية تلقّي هؤلاء الأفراد داخل المنزل ما يحصل خارجه.
قبل التصوير، تحدّثنا، فيليب وأنا، كثيراً. هناك قصص لا يعرفها، تتعلّق بظروف الحرب، لأنه لم يعشها، على عكسي أنا. تفاصيل لا تزال موجودة، ولو في ذاكرتي البعيدة. في هذا المكان، في هذا الظرف، كيف تتصرّف الشخصية، مثلاً. قصص تحدّثنا عنها وناقشناها. كان الأمر مثمراً للغاية، وإيجابياً جداً.
حسناً. لكن، أثناء التصوير، هل استمرّ النقاش بينكما؟
كلّ شيء تمّ قبل التصوير. الممثلون والمخرج والتقنيون والفنيون يعرفون، تماماً، ما سيفعلونه، إذْ تمّ الاتفاق على كلّ شيء. لكن، أثناء التصوير، تحدُث أمورٌ بسيطة، هنا وهناك. تحدث تفاصيل صغيرة، تتطلّب معالجة آنية. أحياناً، نحتاج جميعنا إلى العفوية، إذْ لا شيء مبرمجا، هنا، بالمعنى المباشر للكلمة. في البلاتوه، هناك دائماً أمور تحدث فجأة. هذا وضعٌ إيجابي أيضاً.
قبل التصوير، كنا نذهب جميعا إلى الأمكنة التي سيتم التصوير فيها. كان فيليب فان لووي يضع آليات تنفيذ العمل في تلك الأمكنة، ويُرتّب الأمور بدقائقها: الممثل وتحرّكاته مثلاً، التصوير، الصوت، الإضاءة.. إلخ. لا تنس أن تصوير المشاهد صعبٌ، لأن كلّ شيء يحدث داخل المنزل. لذا، لم نكن قادرين على تكرار تصوير المشهد الواحد مراراً. تمرّنا كثيراً قبل التصوير، كي نتمكّن من تصوير ما نريد بأقلّ قدر ممكن من التكرار. هذا كلّه كي نحافظ على انفعالات الشخصيات. فالفيلم مبنيٌّ، أيضاً، على الانفعال. والانفعالات مع الكاميرا، إخراجياً، تساعد على تثبيت الانفعال، ومنحه أكبر قدر ممكن من المصداقية.
(العربي الجديد)
بالنسبة إليّ، ما أثار انتباهي واهتمامي، من بين أمور أخرى، اعتماد النصّ على مكانٍ واحد وزمانٍ واحد. هذه خاصيّة مسرحية، ولكِ علاقة قوية بالمسرح. هل أثّر الجانب المسرحيّ فيك على كيفية تمثيلك دور حليمة في ثنائية المكان الواحد والزمان الواحد؟
لم أفكّر في المسألة هكذا، إذْ لا فرق بين السينما والمسرح في هذا المجال. المكان واحد كما الزمان: هذا أمرٌ تشعر به. لكن، إذا أتيتَ من المسرح، يُصبح التعامل مع الموضوع أسهل.
ليست المساحة "فضاءً حيوياً"، بل "فضاءً انفعالياً/ عاطفياً". هذا مهمّ جداً، بالنسبة إليّ كممثلة. وهذه تجربة جميلة للغاية، تحمّست لها كثيراً. التحوّل من "الحيوي" إلى "الانفعالي/ العاطفي" مردّه إلى أن الشخصيات كلّها تعيش يوماً كاملاً من حياتها داخل هذا المنزل، الواقع في منطقة تعيش حرباً. ليس سهلاً تحقيق هذا في فيلم سينمائيّ. لكننا تمكّنا من بلوغه وإنجازه كما يجب. ربما لأننا جميعنا، منذ البداية، شاركنا في بناء الفضاء/ الفيلم وتركيب الحكاية وعيش الانفعال: العناصر الفيلمية، الممثلون وأداؤهم، الصورة والصوت والإخراج... كلّ هذا تمّ توظيفه، بشكلٍ متناغم، في صنع الفيلم، إذْ تمكّن فيليب فان لووي من إدارة المسألة بشكلٍ مهنيّ واحترافي وإنساني.
ربما يقول البعض إن "إنسرياتد" فيلمٌ سياسي، بمعنى ما، لانشغاله بمتابعة أحوال تلك العائلة داخل المنزل المحاصر بأحداثٍ عنفية في سورية. دخول مدنيين اثنين، عنوة، إلى المنزل، يُمكن أن يقول شيئاً عن جغرافية المدينة والحرب.
لا أرى الفيلم سياسياً، بل إنسانياً. يمكنك أن تتناول الموضوع نفسه، في جغرافيا أخرى تُشبه جغرافيا هذه المدينة، وينجح الفيلم. آلام الناس/ الشخصيات لا علاقة لها بمكانٍ محدّد دون غيره، أو بفترة معينة دون غيرها. كيف يعيش هؤلاء، وكيف يتلقّون الخارج وهم داخل المنزل، وكيف يتحمّلون وضعاً لم يختره أحدٌ منهم، بل وُضعوا جميعهم فيه، أو فُرض عليهم. هذه مسائل إنسانية عامّة. الخارج أصبح داخل الشخصيات. كلّ فردٍ يحمل الخارج في ذاته. الجميع في عزلة، لكنهم يبدون كأنهم ليسوا فيها. صعبٌ على هؤلاء كيفية العيش مع وضع وحالة كهذين.
الفيلم يحكي عن الانتماء أيضاً، وتحديداً عن هؤلاء الناس، لكن يمكن أن يكون الأمر برمّته في كلّ مكان وزمان آخرين. إذا قلنا إن الفيلم سياسي، فإننا، بهذا، نُقلِّل من أهميته الإنسانية. وإذا أردتُ الذهاب بعيداً في تحليل المسألة، أقول إن السؤال المطروح في الفيلم وجوديّ أيضاً. أي أنه عن وجود الإنسان، بأبعاده ومفاهيمه كلّها.
(تيزيانا فابي/فرانس برس)
تعاملتِ مع فيليب فان لووي مرّتين: الأولى كمدير تصوير "طالع نازل" (2013) للّبناني محمود حجيج؛ والثانية كمخرج "إنسرياتد" (2017).
كمدير تصوير، لديه تجارب كثيرة ومهمّة، أثناء وجودي في بلاتوهات التصوير، أراقب كلّ شيء، لأني أشعر أني معنيّة بكل شيء. كممثلة، أهتمّ كثيراً بكيف أتلقّى القصص. أراقب وأتابع. أحمل الشخصية، وأكون مسؤولة عنها. كلّ شيء حولي أشتغله لصالح الشخصية، وأدائي. هو، كمدير تصوير، كان ينتبه إلى الشخصيات وعليها في وقتٍ واحد. كان ينتبه إلى كيفية ابتكار عالمٍ لها بالصورة، وإلى كيفية تأدية الممثلين أدوارهم. بالنسبة إليه، الصورة ليست "عملاً حلواً" فقط، بل أيضاً كيف يُحمِّل، في الصورة، أبعاد الشخصية.
سيناريو "إنسرياتد" قائم على الشخصيات والممثلين. لهذا، كان مهموماً بكيفية التعاطي معهم. أعتقد أنه يعمل كثيراً على هذا الأمر. كممثلة، أحبّ هذا، إذْ يُمكن بلوغ أبعادٍ في الشخصية لا نعرفها، لكنها مهمّة جداً. المسألة لا تتعلّق، فقط، بعمل الشخصية، بل أيضاً بـ: من هي؟ كيف تكون في هذا المكان في تلك اللحظة؟
أنا أفكّر هكذا. لديّ هذا الهاجس. هو أيضاً. الشخصية تصبح كياناً نخلق له عالماً. نتركها تتصرّف بعد اكتمال كيانها. هكذا أفكّر، وبهذا أهتمّ. هو أيضاً. ذلك فإن تصرّفات الشخصية متأتية من هويتها.
سؤال أخير: هناك تشابهٌ بين شخصياتٍ ثلاث تؤدّينها في "طالع نازل" و"شتّي يا دني" (2010) لبهيج حجيج و"وينن" (2013) لعددٍ من الجامعيين. تشابه مبنيّ على ارتباكٍ نفسيّ تعيشه كلّ شخصية: فالأولى تزور طبيباً نفسياً في اليوم الأخير من العام، والثانية تعيش في ظلّ فقدان أبٍ مخطوف أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قبل عودته إليها، والثالثة تعاني فقدان أبٍ في الحرب نفسها.
هذا كلّه مرتبط بالسيناريو، وبطبيعة كلّ شخصية. كما أنه مرتبط بي أنا أيضاً، أي بمعنى كيف كنتُ حين أدّيتُ هذه الشخصية أو تلك، وكيف أشعرُ، وكيف أرى. التمثيل ليس "واجباً مدرسيّاً"، وليس وظيفة أو مهنة، بل نمط حياة. لهذا، أشتغلُ يومياً مع نفسي على هذا الموضوع.
(يوتيوب)
اقــرأ أيضاً
عند اكتمال الفكرة لدى فيليب فان لووي، وانتهائه من كتابة النسخة الأولى من السيناريو، أخبرني بالأمر، وأتاح لي قراءة ما كتبه. أحببتُ السيناريو، فبدأ النقاش بيننا. تبادلنا أفكاراً عديدة حول الشخصية والفيلم وتفاصيله، فتطوّرت الشخصية تدريجياً. أعتقد أنه فعل هذا مع الآخرين أيضاً.
قبل التصوير، أمضينا جميعا أسبوعاً كاملاً في القراءة والحوار. ثم بدأ التصوير. عندها، كان كلّ واحد منا يعرف تماماً كلّ شيء: العلاقة بين الشخصيات واضحة، فالفيلم مبنيٌّ عليها وعلى علاقاتها بين بعضها البعض داخل المنزل. مبنيٌّ أيضاً على كيفية تلقّي هؤلاء الأفراد داخل المنزل ما يحصل خارجه.
قبل التصوير، تحدّثنا، فيليب وأنا، كثيراً. هناك قصص لا يعرفها، تتعلّق بظروف الحرب، لأنه لم يعشها، على عكسي أنا. تفاصيل لا تزال موجودة، ولو في ذاكرتي البعيدة. في هذا المكان، في هذا الظرف، كيف تتصرّف الشخصية، مثلاً. قصص تحدّثنا عنها وناقشناها. كان الأمر مثمراً للغاية، وإيجابياً جداً.
حسناً. لكن، أثناء التصوير، هل استمرّ النقاش بينكما؟
كلّ شيء تمّ قبل التصوير. الممثلون والمخرج والتقنيون والفنيون يعرفون، تماماً، ما سيفعلونه، إذْ تمّ الاتفاق على كلّ شيء. لكن، أثناء التصوير، تحدُث أمورٌ بسيطة، هنا وهناك. تحدث تفاصيل صغيرة، تتطلّب معالجة آنية. أحياناً، نحتاج جميعنا إلى العفوية، إذْ لا شيء مبرمجا، هنا، بالمعنى المباشر للكلمة. في البلاتوه، هناك دائماً أمور تحدث فجأة. هذا وضعٌ إيجابي أيضاً.
قبل التصوير، كنا نذهب جميعا إلى الأمكنة التي سيتم التصوير فيها. كان فيليب فان لووي يضع آليات تنفيذ العمل في تلك الأمكنة، ويُرتّب الأمور بدقائقها: الممثل وتحرّكاته مثلاً، التصوير، الصوت، الإضاءة.. إلخ. لا تنس أن تصوير المشاهد صعبٌ، لأن كلّ شيء يحدث داخل المنزل. لذا، لم نكن قادرين على تكرار تصوير المشهد الواحد مراراً. تمرّنا كثيراً قبل التصوير، كي نتمكّن من تصوير ما نريد بأقلّ قدر ممكن من التكرار. هذا كلّه كي نحافظ على انفعالات الشخصيات. فالفيلم مبنيٌّ، أيضاً، على الانفعال. والانفعالات مع الكاميرا، إخراجياً، تساعد على تثبيت الانفعال، ومنحه أكبر قدر ممكن من المصداقية.
(العربي الجديد)
بالنسبة إليّ، ما أثار انتباهي واهتمامي، من بين أمور أخرى، اعتماد النصّ على مكانٍ واحد وزمانٍ واحد. هذه خاصيّة مسرحية، ولكِ علاقة قوية بالمسرح. هل أثّر الجانب المسرحيّ فيك على كيفية تمثيلك دور حليمة في ثنائية المكان الواحد والزمان الواحد؟
لم أفكّر في المسألة هكذا، إذْ لا فرق بين السينما والمسرح في هذا المجال. المكان واحد كما الزمان: هذا أمرٌ تشعر به. لكن، إذا أتيتَ من المسرح، يُصبح التعامل مع الموضوع أسهل.
ليست المساحة "فضاءً حيوياً"، بل "فضاءً انفعالياً/ عاطفياً". هذا مهمّ جداً، بالنسبة إليّ كممثلة. وهذه تجربة جميلة للغاية، تحمّست لها كثيراً. التحوّل من "الحيوي" إلى "الانفعالي/ العاطفي" مردّه إلى أن الشخصيات كلّها تعيش يوماً كاملاً من حياتها داخل هذا المنزل، الواقع في منطقة تعيش حرباً. ليس سهلاً تحقيق هذا في فيلم سينمائيّ. لكننا تمكّنا من بلوغه وإنجازه كما يجب. ربما لأننا جميعنا، منذ البداية، شاركنا في بناء الفضاء/ الفيلم وتركيب الحكاية وعيش الانفعال: العناصر الفيلمية، الممثلون وأداؤهم، الصورة والصوت والإخراج... كلّ هذا تمّ توظيفه، بشكلٍ متناغم، في صنع الفيلم، إذْ تمكّن فيليب فان لووي من إدارة المسألة بشكلٍ مهنيّ واحترافي وإنساني.
ربما يقول البعض إن "إنسرياتد" فيلمٌ سياسي، بمعنى ما، لانشغاله بمتابعة أحوال تلك العائلة داخل المنزل المحاصر بأحداثٍ عنفية في سورية. دخول مدنيين اثنين، عنوة، إلى المنزل، يُمكن أن يقول شيئاً عن جغرافية المدينة والحرب.
لا أرى الفيلم سياسياً، بل إنسانياً. يمكنك أن تتناول الموضوع نفسه، في جغرافيا أخرى تُشبه جغرافيا هذه المدينة، وينجح الفيلم. آلام الناس/ الشخصيات لا علاقة لها بمكانٍ محدّد دون غيره، أو بفترة معينة دون غيرها. كيف يعيش هؤلاء، وكيف يتلقّون الخارج وهم داخل المنزل، وكيف يتحمّلون وضعاً لم يختره أحدٌ منهم، بل وُضعوا جميعهم فيه، أو فُرض عليهم. هذه مسائل إنسانية عامّة. الخارج أصبح داخل الشخصيات. كلّ فردٍ يحمل الخارج في ذاته. الجميع في عزلة، لكنهم يبدون كأنهم ليسوا فيها. صعبٌ على هؤلاء كيفية العيش مع وضع وحالة كهذين.
الفيلم يحكي عن الانتماء أيضاً، وتحديداً عن هؤلاء الناس، لكن يمكن أن يكون الأمر برمّته في كلّ مكان وزمان آخرين. إذا قلنا إن الفيلم سياسي، فإننا، بهذا، نُقلِّل من أهميته الإنسانية. وإذا أردتُ الذهاب بعيداً في تحليل المسألة، أقول إن السؤال المطروح في الفيلم وجوديّ أيضاً. أي أنه عن وجود الإنسان، بأبعاده ومفاهيمه كلّها.
(تيزيانا فابي/فرانس برس)
تعاملتِ مع فيليب فان لووي مرّتين: الأولى كمدير تصوير "طالع نازل" (2013) للّبناني محمود حجيج؛ والثانية كمخرج "إنسرياتد" (2017).
كمدير تصوير، لديه تجارب كثيرة ومهمّة، أثناء وجودي في بلاتوهات التصوير، أراقب كلّ شيء، لأني أشعر أني معنيّة بكل شيء. كممثلة، أهتمّ كثيراً بكيف أتلقّى القصص. أراقب وأتابع. أحمل الشخصية، وأكون مسؤولة عنها. كلّ شيء حولي أشتغله لصالح الشخصية، وأدائي. هو، كمدير تصوير، كان ينتبه إلى الشخصيات وعليها في وقتٍ واحد. كان ينتبه إلى كيفية ابتكار عالمٍ لها بالصورة، وإلى كيفية تأدية الممثلين أدوارهم. بالنسبة إليه، الصورة ليست "عملاً حلواً" فقط، بل أيضاً كيف يُحمِّل، في الصورة، أبعاد الشخصية.
سيناريو "إنسرياتد" قائم على الشخصيات والممثلين. لهذا، كان مهموماً بكيفية التعاطي معهم. أعتقد أنه يعمل كثيراً على هذا الأمر. كممثلة، أحبّ هذا، إذْ يُمكن بلوغ أبعادٍ في الشخصية لا نعرفها، لكنها مهمّة جداً. المسألة لا تتعلّق، فقط، بعمل الشخصية، بل أيضاً بـ: من هي؟ كيف تكون في هذا المكان في تلك اللحظة؟
أنا أفكّر هكذا. لديّ هذا الهاجس. هو أيضاً. الشخصية تصبح كياناً نخلق له عالماً. نتركها تتصرّف بعد اكتمال كيانها. هكذا أفكّر، وبهذا أهتمّ. هو أيضاً. ذلك فإن تصرّفات الشخصية متأتية من هويتها.
سؤال أخير: هناك تشابهٌ بين شخصياتٍ ثلاث تؤدّينها في "طالع نازل" و"شتّي يا دني" (2010) لبهيج حجيج و"وينن" (2013) لعددٍ من الجامعيين. تشابه مبنيّ على ارتباكٍ نفسيّ تعيشه كلّ شخصية: فالأولى تزور طبيباً نفسياً في اليوم الأخير من العام، والثانية تعيش في ظلّ فقدان أبٍ مخطوف أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قبل عودته إليها، والثالثة تعاني فقدان أبٍ في الحرب نفسها.
هذا كلّه مرتبط بالسيناريو، وبطبيعة كلّ شخصية. كما أنه مرتبط بي أنا أيضاً، أي بمعنى كيف كنتُ حين أدّيتُ هذه الشخصية أو تلك، وكيف أشعرُ، وكيف أرى. التمثيل ليس "واجباً مدرسيّاً"، وليس وظيفة أو مهنة، بل نمط حياة. لهذا، أشتغلُ يومياً مع نفسي على هذا الموضوع.
(يوتيوب)