ربما يسجّل التاريخ الحديث للائحة مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة إلى مناطق الحروب والنزاعات، اسم الدبلوماسي الإيطالي ــ السويدي، ستيفان دي ميستورا، المبعوث الحالي الخاص إلى سورية، الذي يمرّ في يوليو/تموز المقبل، عامان على تسلمه منصبه، كأحد أكثر المبعوثين المثيرين للجدل.
الرجل السبعيني، الذي تنقّل في 19 مهمة ووساطة دولية خلال مسيرته السياسية طيلة 42 عاماً، أبرزها كممثل للأمين العام في العراق (2007-2009) وأفغانستان (2010-2011) وجنوب لبنان (2001-2004) وأماكن أخرى عديدة مثل رواندا والصومال والسودان ويوغوسلافيا السابقة، حفر اسمه، هو وفريق عمله الكبير، حتى الآن على الأقل، كمُخرِج لأفكار أدّت في نهاية المطاف، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى تأمين مصلحة النظام السوري، أو بأدنى حدّ، إلى مدّ عمر هذا النظام وإيجاد مخارج لأزماته معاكسة تماماً لما نصّ عليه أول إجماع دولي يحصل حيال الملف السوري، في يونيو/حزيران 2012 في جنيف السويسرية، وجوهره تأمين انتقال سياسي في سورية من خلال هيئة حكم انتقالية من دون بشار الأسد، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
"الحرب العبثية"
الانتقادات الموجهة للرجل، وطريقة إدارته لملف الوساطة بين الأطراف المعنية بالحرب السورية، وتركيبة فريق عمله، متعدّدة المصادر. وقد لا يكون من المبالغة القول إن أشرس الملاحظات وأعنفها ليس صادراً عن شخصيات محسوبة على المعارضة السورية، بل عن دبلوماسيين وإعلاميين غربيين، وأشخاص عملوا مع الرجل بشكل وثيق في الملف السوري خصوصاً، على غرار ما حصل مع المدير السياسي المستقيل لمكتب دي ميستورا، معين رباني. شخصيات خرجت عن صمتها مراراً، وعلناً، إما لتنتقد ما تسميه عدم كفاءة فريق عمل دي ميستورا وانحيازه لرؤية الثلاثي النظام السوري والروسي والإيراني لـ"الحل" في سورية، أو لتهاجم رئيس البعثة مباشرة، لتصل إلى اعتبار أن المسيرة الدبلوماسية للرجل في الأماكن الحساسة التي تولى الإشراف على مهمة للسلام فيها، مثل جنوب لبنان، حيث كانت تجمعه علاقات صداقة لا تزال مستمرة حتى اليوم مع رموز أمنيين من أشرس وجوه مرحلة الاحتلال السوري للبنان، خصوصاً مع اللواء جميل السيد، كانت فاشلة ولا تخوّل الأمانة العامة للأمم المتحدة تعيينه للمهمة شبه المستحيلة اليوم، أي الحرب السورية.
اقــرأ أيضاً
يرى كثيرون أن دي ميستورا ينتمي إلى مدرسة تعتبر أن الهروب إلى الأمام في حالات مشابهة للملف السوري، يعتبر إنجازاً للدبلوماسية الناعمة التي تضطلع بها الأمم المتحدة. من هنا، يسود إجماع على أن الرجل، في كل مرة يهدّد فيها بإعادة الملف إلى "رعاته الأصليين"، أي واشنطن وموسكو، يكون في طور تأكيد مدى ارتهانه للتفاهمات الأميركية - الروسية، وعدم استعداده لطرح أي فكرة جديدة وجريئة من شأنها كسر الاحتكار الثنائي للملف. من هنا، يبدو الدبلوماسي الإيطالي – السويدي فاهماً التفرد الروسي عملياً بإملاء الشروط سورياً، والانسحاب الأميركي الأقرب إلى التواطؤ مع موسكو في هذا المجال، فكانت معظم اقتراحاته وأفكاره أقرب إلى الأجندة الروسية - السورية الحكومية، في مجالات الهدن المناطقية المحلية، وأولوية وقف النار على حساب الحل السياسي، وإبقاء الأسد صراحةً في منصبه، وطرح فكرة الإتيان بشقيق بشار الأسد، ماهر مكان الرئيس الحالي للنظام...
كل ذلك في ظل قناعة تظهر في سلوكيات الرجل على هامش اجتماعات جنيف، تُرجمت بأنه لا بد من إضعاف أحد طرفي الصراع لإرغامه على الخضوع لشروط الأقوى. ومعلوم أن الراجح اليوم، في موازين القوى الداعمة، ليس سوى النظام السوري، المدعوم روسياً وإيرانياً وصينياً بشكل مباشر، بالتالي كان لا بد من إصرار الرجل على تفتيت وحدة المعارضة السورية، في تبنٍّ آخر للموقف الروسي، بحجة تمثيل "كافة أطياف المعارضة"، حتى وإن كانت هذه "الأطياف" ليست سوى أركان في صلب النظام السوري، قررت دمشق وموسكو إعطاءها صفة "المعارضة الوطنية"، في لعبة تجيدها الأنظمة المتسلّطة. من هنا، جاءت الدعوات التي وجهها دي ميستورا لوفود ما يسمى بـ"مجلس سورية الديمقراطية" و"جماعة حميميم" و"معارضة موسكو" و"وفد الآستانة"، وإن كان ذلك بصفة استشارية، لا تحول دون ترجمة موقف الرجل الذي يفترض أن يكون لديه من الخبرة الدبلوماسية والحنكة السياسية ما يمنعه من السقوط في فخّ لا يقع فيه تلميذ سنة أولى علوم سياسية، أي فهم حقيقة هذه الوفود المذكورة أعلاه التي تدعي المعارضة.
ويظهر الفارق شاسعاً بين دي ميستورا وسلفه، الأخضر الإبراهيمي (سبتمبر/أيلول 2012 حتى مايو/أيار 2014)، عند العودة إلى التبرير الذي قدمه الأخير في رسالة استقالته من منصبه، فقال إن السبب في الفشل هو "عدم الاكتراث العالمي بالملف السوري". ربما يكون عدم اكتراث فهِمه سلف الإبراهيمي، كوفي عنان (فبراير/شباط 2012- أغسطس/آب 2012)، باكراً جداً، عندما استقال من مهمة المبعوث الأممي إلى سورية، بعد خمسة أشهر فقط من تسلمه منصبه، مع أن ذلك كان في أوائل فترات الإبادة السورية المستمرة على يد النظام وحلفائه.
تفتيت المعارضة وتهميش الحل السياسي
تنطلق فلسفة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في مهمته السورية منذ تسلمه مهمته قبل عامين، من أنه يريد أن يجد صيغة تنهي الحرب بغض النظر عن شكل هذه الصيغة وعدالتها. يرى كثيرون، من الذين يجزمون بحسن نوايا الرجل، أن دي ميستورا يحاول الانطلاق مما أوقف الحرب البوسنية (1992-1995)، وهو تحقيق وقف إطلاق للنار أولاً، تمهيداً لحل سياسي. من هنا، جاءت فكرة الهدن المحلية المناطقية، التي طرحها على مجلس الأمن الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لتصب في مصلحة الطرف العسكري الأقوى على الأرض، أي النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه، نظراً للمناطق التي تم تطبيقها فيها. أكثر من ذلك، جاء مشروع دي ميستورا حول لجان العمل الأربع، في 29 يوليو/تموز 2015، برأي معارضين سوريين ومراقبين أجانب، ليؤدي دوراً في التغطية على رفض النظام السوري الالتزام بمقررات جنيف 1 (2012) من خلال تهميش أهمية عامل الحل السياسي في إنهاء الحرب، عبر طلبه إنشاء 4 مجموعات عمل مستقلة حول: سلامة المدنيين، والمسائل السياسية (بدل الانتقال السياسي)، والمسائل العسكرية، والمساعدات الإنسانية.
في هذا السياق، يتهم مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، دي ميستورا، بإدارة الملف السوري بشكل خاطئ لأنه "لا يرى الصورة العامة للملف" من خلال إيلاء الأهمية للهدن المحلية المناطقية في سورية على حساب الحل السياسي الذي من شأنه وحده أن ينهي الحرب، على حد تعبيره. ويختصر روث اتهامه بالقول إن "دي ميستورا يحاول جعل الأطراف السورية التي تتبادل إطلاق النار، تتوقف عن ذلك، لكن ليس هذا ما يقتل السوريين المدنيين فعلاً".
في المقابل، يوجه الدبلوماسي البريطاني السابق، كارني روس، الذي كان يقدم خدمات استشارية لوفد المعارضة السورية أيام كانت محصورة بالائتلاف الوطني السوري، انتقاداته لنظريات دي ميستورا بالقول إن "المقاربة العملية الوحيدة التي من شأنها الإتيان بحلول، هي التي تقوم على إنشاء مناطق حظر جوي لحماية المدنيين وفرض عقوبات اقتصادية" على النظام وحلفائه. وعن هذا الموضوع، يقول روس إن العقوبات الاقتصادية هي التي أرغمت (زعيم الصرب، رئيس صربيا ويوغوسلافيا بين عامي 1989 و2000) سلوبودان ميلوسيفيتس، على الذهاب إلى دايتون في العام 1995 وتوقيع اتفاق السلام"، وليس الهدن المحلية كما هو دي ميستورا مقتنع. ويضيف روس عن هذا الموضوع: "أعتقد أن على دي ميستورا أن يقول ذلك لمجلس الأمن وأن يطلب دعم دوله لأن مبعوثي السلام الدوليين عليهم أن يقولوا بوضوح ما هي الأدوات التي يحتاجون لها لإنجاز السلام، بما أن أطراف الحرب لا تتوقف عن القتال إلا حين تُجبر على ذلك".
الانتقادات الموجهة للرجل، وطريقة إدارته لملف الوساطة بين الأطراف المعنية بالحرب السورية، وتركيبة فريق عمله، متعدّدة المصادر. وقد لا يكون من المبالغة القول إن أشرس الملاحظات وأعنفها ليس صادراً عن شخصيات محسوبة على المعارضة السورية، بل عن دبلوماسيين وإعلاميين غربيين، وأشخاص عملوا مع الرجل بشكل وثيق في الملف السوري خصوصاً، على غرار ما حصل مع المدير السياسي المستقيل لمكتب دي ميستورا، معين رباني. شخصيات خرجت عن صمتها مراراً، وعلناً، إما لتنتقد ما تسميه عدم كفاءة فريق عمل دي ميستورا وانحيازه لرؤية الثلاثي النظام السوري والروسي والإيراني لـ"الحل" في سورية، أو لتهاجم رئيس البعثة مباشرة، لتصل إلى اعتبار أن المسيرة الدبلوماسية للرجل في الأماكن الحساسة التي تولى الإشراف على مهمة للسلام فيها، مثل جنوب لبنان، حيث كانت تجمعه علاقات صداقة لا تزال مستمرة حتى اليوم مع رموز أمنيين من أشرس وجوه مرحلة الاحتلال السوري للبنان، خصوصاً مع اللواء جميل السيد، كانت فاشلة ولا تخوّل الأمانة العامة للأمم المتحدة تعيينه للمهمة شبه المستحيلة اليوم، أي الحرب السورية.
هي حرب يقول دي ميستورا لجانين دي جيوفاني في صحيفة "ذي غارديان"، عام 2015، إنها "أكثر حرب عبثية عرفتها في حياتي". ربما من هذا التوصيف بالتحديد، تبدأ مشكلة كثيرين مع دي ميستورا، ابن اللاجئ المحروم من الجنسية بعد الحرب العالمية الثانية، المتحدر من عائلة من "النبلاء" الإيطاليين، التي أورثت الإبن ستيفان، تقليد تقبيل أيادي النساء، في سلوك غريب على "البروتوكولات" المعمول بها في أوساط الأمم المتحدة. فأن يعتبر ممثل بان كي مون في سورية، القضية عبارة عن "حرب عبثية"، فهذا يعني أنه لا يعترف بأن أساس القضية والكارثة، هو سياسي بحت، ناتج من ثورة شعبية أرادت إسقاط نظام ديكتاتوري، أي بكلام آخر، أن وقف الحرب السورية لا يكون إلا بحل سياسي يحصل عبر تغيير النظام، لا من خلال وقف الاقتتال على الجبهات والإبقاء عملياً على النظام مثلما هو فعلياً، إلا إذا اعتبرنا تعيين نواب لبشار الأسد من المعارضة، أو تعديل صلاحيات الرئاسة، أو إشراك معارضين يكاد النظام يختارهم، تغييراً جذرياً، مثلما توحي اقتراحات دي ميستورا التي سبق أن تقدم بها إلى وفد الهيئة العليا للتفاوض، أو إلى مجلس الأمن الدولي حتى.
اقــرأ أيضاً
الاستسلام للاتفاقات الروسية الأميركيةيرى كثيرون أن دي ميستورا ينتمي إلى مدرسة تعتبر أن الهروب إلى الأمام في حالات مشابهة للملف السوري، يعتبر إنجازاً للدبلوماسية الناعمة التي تضطلع بها الأمم المتحدة. من هنا، يسود إجماع على أن الرجل، في كل مرة يهدّد فيها بإعادة الملف إلى "رعاته الأصليين"، أي واشنطن وموسكو، يكون في طور تأكيد مدى ارتهانه للتفاهمات الأميركية - الروسية، وعدم استعداده لطرح أي فكرة جديدة وجريئة من شأنها كسر الاحتكار الثنائي للملف. من هنا، يبدو الدبلوماسي الإيطالي – السويدي فاهماً التفرد الروسي عملياً بإملاء الشروط سورياً، والانسحاب الأميركي الأقرب إلى التواطؤ مع موسكو في هذا المجال، فكانت معظم اقتراحاته وأفكاره أقرب إلى الأجندة الروسية - السورية الحكومية، في مجالات الهدن المناطقية المحلية، وأولوية وقف النار على حساب الحل السياسي، وإبقاء الأسد صراحةً في منصبه، وطرح فكرة الإتيان بشقيق بشار الأسد، ماهر مكان الرئيس الحالي للنظام...
ويظهر الفارق شاسعاً بين دي ميستورا وسلفه، الأخضر الإبراهيمي (سبتمبر/أيلول 2012 حتى مايو/أيار 2014)، عند العودة إلى التبرير الذي قدمه الأخير في رسالة استقالته من منصبه، فقال إن السبب في الفشل هو "عدم الاكتراث العالمي بالملف السوري". ربما يكون عدم اكتراث فهِمه سلف الإبراهيمي، كوفي عنان (فبراير/شباط 2012- أغسطس/آب 2012)، باكراً جداً، عندما استقال من مهمة المبعوث الأممي إلى سورية، بعد خمسة أشهر فقط من تسلمه منصبه، مع أن ذلك كان في أوائل فترات الإبادة السورية المستمرة على يد النظام وحلفائه.
تفتيت المعارضة وتهميش الحل السياسي
تنطلق فلسفة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في مهمته السورية منذ تسلمه مهمته قبل عامين، من أنه يريد أن يجد صيغة تنهي الحرب بغض النظر عن شكل هذه الصيغة وعدالتها. يرى كثيرون، من الذين يجزمون بحسن نوايا الرجل، أن دي ميستورا يحاول الانطلاق مما أوقف الحرب البوسنية (1992-1995)، وهو تحقيق وقف إطلاق للنار أولاً، تمهيداً لحل سياسي. من هنا، جاءت فكرة الهدن المحلية المناطقية، التي طرحها على مجلس الأمن الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لتصب في مصلحة الطرف العسكري الأقوى على الأرض، أي النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه، نظراً للمناطق التي تم تطبيقها فيها. أكثر من ذلك، جاء مشروع دي ميستورا حول لجان العمل الأربع، في 29 يوليو/تموز 2015، برأي معارضين سوريين ومراقبين أجانب، ليؤدي دوراً في التغطية على رفض النظام السوري الالتزام بمقررات جنيف 1 (2012) من خلال تهميش أهمية عامل الحل السياسي في إنهاء الحرب، عبر طلبه إنشاء 4 مجموعات عمل مستقلة حول: سلامة المدنيين، والمسائل السياسية (بدل الانتقال السياسي)، والمسائل العسكرية، والمساعدات الإنسانية.
في المقابل، يوجه الدبلوماسي البريطاني السابق، كارني روس، الذي كان يقدم خدمات استشارية لوفد المعارضة السورية أيام كانت محصورة بالائتلاف الوطني السوري، انتقاداته لنظريات دي ميستورا بالقول إن "المقاربة العملية الوحيدة التي من شأنها الإتيان بحلول، هي التي تقوم على إنشاء مناطق حظر جوي لحماية المدنيين وفرض عقوبات اقتصادية" على النظام وحلفائه. وعن هذا الموضوع، يقول روس إن العقوبات الاقتصادية هي التي أرغمت (زعيم الصرب، رئيس صربيا ويوغوسلافيا بين عامي 1989 و2000) سلوبودان ميلوسيفيتس، على الذهاب إلى دايتون في العام 1995 وتوقيع اتفاق السلام"، وليس الهدن المحلية كما هو دي ميستورا مقتنع. ويضيف روس عن هذا الموضوع: "أعتقد أن على دي ميستورا أن يقول ذلك لمجلس الأمن وأن يطلب دعم دوله لأن مبعوثي السلام الدوليين عليهم أن يقولوا بوضوح ما هي الأدوات التي يحتاجون لها لإنجاز السلام، بما أن أطراف الحرب لا تتوقف عن القتال إلا حين تُجبر على ذلك".