تنويعٌ في تقديم شخصيات مختلفة يُشكِّل سيرة سينمائية للّبنانية ديامان بو عبّود. المشترك الغالب بينها كامنٌ في ميلٍ إلى تأدية الشخصية المحطّمة أو المستسلمة أو المقهورة. لكنها، في هذا كلّه، قادرةٌ على إيجاد منفذٍ للاختلاف في تمثيلٍ، تتمكّن دائماً من تجديد بعض سماته، في حركة أو نظرة أو قولٍ أو انفعالٍ صامت. الشخصية السلبيّة تنعكس صورتها على الشاشة بأداء يخرج من قوقعة الحِرَفية البحتة، كي يرسم شيئاً من حساسية الفعل المختلف في كلّ دورٍ، التي تتطلّب اجتهاداً ذاتياً داخلياً، يؤدّي بها إلى اختبار صعبٍ: العثور على مفردات جديدة، وإنْ تكن الشخصيات متشابهة، إلى حدّ ما.
فيلمان جديدان لها يتجوّلان، حالياً، في مهرجانات وعروض. الأول بلجيكي فرنسي بعنوان "إنسيرياتِد" (أو "عائلة سورية") للبلجيكي فيليب فان لووي (غير معروضٍ، لغاية الآن، في بيروت). الثاني لبناني بعنوان "قضية رقم 23" للّبناني الفرنسي زياد دويري. كل تعليق على دورها في الأول مؤجّل. مع الثاني، تُسحِر الممثلة في شخصية محامية دفاعٍ عن فلسطيني ضد قواتيّ لبناني، بسبب إهانة مفتوحة على ذاكرة وتاريخ وأسئلة معلّقة. سحرٌ (تعبيرٌ غير مبالَغ به) ينبثق من جمالية الانغماس في مأزق صراعٍ ذاتيّ، يجعلها في مواجهة أسئلتها الشخصية المعلّقة، هي أيضاً. سحرٌ مفتوحٌ على حِرفية متولّدة من اختباراتٍ (مسرح وتلفزيون وسينما)، ومن انغماسٍ في مخاطر العناوين المطروحة في فضاء الفيلم، ومن اشتغالٍ يؤدي إلى ابتكار صورة أجمل عن ذاتٍ مسكونةٍ بمخاوف وهواجس ورغبات.
ارتباكات شخصيات سينمائية سابقة لها مصنوعة بمهنيّة، تساهم في اختبار آلية التجديد. "شتّي يا دني" (2011) لبهيج حجيج و"طالع نازل" (2013) لمحمود حجيج، مثلاً، نموذجان لتمريناتٍ تضعها في مواجهة تحدّياتِ راهنٍ مقيم في اضطراب واقع وماضٍ وانكسارات وخيبة. في "وينن" (2013) ـ لمخرجين شباب في عمل جماعي أول لهم ـ تقف عند الحدّ الواهي والقاسي بين فخّ تقليدٍ متأتٍ من تشابه شخصيتين لها (الابنة المُصابة بألم فقدان الأب المخطوف، وإنْ يظهر الأب عائداً في "شتّي يا دني"، في حين يُظلّل غيابه أجواء "وينن")، وبحثٍ إنسانيّ دراميّ جماليّ عن قولٍ أدائيّ مختلف.
نادين، محامية الدفاع في "قضية رقم 23"، مثالٌ للخروج على سياقٍ مديد، ولتأسيس سياق آخر. تغرف من حكاياتها الذاتية ما يُعينها على مواجهة الخصم، أي والدها المحامي وجدي وهبة (كميل سلامة)، المدافع عن القواتيّ. وأيضاً، على مواجهة ذاتها في لعبة الإغواء: إغواء الانقلاب على سطوة أبٍ وتاريخه السياسي الاجتماعي النفسيّ، المنسحق أمام ذاكرة حربٍ أهلية ونتائجها السلمية الكارثية؛ وإغواء المساهمة العملية على استعادة بعض الماضي، للخروج منه عبر مساءلته وتفكيكه؛ وإغواء البحث عن نبرة أخرى، تتمثّل في النطق والعفوية والانفعال، كما في النظرة والحركة والثقل التاريخي والآنيّ معاً. وهو ثقل عائلي معقودٌ على أسئلة بلدٍ ممزّق وفاسد، وعلى مواجع وانهيارات.
اقــرأ أيضاً
ارتباكات شخصيات سينمائية سابقة لها مصنوعة بمهنيّة، تساهم في اختبار آلية التجديد. "شتّي يا دني" (2011) لبهيج حجيج و"طالع نازل" (2013) لمحمود حجيج، مثلاً، نموذجان لتمريناتٍ تضعها في مواجهة تحدّياتِ راهنٍ مقيم في اضطراب واقع وماضٍ وانكسارات وخيبة. في "وينن" (2013) ـ لمخرجين شباب في عمل جماعي أول لهم ـ تقف عند الحدّ الواهي والقاسي بين فخّ تقليدٍ متأتٍ من تشابه شخصيتين لها (الابنة المُصابة بألم فقدان الأب المخطوف، وإنْ يظهر الأب عائداً في "شتّي يا دني"، في حين يُظلّل غيابه أجواء "وينن")، وبحثٍ إنسانيّ دراميّ جماليّ عن قولٍ أدائيّ مختلف.
نادين، محامية الدفاع في "قضية رقم 23"، مثالٌ للخروج على سياقٍ مديد، ولتأسيس سياق آخر. تغرف من حكاياتها الذاتية ما يُعينها على مواجهة الخصم، أي والدها المحامي وجدي وهبة (كميل سلامة)، المدافع عن القواتيّ. وأيضاً، على مواجهة ذاتها في لعبة الإغواء: إغواء الانقلاب على سطوة أبٍ وتاريخه السياسي الاجتماعي النفسيّ، المنسحق أمام ذاكرة حربٍ أهلية ونتائجها السلمية الكارثية؛ وإغواء المساهمة العملية على استعادة بعض الماضي، للخروج منه عبر مساءلته وتفكيكه؛ وإغواء البحث عن نبرة أخرى، تتمثّل في النطق والعفوية والانفعال، كما في النظرة والحركة والثقل التاريخي والآنيّ معاً. وهو ثقل عائلي معقودٌ على أسئلة بلدٍ ممزّق وفاسد، وعلى مواجع وانهيارات.