تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس من تموز/ يوليو، يوم ميلاد المخرج المصري يحيى العلمي (1941-2002).
بدأت الدراما التلفزيونية المصرية تأخذ بعدها العربي مع بروز الجيل الثاني من مخرجيها خلال سبعينيات القرن الماضي، ومن أبرزهم محمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ ويحيي العلمي، الذين أتوا ثلاثتهم من كليات الزراعة والآداب والحقوق، على التوالي، ولم يتلقّوا تعليماً متخصّصاً في الإخراج، وكانت تجربة آخرهم هي الأكثر ارتباطاً بالأدب مع تقديمه العديد من الروايات والسير الذاتية على الشاشة.
عمل المخرج المصري (1941 – 2002) الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، معدّاً ومخرجاً في التلفزيون المصري بعد تخرّجه من "جامعة القاهرة"، حتى أخرج مسلسله الأول بعنوان "أشجان" عام 1970، عن فكرة للممثلة راوية أباظة (1939) الذي يتناول قصة فتاة فقيرة تعمل في ملهى ليلي وتعيش في نزل (بنسيون) مع صديقتها التي تُقتل أمامها.
يقترب صاحب مسلسل "خيال الظل" (2000) من عوالم الجريمة أكثر مع مسلسله الثاني "العنكبوت" (1973) المقتبس عن قصة تحمل العنوان ذاته للكاتب والطبيب مصطفى محمود، تدور أحداثها حول شاب يظهر في إحدى القرى المصرية بالتزامن مع الكثير من حوادث القتل واختفاء الرأس لكلّ الجثث.
لم تنل أعماله في السبعينيات شهرة واسعة رغم أن معظمها يستند إلى نصوص روائية وقصصية اختارها بعناية مثل "برج الحظ" للينين الرملي، و"الأيام" لطه حسين ويجسّد المراحل الأولى من حياته، و"العملاق" الذي كتبه عصام الجمبلاطي ويتناول سيرة عباس محمود العقاد، إلى أن أخرج مسلسل "زينب والعرش" (1980) عن نصٍ لفتحي غانم حول الصحافة المصرية التي يشتبك تاريخها ورموزها مع تحوّلات اجتماعية وسياسية كبرى.
وفي العام نفسه، أخرج العلمي مسلسل "دموع في عيون وقحة" حول شخصية الجاسوس المصري جمعة الشوان (اسمه الحقيقي أحمد الهوان)، وكان من أوائل الأعمال الدرامية التي تستند إلى أرشيف المخابرات االمصرية، والذي قاد نجاحه إلى عملٍ أكبر هو "رأفت الهجّان" بثلاثة أجزاء عُرضت سنوات 1988 و1990 و1991، وحقّق أرقام مشاهدة عالية جداً ولا يزال بطله يحظى بجماهيرية واسعة رغم وجود روايات عديدة تشكّك بالدور المنسوب لرفعت الجمال (رأفت) وبولائه لبلده أيضاً.
اهتم صاحب مسلسل "اليقين" بأدق تفاصيل شخصياته الحقيقية التي قدّمها في العديد من الأعمال، باحثاً عمّا لم يجده في النصوص المكتوبة، ما كساها لحماً ودماً وجعلها أقرب إلى الواقع الذي عاشت فيه، وبالمثل تعامل مع الروايات التي حوّلها إلى التلفزيون، حيث أراد شخصياتها حيّة ومنتمية إلى السياقات الاجتماعية التي يفترض أن تحياها بالشكل والمضمون.
في التسعينيات، قدّم العلمي "الزيني بركات" عن الرواية بالعنوان ذاته لجمال الغيطاني التي تتحدّث عن فترة اضمحلال دولة المماليك مع صعود الدولة العثمانية من خلال شخصية الزيني بركات بن موسى الذي يتولى أمور الحسبة في مدينة القاهرة، و"لا" عن رواية بالعنوان نفسه لمصطفى أمين حول رجل يفقد زوجته وماله الذي جمعه طوال حياته، ويودع السجن دون إثبات تهمة عليه. وكان قد قدّم قبل ذلك رواية "أديب" (1982) لطه حسين التي تحمل العديد من التساؤلات الفلسفية، لكن المسلسل لم يجد انتشاراً مثل بقية أعماله.
"هو وهي" (1985) سيظلّ أحد مسلسلاته التي لن تمحى من ذاكرة المشاهد العربي، مع تقديمه عملاً مكوّناً من حلقات منفصلة من تأليف الشاعر صلاح جاهين، وتمثيل سعاد حسني وأحمد زكي، ركّزت فقط على العلاقة بين الرجل والمرأة بأسلوب استعراضي كوميدي، ومضامين بسيطة وعميقة في آن.
استطاع العلمي ومعه منافسيْه محمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ تقديم دراما قريبة من الناس، مشتبكة مع همومهم وأحلامهم، ساهم في ذلك طبيعة النصوص التي اختارها كلّ واحدٍ منهم، ما حفظ لهم مكانة وتقديراً دائمين، رغم أن أدواتهم الفنية لم تتطوّر بشكل موازٍ.