تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، 13 آب/ أغسطس ، ذكرى ميلاد عالم الاجتماع التونسي عبد الوهاب بوحديبة (1932).
إلى منتصف القرن العشرين مثّل علم الاجتماع حقلا علميا خاصاً بالمجتمعات الغربية، فمقولاته ومناهجه قد تبلورت في على يد مؤسسين (سبنسر، كونت، فيبر، دوركهايم...) كانوا يدرسون ويلاحظون مجتمعاتهم ويستخرجون القوانين الاجتماعية التي تحكمها. أما مجتمعات بقية العالم، فقد جرى إقصاؤها تماما من علم الاجتماع وتُركت دراستها للأنثروبولوجيا.
مع موجة استقلال الدول العربية والأفريقية، كان من الضروري القطع مع الرؤية الأنثروبولوجية، وفي نفس الوقت كان من العسير استغلال مفاهيم علم الاجتماع لخصوصيّتها الغربية هكذا كانت ممارسة السوسيولوجيا مغامرة بالنسبة للجيل الأول الذي درسها في الجامعات الأوروبية، وكان عليهم تأصيلها في التربة العربية حين يعودون إلى بلدانهم، ومن هؤلاء عالم الاجتماع التونسي عبد الوهاب بوحديبة (1932).
بفضل كتابه الأشهر، "الإسلام والجنس" (صدر بالفرنسية أولا في 1975، ثم ترجم للعربية في 1986)، أصبحت مواضيع العالم العربي معترفا بها ضمن الدراسات السوسيولوجية على مستوى عالمي، وهو عمل لا يكتفي بقراءة علاقة الإسلام بقضية حساسة ومثيرة مثل الجنس بعين الباحث، بل يخرج قارئه – حتى الغربي – بفهم لنظرة الإسلام للعالم، مفككاً بذلك الكثير من الصور النمطية.
على مستوى عربي، يمكن القول بأن هذا الكتاب قدّم مصالحة بين الإنسان العربي المعاصر وتراثه، ليس الأدبي أو الذهني فحسب بل التراث باعتباره منظومة من ممارسات الحياة اليومية، خصوصا حين يخوض بوحديبة في فهم إكراهات العلاقات الاجتماعية وعلاقتها بالتعامل مع الجسد، ليثبت أن الكبت الجنسي هو في النهاية صنو أشكال أخرى من الكبت تتمظهر في قطاعات أخرى.
من أشكال الكبت هذه؛ الكبت الفكري، وهو ما تناوله بشكل طريف في أحد حواراته التلفزية حين قارب من هذا المفهوم علاقته بالدولة من خلال المواقع التي شغلها، من الجامعة إلى إدارة مراكز البحث وأبرزها "بيت الحكمة" في تونس.
يعتبر بوحديبة أن الدولة فرضت الكثير من الكتب على الباحثين، غير أن المفارقة تكمن في كون فترة حكم زين العابدين بن علي، وهي الأكثر تضييقا على الحريات، كانت أقل مرحلة من مراحل الكبت الفكري في تون لسبب بسيط هو أن بن علي لم يكن يملك فكرا مضادا لما يقدّمه الباحثون على عكس حبيب بورقيبة الذي لا يطرح مقولات فكرية وثقافية ولا يسمح للباحثين أن يناقضوها، وبعد الثورة أتت أطروحات جديدة في مناصب الدولة العليا تحاول فرض نفسها على سياق تطوّر البحث والمجتمع.
من أبرز أعمال عالم الاجتماع التونسي؛ "الجريمة والتحوّلات الاجتماعية في تونس" (1965)، و"علم اجتماع التنمية في أفريقيا" (1971)، و"العمومي والعدل" (1971)، و"في البحث عن المرجعيات المفقودة" (1973)، و"المتخيّل المغاربي" (1994)، و"على خطى ابن خلدون" (بالاشتراك مع منيرة شابوتو، 2006)، وصولاً إلى أعمال السنوات الأخيرة وأبرزها "ثقافة العطر في الإسلام" (2017).