الذعر الغذائي يسيطر على لبنان. الأسبوع الماضي، خرج وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى الإعلام، ليعلن عن أسماء عشرات المطاعم التي تقدم للمواطنين الطعام الفاسد. لا بل قال الوزير إن الفحوص بيّنت أن بعض الأطعمة فيها مخلّفات "البراز". الكل أصبح مشغولاً بهذا الحدث الجلل.
الطعام الذي كنّا نأكله تبيّن أنه غير صالح للاستهلاك البشري "يا غيرة الدين".
الطعام الذي كنّا نأكله تبيّن أنه غير صالح للاستهلاك البشري "يا غيرة الدين".
فعلياً، ليست المرة الأولى التي يصاب فيها اللبنانيون بذعر الغذاء. عملياً، سبق أن لعب وزير الزارعة السابق حسين الحاج حسن دور البطولة ذاته. إلا أن ذاكرة اللبنانيين كذاكرة السمكة.
منذ عام 2009 حتى عام 2011، أصبح الحاج حسن ملك الساحة اللبنانية والإعلامية. فقد كان له في كل شهر تقريباً "اكتشافٌ" في علم الفساد الغذائي. ولعب الوزير دور "سوبرمان"، فانتقل من الحدود البرية إلى البحرية إلى المحال والمتاجر وكاد أن يصل إلى الحدود الجوية، لولا المحاذير السياسية.
حينها، أعلن وزير الزراعة سلسلة من الفضائح التي طالت القمح والبزورات والمواد الغذائية الفاسدة، والأسماك واللحوم وصولاً إلى الإعلان عن شحنات من الحبوب غير الصالحة للاستهلاك البشري. وتزامنت هذه "الاكتشافات" مع حالات تسمم غذائي ضج بها الشارع اللبناني. هذا بالإضافة إلى انطلاق سباق بين السياسيين لفضح بعضهم بعضاً في التورط بعمليات التزوير والغش والفساد الغذائي.
في ذلك الوقت، عاش اللبنانيون أيضاً في ذعر... استمر حتى عام 2012. في هذا العام تحديداً، خرج كل من الحاج حسن، ووزير السياحة السابق فادي عبود، ووزير الاقتصاد السابق نقولا نحاس في مؤتمر صحافي من السرايا الحكومية، وأعلنوا أن الإعلام يشوّه صورة لبنان من خلال الحديث عن الأطعمة الفاسدة.
وفي المؤتمر الصحافي عينه، تم الإعلان عن إجراءات ستقضي على الفساد الغذائي ضمن خطة تشمل الرقابة على عمليات الاستيراد، التوزيع والتخزين، فضلاً عن إجراء مسح شامل على المطاعم والمؤسسات السياحية والغذائية... وإطلاق قانون سلامة الغذاء.
ومنذ عام 2012 حتى اليوم، لم تتخذ أي خطوة من هذه الخطوات. أمّا قانون سلامة الغذاء، فهو متوقف منذ عام 2006 كون الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء (التي ينص القانون على تشكيلها) تخضع لوزارة الاقتصاد. ويأخذ وزراء الزراعة المتعاقبون عليها أنها تتمتع بالصلاحيات ذاتها التي تحظى بها وزارة الزراعة. وبالتالي توقف القانون لتضارب الصلاحيات الوزارية - المذهبية - السياسية، بين وزارة الزراعة التي تخضع لسيطرة أحزاب 8 آذار ("حزب الله" وحلفاؤه)، ووزارة الاقتصاد التي تخضع لسيطرة أحزاب 14 آذار ("تيار المستقبل" وحلفاؤه).
كذلك، صدر في عام 2005 قانون المستهلك في لبنان. ومنذ تسع سنوات حتى اليوم، لم يتم إقرار المراسيم التطبيقية اللازمة لتطبيق القانون.
اللبنانيون لا يتسمّمون اليوم من الغذاء، نتيجة فساد التجار وأصحاب المؤسسات فقط. اللبنانيون اليوم يأكلون "البراز"، على ما قال حرفياً أبو فاعور، نتيجة التغييب الممنهج للقوانين التي تحميهم، ونتيجة انتخابهم الأحزاب ذاتها لتكون مسؤولة عن السهر على مصالحهم في كل دورة انتخابية...
آه، صحيح، ذاكرة السمكة أنستنا، أن النواب ملّوا من إعادة انتخاب أحزابهم، فقرروا تلقائياً التمديد لأنفسهم بأنفسهم منذ أسابيع، وأنستنا أن لا رئيس جمهورية لدينا، وأن حكومتنا تعمل بتمديد أوتوماتيكي.
يبدو أن ذاكرة السمكة أنستنا أننا بشر حقنا البسيط ألا نأكل "البراز".
منذ عام 2009 حتى عام 2011، أصبح الحاج حسن ملك الساحة اللبنانية والإعلامية. فقد كان له في كل شهر تقريباً "اكتشافٌ" في علم الفساد الغذائي. ولعب الوزير دور "سوبرمان"، فانتقل من الحدود البرية إلى البحرية إلى المحال والمتاجر وكاد أن يصل إلى الحدود الجوية، لولا المحاذير السياسية.
حينها، أعلن وزير الزراعة سلسلة من الفضائح التي طالت القمح والبزورات والمواد الغذائية الفاسدة، والأسماك واللحوم وصولاً إلى الإعلان عن شحنات من الحبوب غير الصالحة للاستهلاك البشري. وتزامنت هذه "الاكتشافات" مع حالات تسمم غذائي ضج بها الشارع اللبناني. هذا بالإضافة إلى انطلاق سباق بين السياسيين لفضح بعضهم بعضاً في التورط بعمليات التزوير والغش والفساد الغذائي.
في ذلك الوقت، عاش اللبنانيون أيضاً في ذعر... استمر حتى عام 2012. في هذا العام تحديداً، خرج كل من الحاج حسن، ووزير السياحة السابق فادي عبود، ووزير الاقتصاد السابق نقولا نحاس في مؤتمر صحافي من السرايا الحكومية، وأعلنوا أن الإعلام يشوّه صورة لبنان من خلال الحديث عن الأطعمة الفاسدة.
وفي المؤتمر الصحافي عينه، تم الإعلان عن إجراءات ستقضي على الفساد الغذائي ضمن خطة تشمل الرقابة على عمليات الاستيراد، التوزيع والتخزين، فضلاً عن إجراء مسح شامل على المطاعم والمؤسسات السياحية والغذائية... وإطلاق قانون سلامة الغذاء.
ومنذ عام 2012 حتى اليوم، لم تتخذ أي خطوة من هذه الخطوات. أمّا قانون سلامة الغذاء، فهو متوقف منذ عام 2006 كون الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء (التي ينص القانون على تشكيلها) تخضع لوزارة الاقتصاد. ويأخذ وزراء الزراعة المتعاقبون عليها أنها تتمتع بالصلاحيات ذاتها التي تحظى بها وزارة الزراعة. وبالتالي توقف القانون لتضارب الصلاحيات الوزارية - المذهبية - السياسية، بين وزارة الزراعة التي تخضع لسيطرة أحزاب 8 آذار ("حزب الله" وحلفاؤه)، ووزارة الاقتصاد التي تخضع لسيطرة أحزاب 14 آذار ("تيار المستقبل" وحلفاؤه).
كذلك، صدر في عام 2005 قانون المستهلك في لبنان. ومنذ تسع سنوات حتى اليوم، لم يتم إقرار المراسيم التطبيقية اللازمة لتطبيق القانون.
اللبنانيون لا يتسمّمون اليوم من الغذاء، نتيجة فساد التجار وأصحاب المؤسسات فقط. اللبنانيون اليوم يأكلون "البراز"، على ما قال حرفياً أبو فاعور، نتيجة التغييب الممنهج للقوانين التي تحميهم، ونتيجة انتخابهم الأحزاب ذاتها لتكون مسؤولة عن السهر على مصالحهم في كل دورة انتخابية...
آه، صحيح، ذاكرة السمكة أنستنا، أن النواب ملّوا من إعادة انتخاب أحزابهم، فقرروا تلقائياً التمديد لأنفسهم بأنفسهم منذ أسابيع، وأنستنا أن لا رئيس جمهورية لدينا، وأن حكومتنا تعمل بتمديد أوتوماتيكي.
يبدو أن ذاكرة السمكة أنستنا أننا بشر حقنا البسيط ألا نأكل "البراز".