ذات ليلة ذهبتْ ولم تعُد

20 مارس 2015
قلوب يتوقف نبضها (GETTY)
+ الخط -

كانت مملوءة بالحيوية، ومحبوبة بين صبايا قريتها. يسمونها حلّالة المشاكل، ويلجأن إليها طلباً للنصيحة.

أنهت الصبية تعليمها المتوسط في القرية، ثم انتقلت إلى الثانوية، في قرية مجاورة. حتى تلك الآونة كان كل شيء على حاله، والحرب التي كانت تدور رحاها في العاصمة وبعض المناطق الجبلية لم تكسر وقع الحياة اليومية الرتيب في القرية، ولم تسرّع نبضه. لكن اتساع دوائر الحرب، وهجرة الكثير من الناس باتجاه القرى، غيّر مجرى الأحداث، وصار للصبية حكاية مختلفة.

تخرجت من الثانوية، وعملت في إحدى المؤسسات. وهناك التقت بمهندس شاب قادم من منطقة أخرى. تعارفا، ونشأ ودٌ بينهما، وما لبث أن تحول حباً، وتواعدا على الزواج.

حاولا قدر المستطاع إبقاء أمر علاقتهما سرياً. فالمجاهرة غير واردة لأن الشاب من دين مختلف. لكن أخبار العاشقَين تناقلتها الناس، حتى وصلت إلى أسرة الفتاة. وذات صباح صدح صوت ميكروفون البلدية باكراً "إنا لله وإنا إليه راجعون، ننعى إليكم المأسوف على شبابها...."، ونشرت أسرتها خبر إصابة ابنتهم بسكتة قلبية خلال نومها.

القرية كلها تواطأت مع أسرة الصبية. والطبيب الشرعي أصدر تقريره أن الوفاة كانت طبيعية. ولكن بما أن أصول الشرف تقضي بأن تحاسَبُ الفتاة على فِعلتها، فقد قام أحد أفراد أسرتها بإسكات خفقات قلبها، لأنه تجرأ وأحب.

 

ذهبت ولم تعد

رجَت الصبية والدتها كي تسمح لها بمرافقة صديقتها إلى التسوق. والسوق بعيد عن القرية بعض الشيء. خضعت الأم لتوسلات ابنتها، واشترطت عليها العودة قبل رجوع والدها وأخوتها من أشغالهم.

استقلت الفتاتان سيارة أجرة، وكانت فرصة للثانية كي تلتقي شاباً تعرفت إليه وأحبته. قدِم الشاب إلى الموعد مع صديق له. الصبية لم تكن قد التقت بحبيب صديقتها يوماً، كذلك لم تكن قد تعرّفت بصديقه الذي أتى بصحبته. طالت الجلسة، وفات على موعد العودة أكثر من ساعتين.

وصلوا إلى خارج القرية، وعندما همّت الفتاتان بالنزول من سيارة الصديق، ومتابعة السير على الأقدام لإبعاد الشبهات، رأتا جمهرة من شباب القرية بينهم أشقاء لهما. دبّ الخوف في القلوب، وظنت الفتاتان أنهم تجمعوا للبحث عنهما.

انتظرتا بعيداً، ومع عودتهما إلى الاستكشاف، وجدا أن التجمع لا يزال على حاله. الوقت يمضي ثقيلاً، والرعب نال من الفتاتين. تجمعت أسباب الخوف لديهما، لأن الضرب والتعنيف والتهديد كانت دوماً لغة المخاطبة المعتادة في أسرتيهما.

قرر الشاب أن يأخذ حبيبته "خطيفة" ويتزوجا عند أحد الشيوخ في اليوم التالي. فعل استباقي ربما كان سيحصل على مهل وبرويّة، لكن الخوف من العقاب أدى إلى تعجيله.

لكن ماذا عن الصبية؟ وكيف ستنفذ من ورطتها؟ لم يكن من الشاب الصديق، والذي لم يمضِ على معرفته بها سوى ساعات قليلة، إلا أن يعرض عليها الزواج. ردّة فعل لا منطق فيها، وقرار متسرع حتّمته الظروف.

شاع الخبر صباحاً أن الفتاتين غادرتا القرية ولم تعودا. عائلتا الفتاتين اعتصمتا في البيوت خجلاً من مواجهة الناس. وصل "المرسال" بعد يومين يخبرهما بزواج البنتين. زواجٌ بانت شوائبه سريعاً. ولا مجال للعودة بالزمن إلى الوراء.

للتوضيح، تجمع الشبان في تلك الليلة عند مشارف القرية، كان لانتظار وصول جثمان أحدهم، بعد تلقي خبر وفاته في المدينة.

القصة الثالثة، والرابعة، والخامسة ... قصص لا تنتهي، عنوانها العريض العنف. 

المساهمون