لا يملك أغلب قادة ومنظمي التظاهرات أو الناشطين فيها، أسلحة في معركتهم سوى صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت المحرك الأول والمصدر الأهم الذي يعتمدون عليه في بثّ التعليمات أو التوجيهات المتعلقة بالتظاهرات، كموعد انطلاقها ومكانها في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، إذ عادة ما يلجأ المنظمون إلى تغيير الوقت والمكان لدواع أمنية ولمفاجأة المسؤولين. مرة يختارون التظاهر عند المنطقة الخضراء وأخرى أمام البرلمان وثالثة عند مجلس القضاء ورابعة أمام وزارة الكهرباء ومبنى البلدية وهكذا الحال منذ ما يقرب من شهرين
اقرأ أيضاً: اغتيالات تطاول قادة التظاهرات العراقية... واتهامات للمليشيات
ذكرى سرسم، صحافية وفنانة عراقية من الوجوه النسوية التي برزت في تلك التظاهرات كملهمة لأقرانها ومشجعة لهم على المشاركة والتعبير عن رأيهم. ترى سرسم، في حديث لـ"العربي الجديد" أن التظاهرات ولّدت حالة من الرعب بين المسؤولين في الحكومة العراقية كونها تمكنت من إسقاط مسؤولين بارزين لم يكن يتوقع أحد زوالهم في يوم من الأيام. وتلفت سرسم إلى أنه لا خيار أمام الحكومة سوى الإصلاح، وإلا فإن "الجميع سيغرق"، في إشارة إلى السياسيين.
تتوقف سرسم عند بداية الخروج في التظاهرات وانطلاقها من مدينة البصرة، مشيرةً إلى أنه "بالرغم من مطالبة المتظاهرين بتوفير الكهرباء حينها، إلا ان التظاهرة قُمعت من قبل أجهزة المحافظة الأمنية، واستشهد من جراء ذلك القمع الشاب الصغير منتظر". وكانت تظاهرات خرجت في البصرة منتصف يوليو/تموز الماضي، للمطالبة بتوفير الخدمات وأهمها الكهرباء، تم التعامل معها بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية في المحافظة، وقتل على إثرها أحد المتظاهرين ويدعى منتظر الحلفي، ومنها انطلقت شرارة التظاهرات إلى العاصمة بغداد ومحافظات أخرى.
وتشير سرسم إلى أنّ مقتل الحلفي كان بمثابة "الشرارة والحافز لانطلاق التظاهرات في بقية المدن، إذ وجد المواطن نفسه لا يمتلك شيئاً يخشى أن يفقده، لذا فقد نُشرت الدعوات للتظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأخذت المحافظات تنضم الواحدة تلو الأخرى. فالمعاناة واحدة، وأهمها غياب الخدمات بالإضافة إلى الأزمات التي خلفها الفساد والاعتقالات العشوائية وقضايا كثيرة أخرى".
تكشف الناشطة المدنية عن وجود اتصالات بين الناشطين في جميع المحافظات للتواصل ومعرفة تطورات التظاهرات في مختلف المدن. وتشرح كيفية حدوث ذلك بقولها: "لدينا مجموعات نتواصل عبرها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك تنسيق بين الناشطين في المحافظات يتم من خلاله تبادل الأخبار عما يحدث على الأرض".
ووفقاً لسرسم فقد "أثمرت التظاهرات عن نتائج ايجابية في بعض المدن، وتوضَّح ذلك من خلال الإطاحة بالقائمين على الحكومات المحلية، وهذا بحد ذاته تسبب في حالة من الرعب لدى الكثير من المسؤولين خوفاً من أن ينالهم نفس المصير".
لا تنكر سرسم وجود محاولات لإجهاض التظاهرات، مبينة أن "الاختراقات موجودة منذ اليوم الأول لانطلاق التظاهرات، وجهات كثيرة تحاول ركوب الموجة"، في إشارة إلى الأحزاب والشخصيات السياسية التي تؤكد سرسم أنها "متضررة (من خروج التظاهرات ضدها)".
وترى سرسم أنّ هذه الجهات "لن تسكت بالتأكيد، ولا سيما أنّ أغلب الكتل السياسية متورطة بملفات فساد، لذا فالخروق والاعتداءات كانت متوقعة منذ البداية، لكننا شهدنا اختلافاً كبيراً بالمقارنة مع ما حدث في تظاهرات العام 2011". وتلفت إلى أنّ "أفراد القوات الأمنية أكثر استرخاء، ويبذلون جهداً واضحاً في حماية المتظاهرين" مستدركة بالقول: "لكن تبقى هناك بعض الخروق والأحداث، على غرار ما حدث في ساحة التحرير (وسط بغداد)، ونحن سبق أن حملنا كل المسؤولية لرئيس الوزراء كونه الشخص الأول المسؤول عن حماية المتظاهرين السلميين، ومعاقبة المقصرين من أفراد القوات الأمنية".
وحصلت اعتداءات في تظاهرة الجمعة قبل الماضي من قبل أشخاص أكد ناشطون من داخل ساحة التظاهر لـ"العربي الجديد" أنهم من المليشيات، اعتدوا على المتظاهرين بالضرب مستخدمين أسلحة بيضاء. كما تعرض ناشطون للتصفية فيما وجهت تهديدات لآخرين. لكن على الرغم من تلك التهديدات، خرج المحتجون بقوة في التظاهرات بموعدها المحدد يوم الجمعة في 28 يوليو/تموز.
وترى سرسم أن للتظاهرات تأثيراً كبيراً، موضحة "أرى أن الإصلاح آتٍ، سواء استمرت التظاهرات أم توقفت، والسبب الرئيسي هو الانخفاض المستمر لأسعار النفط إلى الحد الذي ستكون فيه الحكومة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، وهذا الأمر لو حصل ستتحول التظاهرات إلى تظاهرات مليونيه حقيقية".
وتلفت الناشطة العراقية إلى أن الحكومة تعي جيداً المخاطر المحدقة بها، لذا فإنه بحسب ما وردنا تعكف على وضع خطط تحسباً لتفاقم الأزمة، تتعلق بتوفير فرص عمل من خلال تشجيع القطاع الخاص وفرص الاستثمار"، معربة عن أملها في أنّ "يكون رئيس الوزراء (حيدر العبادي) قد وصل إلى هذه القناعة، وأن يسعى جاهداً لاستشارة أشخاص أكفياء، قادرين على وضع حلول للمصائب التي يمر بها العراق".
وتحذر سرسم من أنه في حال عدم اعتماد حلول جدية "الجميع سيغرق"، مشيرة إلى أن الآف العوائل أصبحت بلا معيل ومنها "عوائل ضحايا سبايكر (المجزرة التي ارتكبها تنظيم داعش عندما قتل نحو 1700 جندي) أو موظفو العقود ممن فقدوا وظائفهم بعد دمج الوزارات". وترى سرسم أنّ ما تحقق منذ خروج التظاهرات، منتصف يوليو/تموز الماضي، "لا يشكل سوى واحد في المائة من المطالب، لكننا نجد أن الاستجابة للمطالب والاعتراف بأهمية هذه التظاهرات من قبل السلطة التشريعية والتنفيذية بالإضافة إلى المرجعية الدينية يعتبر إنجازاً بحد ذاته". وتخلص سرسم إلى القول "المهم في الموضوع أنّ المواطن العادي تولد لديه شعور بأن الضغط يفضي إلى نتائج. فبعد أن كان الكثيرون يشككون بفائدة الخروج للتظاهر، بدأوا يجدون فيها بصيص أمل".
اقرأ أيضاً: الحكومة العراقية تسحب قوات تحرير الموصل إلى الأنبار