تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العشرون من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد المناضل الليبي عمر المختار (1858 - 1931).
توضّح العديد من رسائل عمر المختار، الذي تحلّ اليوم الخميس ذكرى ميلاده، إلى القبائل الليبية كيف استطاع أن يجمع مئات المقاتلين لمواجهة جيش الاستعمار الإيطالي الذي دخل مدينة بنغازي عام 1911، وينظّم مقاتليه في المعسكر الذي أسّسه كنقطة انطلاق للعمليات التي خطّط لها لاستنزاف الإيطاليين.
قاد المناضل الليبي (1858 - 1931) المقاومة في بلاده خلال اثنين وعشرين عاماً انتهت بأسره ثم إعدامه وهو في الثالثة والسبعين من العمر، وكان الهدف من ذلك إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين، لكن حدَّة الثورة ازدادت لتنتهي بطرد الإيطاليين عام 1951.
ينتمي الشهيد المختار إلى قبيلة منفة الهلالية، ووُلد في البطنان بمدينة برقة، وتلقّى دروسه في معهد الجغبوب مدّة ثمانية أعوام، حيث تعلّم العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير على يد عدد من العلماء مثل السيّد الزروالي المغربي، والسيّد الجوّاني، وفالح الظاهري المدني، وكان على معرفة واسعة بتاريخ ليبيا وأنساب قبائلها والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها.
كان على معرفة واسعة بتاريخ ليبيا وأنساب قبائلها وتقاليدها
كما كان أحد القضاة الذي يفصلون في الخصومات، إضافة إلى خبرته بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج، وإلى الجغبوب والكفرة في الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها، وكان على دراية بالأمراض التي تصيب الماشية وطرق علاجها.
عيَّنه المهدي السنوسي سنة 1897 شيخاً لبلدة زاوية القصور بمنطقة الجبل الأخضر، وعندما بدأ الاحتلال الفرنسي لتشاد في عام 1900 ناصب الفرنسيون الحركة السنوسية العداء وأخذوا يحاربونها، فجيَّشت الحركة نفسها ضدهم، وكان عمر المختار ممَّن اختيروا لقيادة كتائب الحركة ضدَّهم، حيث شارك في القتال هناك.
وفي مطلع القرن العشرين حارب جيوش الاستعمار البريطاني على الحدود المصرية الليبية، في مناطق البردية والسلوم ومساعد، خصوصاً معركة السلوم في عام 1908 التي انتهت بوقوع بلدة السلوم في أيدي البريطانيّين.
قاد المناضل الليبي المقاومة في يلاده خلال اثنين وعشرين عاماً
في عام 1911، أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت إنزال قوّاتها بمدينة بنغازي حيث سارع عمر المختار لتأسيس معسكر في منطقة الخروبة، ثم انتقل منها إلى الرجمة التي كانت قاعدةً لضرب القوات الإيطالية. وبعد انسحاب الجيش العثماني من ليبيا عام 1912، قاد أعنف مقاومة ضدّ الطليان، حيث تركَّزت غاراته وهجماته على منطقة درنة التي سقط فيها عشرات الجنود الطليان في تلك المعارك.
خاض بعد ذلك حرب عصابات، حيث عمل المجاهدون الليبيّون على مهاجمة الثكنات العسكريَّة الواقعة على أطراف الصحراء وإيقاع الخسائر بها، وبعد هدوء نسبي في اعمال المقاومة عادت بقوة بين سنوات 1923 و1928، ثم بدأت مفاوضات للهدنة، لكنها لم تنجح، إلى أن تمّ اعتقال شيخ المجاهدين عمر المختار عام 1930، ثم إعدامه في العام اللاحق حيث تفجّرت أعمال المقاومة من جديد.
وقد رثاه أحمد شوقي بقصيدة شهيرة يقول فيها:
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ
وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ.