في مطلع خمسينيات القرن الماضي، ترك المخرج السينمائي المصري كمال الشيخ (1919 – 2004)، الذي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم الثلاثاء، حلمَه الأول بأن يصبح ممثلاً، وتوّجه إلى الإخراج، بعد أن اشتغل كمونتير منذ 1943، لكن قراره اصطدم باشتراطات السوق آنذاك.
منذ أن قرأ صاحب فيلم "حياة أو موت" (1954) خبراً في إحدى الصحف المحلية عن طبيب يُخضع مرضاه للتنويم بقصد التأثير عليهم للقيام بمهام تخالف القانون نيابةً عنه، بدأ رحلة بحثه عن منتِجٍ لإخراج فيلمه الأول وسط مشهد سينمائي تهيمن عليه الأفلام الاستعراضية والميلودرامية بنهاياتها السعيدة.
تأجّل الفيلم أكثر من مرّة حتى تبنّى "ستوديو مصر" المخرج الجديد عبر المساهمة في تمويل جزء من عمله الأول الذي حمل عنوان "المنزل رقم 13" ورأى النور عام 1952، حيث شارك في بطولته نجوم مثل فاتن حمامة ومحمود المليجي وعماد حمدي.
استهوى قالب الإثارة والتشويق الذي قدّمه الشيخ منتجين كُثر تعاونوا معه في إنتاج إفلام بدت في تلك المرحلة بعيدة عن الواقع، لكنها لاقت رواجاً واستحساناً لدى الجمهور والنقاد على حدّ سواء؛ فقدّم أفلاماً مثل: "مؤامرة" (1953)، و"حب ودموع" (1955)، و"الغريب" (1956)، و"الملاك الصغير" (1957)، و"من أجل امرأة" (2959)، و"قلب يحترق" (1959)، و"ملاك وشيطان" (1960).
معظم أفلامه هذه اتكأت على قصص واقعية حدثت شرقاً وغرباً مع اشتغال على البعد النفسي لتلك الشخصيات من أجل بنائها درامياً، إلى أن جذبته رواية "اللص والكلاب" التي أصدرها نجيب محفوظ عام 1961 بأحداثها البوليسية، ليحوّل بعدها عدّة أعمال روائية إلى السينما مثل "الرجل الذى فقد ظلّه" لفتحي غانم، و"بئر الحرمان" لإحسان عبد القدوس.
تثير تجربة كمال الشيخ جدلاً في تصنيفها؛ حيث يفضّل البعض تشبيهه بالمخرج الأميركي البريطاني ألفريد هتشكوك الذي اهتمّ كثيراً بعوالم الجريمة والرعب وأدوار الشر، بينما يجد البعض أن المخرج المصري قدّم العديد من الأفلام التي ارتبطت بالواقع في مرحلة ثانية من مشوراه، ربما من أبرزها "ميرامار" عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل العنوان ذاته، وتضمّن نقداً قاسياً لتجربة الاتحاد الاشتراكي في الستينيات، ما استدعى تدخُّل جمال عبد الناصر شخصياً للسماح بعرضه.
"على من نطلق الرصاص" (1975) سيكون الفيلم الأكثر وضوحاً في انتقاده السياسي والاجتماعي قياساً بأعماله السابقة، حيث هاجم سياسات الانفتاح الاقتصادي التي قادها أنور السادات في السبعينيات، وهو العمل الذي كان يعتبره الشيخ أحد أهمّ ثلاثة أفلام صنعها في حياته المهنية إلى جانب "الليلة الأخيرة" (1964) و"أرض السلام" (1957).
في الخلطة التي قدّمها صاحب "غروب وشروق" (1970) كان يبرز التركيز أكثر على الجوانب النفسية والصراعات الداخلية لدى أبطاله باعتبارها المنطلق الأساسي لفهم تناقضات المجتمع وتغيرّاته. بهذه الرؤية، تشكّلت خصوصيته في تناول السينما الواقعية، وربما تكون الشخصية الأكثر تكراراً في معظم أعماله هي الطبيب أو الطبيب النفسي بتنويعات متعدّدة، وكأنه تعبير مجازي عن رغبة دائمة في تشخيص أمراض مجتمعه والتفكير بعلاج لها.
"قاهر الزمان" (1987) هو فيلمه الأخير الذي يقدّم فيه رواية تنتمي إلى الخيال العلمي للكاتب نهاد شريف (1930 – 2010)، حيث ينجح بطله الطبيب في تجميد مرضاه لاكتشاف علاج لأمراضهم المستعصية ليتمكّنوا من العيش لفترة أطول، لكن الفكرة الأبرز في العمل تمثّلت في الهروب من أزمات هذا العصر والدخول في سباتٍ حتى تستطيع بحثاً عن طريقةٍ لتجاوزها من خلال العلم.