سلسلة من الفعاليات أطلقتها المراكز الثقافية العربية والأميركية في الولايات المتحدة، خلال شهر أيار/مايو الحالي، للاحتفال بفلسطين وإحياء ذكرى نكبتها الـ 67. من بين تلك الفعاليات استضافت الصحافي والكاتب الأميركي المخضرم ساندي تولان، للحديث عن كتابه الأخير "أطفال الحجارة: قوة الموسيقى في بلاد صعبة"، والذي يتناول فيه رحلة الشاب الفلسطيني، عازف الكمان رمزي حسين أبو رضوان.
ربما ما زالت صورة رمزي عالقة في أذهان الناس لليوم، فهو طفل المخيم الذي التقطت صورته الشهيرة عام 1988، وهو يلقي الحجارة باتجاه دبابة إسرائيلية، وانتشرت في جميع أنحاء العالم. وقد أظهرت هذه الصورة الطفل ابن الثماني سنوات، مليئا بالغضب، لتصبح هذه الصورة رمزاً للانتفاضة الأولى، التي عرف أطفالها بـ"أطفال الحجارة".
بعد مرور عشر سنوات على هذه الصورة، اكتشف رمزي الكمان، وانخرط في تعلم الموسيقى التي استبدلت الرعب والغضب داخله بالقوة، وأخرجته من اليأس. فمن خلال التفاني والموهبة والعاطفة الجامحة، أصبح رمزي عازفاً للكمان بعد حصوله على منحة للدراسة في المعهد الموسيقي في فرنسا، ليعود بعدها إلى فلسطين لتدريس الموسيقى للأطفال. هو اليوم عازف كمان وبزق شهير، ومؤسس مؤسسة "الكمنجاتي" في رام الله لتعليم الأطفال الموسيقى.
الكاتب الأميركي ساندي تولان، الذي التقى رمزي للمرة الأولى في العام 1998، تحدث في واشنطن ولوس أنجلوس عن "كيف وثّق رحلة رمزي العجيبة: من طفل في مواجهة جيش الاحتلال، إلى مدرس للموسيقى للأطفال الفلسطينيين".
وقال: "خلال تواجدي في فلسطين لإجراء البحث الذي كنت أقوم به من أجل روايتي "شجرة الليمون"، لاحظت انتشار ذلك الملصق الذي يحمل صورة لطفل يرمي الحجارة، وفي الخلفية شاب يعزف الكمان. قلت في نفسي: من هو هذا الطفل الذي يرمي الحجارة ومن ثم يعزف الكمان! وهنا توجهت إلى مخيم الأمعري، حيث نشأ رمزي مع جديه اللذين رُحّلا من قريتهما التي لم يعد لها وجود، شأنها شأن مئات القرى الفلسطينية المدمرة. وهناك التقيت رمزي، وتأثرت كثيراً بشخصيته وتفاؤله وحماسه. كان عمره 18 عاماً آنذاك، وكان شغوفاً جداً بالموسيقى. سألته: ما هو حلمك؟ فقال: أحلم بفتح مدرسة لتعليم الموسيقى للأطفال".
وأضاف تولان، أنه فقد الاتصال برمزي بعدما سافر لمتابعة تعليمه في فرنسا، ولكنه التقاه صدفة مرة أخرى في العام 2009 في رام الله، حيث أخبره رمزي أنه بدأ بتحقيق حلمه وهو بصدد افتتاح المدرسة الموسيقية. ودعاه لزيارتها.
كما أشار إلى أنه أدرك أن قصة رمزي ستكون وسيلة رائعة، ليس فقط لاستكشاف حياته الاستثنائية، ولكن أيضا "وسيلة لاستكشاف الدراما خلف بناء شيء جميل جداً في ظل ظروف صعبة. وليروي قصة الحياة اليومية للفلسطينيين التي عادة لا تروى في الغرب".
وذكر تولان الذي استغرقت كتابته لـ"أطفال الحجارة" خمس سنوات، أجرى خلالها 230 مقابلة وقام بست رحلات للمنطقة، أنه قضى الكثير من الوقت مع الشخصيات البارزة في كتابه قبل اكتساب ثقتها، كما أنه اعتمد على السرد الدقيق للتفاصيل التي تطلبت آلاف الأسئلة، مشيراً إلى أنه لم يرد تحرّي الدقة فقط في قصص الشخصيات، ولكن أيضا لدى الكتابة عن الوضع السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتطرق الكاتب تولان إلى تأثير الموسيقى الإيجابي على حياة الأطفال، وكيف يمكن أن تكون مصدر قوة لهم في أرض مزقتها الحرب، مشيرا إلى أن التجارب في مناطق الصراعات أثبتت أن الموسيقى لا توفر الحماية العاطفية للأطفال وحسب، وإنما تلعب دوراً هاماً في تحويل الطريقة التي يرون فيها أنفسهم.
وتابع "عندما أخبرني رمزي أول مرة أنه يريد أن يسخّر الموسيقى ليحمي الأطفال من الجنود، فكرت في نفسي: هذا كلام جميل، ولكن…!
رمزي وطلابه يرون أن الموسيقى شكل من أشكال المقاومة السياسية. في الصفحات القليلة الأخيرة من الكتاب، يمشون وصولاً إلى حاجز قلنديا ويبدأون في عزف موسيقى موزارت".
وخلال حديث تولان عن "أطفال الحجارة"، قرأ مقاطع مختارة من كتابه من بينها المقطع التالي، والذي يدور حول إيقاف حاجز إسرائيلي لبعض تلاميذ الموسيقى: الأختان رشا وآلاء وزميلهما منتصر.
ويقرأ تولان "اقترب الجندي من الحافلة الصغيرة التي كانت تقلهم، وفتح الباب.
ما هذا؟ سأل الجندي آلاء مشيرا إلى حقيبة كمانها الزرقاء الرقيقة. هذا كمان، أجابت آلاء.
طلب منها الجندي النزول من الحافلة، وسألها: هل تعرفين العزف؟ آلاء: نعم. الجندي: اعزفي.
لا تعزفي له، صرخت أختها رشا بالعربية. اعزفي، ردد الجندي.
عبست آلاء وهي تنظر في الجندي حائرة. منتصر أحد العازفين قال لها: لا بأس عزيزتي، اعزفي.
تولان تابع "رمزي قال أكثر من مرة أن الهدف من إنشاء "الكمنجاتي" هو حماية الأطفال. جملته هذه بدت وكأنها مجرد كلمات، ولكن بالفعل آلاء وغيرها من العازفين بدأوا بارتداء الموسيقى وكأنها سلاحهم.
وهنا عند هذا الحاجز، أخرجت آلاء كمانها ووضعته تحت ذقنها وبدأت بالعزف. اختارت "الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية" لسيد درويش. ألحان شرقية قوية انبعثت من كمان آلاء الصغير لتخترق قرقعة السيارات، وتحلق فوق حاجز التفتيش.
"رأيت في عينيه الصدمة. كأن هناك شيئا لم يفهمه" قالت آلاء عن الجندي. رشا التي كانت تحدق بأختها من السيارة، شعرت بالفخر. "يدّعون أننا شعب بلا هوية. ولكن آلاء أثبتت لهم العكس".
اقرأ أيضاً:علاج ذوي الاحتياجات الخاصة بالموسيقى في غزة