اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء إملحاين، غيرت آسيا جبار اسمها عام 1957، واستعادة اسمها الحقيقي اليوم في ذكرى ميلادها، أمر ضروري لأنه يلفت إلى محاولة الشابة لأن تضع حداً لصراعها الذي كانت تتناوله في أدبها وأعمالها البحثية والسينمائية، حول الهوية في جزائر ما بعد الاستقلال، حين نشب الصراع الهوياتي حول التراث والأصالة والحداثة والمعاصرة وكان كل منهما له اشتراطاته.
كان تغيير اسمها قراراً بتقديم هوية تشبه هذه المرأة ابنة الطبقة المتوسطة، العربية والبربرية، والتي تلقت التعليم مبكراً في كتاب تحفيظ القرآن وكانت واحدة من طفلتين فيها، ثم درست في مدرسة مسيحية فرنسية كانت المسلمة الوحيدة فيها، أي أنها كانت دائماً منفردة وغريبة، عاشت صراعات كبيرة أساسها: من هي وأي لغة تتكلم؟
المفارقة الأكبر أن تختار الكاتبة الأفريقية اسم آسيا لتعبّر به عن نفسها، نحن لا نعرف سبب اختيار الاسم، لكن يمكن أن نفكر أنه انفلات آخر من الجغرافيا. ليس رغبة في الخروج من المكان، بل على الأرجح حرصاً على التحرر من سطوة الأسماء والثقل الذي تحمله كهوية، حيث الاسم في الثقافة العربية يقول الكثير عن صاحبه: الأصل والطبقة والسلطة والديانة وفي كثير من الأحيان الانتماء السياسي أيضاً.
كتبت جبار عشر روايات بالفرنسية، أغنتها بكل الثقافات واللغات التي داخلها: العربية والبربرية والفرنسية، ونالت عن نتاجها الأدبي عضوية "الأكاديمية الفرنسية" لتكون أيضاً أول امرأة من شمال أفريقيا تدخلها.
إنها دائماً وحيدة في شيء ما، تنفرد به راغبة أو مرغمة، وكل ذلك مرده إلى الهوية والجندر، الأمران اللذان باتا ثيمتين شغلتاها ومنبع تفكيرها في الثقافة والأدب وتاريخ الفن وصناعة الأفلام، وفي كل ذلك كانت تفتّش عن نساء جرى محوهن من التاريخ لسبب ما، تبحث عنهم في فترة الصراع من أجل الاستقلال ثم بعد ذلك لكن ولسبب ما يتجاهلهم التاريخ؛ ليس العربي أو الجزائري فقط، بل والفرنسي أيضاً.
لن يكون من الخطأ القول إنها واحدة من القليلات اللواتي بدأن مخاطبة ما يشغلهن بأدوات نسوية، ليس على الطريقة الغربية الصرفة، ولكنهن أضفن لها وبدلن فيها وعدلن عليها لكي تصبح أداة قادرة على قراءة واقع شديد التعقيد تاريخياً ودينياً واجتماعياً، وقبل كل ذلك سياسياً وبشكل خاص من حيث علاقته مع عنف كولونيالي مورس ضد تطور هذه المجتمعات لعقود طويلة، والإرث الديكتاتوري والقمعي والتخلف الذي تركه الاستعمار خلفه لتصارعه الشعوب إلى اليوم.
في روايتها "الحب، الفنتازيا"، تلقي بالها لمصادر متعددة، من التاريخ للصورة للسينما والأدب، ووظفت كل ذلك لتقديم المرأة والتكلم بصوتها، انتقلت أيضاً إلى الريف الجزائري في فيلميها اللذين قدمتهما في السبعينيات، بحثاً عن شخصياتها المفقودة واللواتي تغض السرديات النظر عن مقاومتهن وحكاياتهن وآلامهن ونضالهن الذي امتد من الاستعمار للحياة اليومية.
في "الحب، الفنتازيا"، تستحضر حوارات النساء اللواتي عشن ثورة الاستقلال وحاربن من أجل حقوقهن بعده، على لسان نساء عشن في الجزائر في القرن التاسع عشر زمن حدوث الرواية، في لعبة مؤلمة من المرايا العابرة للزمن والتي تصور من خلالها واقع النساء.
الرواية هي الأولى مما أطلقت عليه "بورتريه السيرة الذاتية"، وقصدت به أربع روايات هي: "شهرزاد"، و"كبير جداً السجن"، و"امرأة بلا قبر". دلتنا آسيا على حياتها في هذه الروايات الأربع، كامرأة وككاتبة وكنسوية وكإنسانة تتألم بكل المعاني، من الاستعمار إلى الاستقلال ثم المخاض العسير بعده ثم العشرية السوداء، المنفى والوطن، المرأة والأدب؛ كل هذه المفردات التي تقابل الألم، كانت مفردات حياة آسيا جبار.