تونسيون كثر يعانون للحصول على مياه الشرب والريّ بعد تصنيف بعض المناطق جافة. الأزمة تحتاج إلى حلول تمنع قطع كيلومترات يومياً للوصول إلى المياه
تضطر صالحة خنيسي (62 عاماً)، إلى قطع أكثر من ثلاثة كيلومترات بعيداً عن منزلها، بحثاً عن الماء في أحد أرياف محافظة سليانة في شمال تونس. تحمل كلّ يوم بعض الأوعية البلاستيكية (غالونات) بسعة 20 لتراً للواحد، على دابتها وتمضي. قد تتكرر رحلتها مرتين يومياً في ظلّ حاجتها إلى المياه للاستعمال العائلي والفلاحي، خصوصاً في فصل الصيف، كغيرها من آلاف سكان تلك المناطق ممن يفتقرون إلى مياه الشرب بالرغم من وجود سدّ في المحافظة.
تقول صالحة إنّها على غرار سكان تلك الجهة قد لا تعود إلّا بالقليل من الماء، لا سيما أنّ أغلب البرك التي يملأون منها المياه أو البئر تجف في فصل الصيف. وفي كلّ تحرك يقوم به أبناء الجهة لا يتلقون سوى الوعود منذ زمن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
اقــرأ أيضاً
منطقة سليانة كغيرها من المناطق التي تفتقر إلى مياه الشرب خصوصاً في الشمال الغربي والجنوب، إذ جرى تحديد 7 محافظات مهدّدة بالجفاف خلال موسم الزراعات الكبرى جراء نقص المياه، وهي كلّ من زغوان والكاف وبنزرت وبن عروس وسليانة والقيروان وجندوبة، مع تسجيل أعلى نسب جفاف في جلّ مناطق محافظة الكاف، حيث بلغت 100 في المائة.
لا يختلف وضع بشير فايدي كثيراً، إذ يقطع أكثر من ثلاثة كيلومترات بحثاً عن مياه الشرب والريّ، لا سيما في فصل الصيف. يتساءل عن ضعف توزيع مياه الشرب على أغلب سكان المنطقة بالرغم من وجود سد في منطقتهم بجندوبة بالشمال. تعتبر المحافظة أكبر مزود مياه صالحة للشرب للعاصمة وعدّة محافظات أخرى. لكنّ سكانها يعانون من ضعف الإمكانيات لحفر آبار تجنبهم التنقل مسافات طويلة بحثاً عن المياه.
يردّ البعض أزمة المياه إلى التغيرات المناخية ويعتبرها وقتية، فيما يعتبرها آخرون أزمة كبيرة وفي تفاقم مستمر وقد تكون مآلاتها كارثية خصوصاً على مستوى الأمن الغذائي، لا سيما أنّ تونس مصنفة من بين أكثر البلدان المهددة بمخاطر عالية جداً في العقود المقبلة بسبب نقص المياه. ويمكن أن تخسر تونس أكثر من 80 في المائة من مواردها المائية الطبيعية بحلول عام 2040.
يؤكد عدد من الخبراء على ضرورة أخذ المسألة بجدية، خصوصاً أنّ أزمة المياه أدّت إلى انقطاعها بصورة مستمرة عن عدّة مناطق، خصوصاً في الجنوب والمناطق الريفية، بسبب انخفاض نسبة مياه السدود الكبرى، على غرار سد سليانة وسد نبهانة.
منذ بداية الصيف، شهدت عدّة مناطق انقطاع المياه، على غرار مدينة صفاقس ومنطقتي واد مليز وغار دماء، من ولاية جندوبة، تلتها حادثة انفجار قناة المياه الرئيسية بجهة الزهروني بالعاصمة، وهو ما أعاد مسألة العطش واضطرابات توزيع المياه الصالحة للشرب إلى الواجهة. وتفاعل مع الأزمة المواطنون سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الشارع في تحركات احتجاجية ظهرت في العديد من مناطق الشمال والجنوب. وقد ذكر المرصد التونسي للمياه أنّه أحصى 260 حادثة انقطاع للمياه خلال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2018، أدّت إلى تحرّكات احتجاجية بلغ عددها خلال تلك الفترة 104، نصفها في محافظتي قفصة والقيروان، خصوصاً أنّهما منطقتان تصدرتا للسنة الثالثة على التوالي أعلى نسب قطع المياه الصالحة للشرب عن المواطنين.
من جهته، يشير منسق المرصد الوطني للمياه، علاء المرزوقي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ انقطاع المياه يتواصل باستمرار في العديد من المناطق الداخلية ولفترات طويلة تفوق الشهر، وهو ما أدى إلى عشرات الاحتجاجات التي نفذها أهالي تلك المناطق على مدى السنوات الأخيرة. ويؤكد أنّ المرصد يحذّر من انتفاضة العطش إذا تواصل الافتقار إلى المياه في تلك المناطق، لا سيما أنّ البلاد اضطرت لأول مرة إلى استخدام مخزونها الاستراتيجي من المياه، بتحويل 170 مليون متر مكعب من سدود الشمال لتجاوز النقص في الموارد المائية بفعل موجة الجفاف التي استمرت لأكثر من سنتين. وفي المدة الأخيرة، كشفت وزارة الفلاحة أنّ تونس تعاني عجزاً في الموارد المائية بالسدود بلغ 163 مليون متر مكعب مع منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، في ظاهرة تستمر للعام الثالث على التوالي.
ويقول رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، عبد المجيد الزار، لـ"العربي الجديد"، إنّ تونس تشكو بالفعل من صعوبات على مستوى توفر المياه، ما سيكون له انعكاسات كبيرة على الإنتاج الفلاحي، لا سيما أنّ نقص المياه يسجل غالباً في المناطق الريفية والفلاحية. يؤكد أنّ مخزون السدود تراجع، خصوصاً عام 2016، بنحو 451 مليون متر مكعب، كنتيجة لنقص مياه الأمطار واستغلال أغلب مخزون تلك المياه في العمل الفلاحي. إذ تجاوز معدل استهلاك القطاع الفلاحي للماء حوالي 4000 مليون متر مكعب في السنة، وهو معدل في ازدياد نتيجة التوجه لهذا القطاع والتعويل عليه للنهوض باقتصاد البلاد من خلال التشجيع على الاستثمار فيه. وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في استغلال المياه المعالجة في بعض الزراعات.
اقــرأ أيضاً
يذكر أنّ وزارة الفلاحة عرضت أخيراً مشروع قانون المياه الجديد على الحكومة للمصادقة عليه قبل إحالته إلى البرلمان. ويتكون المشروع الجديد من 150 فصلاً، من بينها فصول تتعلق بتسليط عقوبات جديدة على من يلحقون أضراراً بالمنشآت المائية العمومية، خصوصاً السدود، وكذلك استحداث شرطة مائية للتصدي للإسراف في المياه.
تضطر صالحة خنيسي (62 عاماً)، إلى قطع أكثر من ثلاثة كيلومترات بعيداً عن منزلها، بحثاً عن الماء في أحد أرياف محافظة سليانة في شمال تونس. تحمل كلّ يوم بعض الأوعية البلاستيكية (غالونات) بسعة 20 لتراً للواحد، على دابتها وتمضي. قد تتكرر رحلتها مرتين يومياً في ظلّ حاجتها إلى المياه للاستعمال العائلي والفلاحي، خصوصاً في فصل الصيف، كغيرها من آلاف سكان تلك المناطق ممن يفتقرون إلى مياه الشرب بالرغم من وجود سدّ في المحافظة.
تقول صالحة إنّها على غرار سكان تلك الجهة قد لا تعود إلّا بالقليل من الماء، لا سيما أنّ أغلب البرك التي يملأون منها المياه أو البئر تجف في فصل الصيف. وفي كلّ تحرك يقوم به أبناء الجهة لا يتلقون سوى الوعود منذ زمن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
منطقة سليانة كغيرها من المناطق التي تفتقر إلى مياه الشرب خصوصاً في الشمال الغربي والجنوب، إذ جرى تحديد 7 محافظات مهدّدة بالجفاف خلال موسم الزراعات الكبرى جراء نقص المياه، وهي كلّ من زغوان والكاف وبنزرت وبن عروس وسليانة والقيروان وجندوبة، مع تسجيل أعلى نسب جفاف في جلّ مناطق محافظة الكاف، حيث بلغت 100 في المائة.
لا يختلف وضع بشير فايدي كثيراً، إذ يقطع أكثر من ثلاثة كيلومترات بحثاً عن مياه الشرب والريّ، لا سيما في فصل الصيف. يتساءل عن ضعف توزيع مياه الشرب على أغلب سكان المنطقة بالرغم من وجود سد في منطقتهم بجندوبة بالشمال. تعتبر المحافظة أكبر مزود مياه صالحة للشرب للعاصمة وعدّة محافظات أخرى. لكنّ سكانها يعانون من ضعف الإمكانيات لحفر آبار تجنبهم التنقل مسافات طويلة بحثاً عن المياه.
يردّ البعض أزمة المياه إلى التغيرات المناخية ويعتبرها وقتية، فيما يعتبرها آخرون أزمة كبيرة وفي تفاقم مستمر وقد تكون مآلاتها كارثية خصوصاً على مستوى الأمن الغذائي، لا سيما أنّ تونس مصنفة من بين أكثر البلدان المهددة بمخاطر عالية جداً في العقود المقبلة بسبب نقص المياه. ويمكن أن تخسر تونس أكثر من 80 في المائة من مواردها المائية الطبيعية بحلول عام 2040.
يؤكد عدد من الخبراء على ضرورة أخذ المسألة بجدية، خصوصاً أنّ أزمة المياه أدّت إلى انقطاعها بصورة مستمرة عن عدّة مناطق، خصوصاً في الجنوب والمناطق الريفية، بسبب انخفاض نسبة مياه السدود الكبرى، على غرار سد سليانة وسد نبهانة.
منذ بداية الصيف، شهدت عدّة مناطق انقطاع المياه، على غرار مدينة صفاقس ومنطقتي واد مليز وغار دماء، من ولاية جندوبة، تلتها حادثة انفجار قناة المياه الرئيسية بجهة الزهروني بالعاصمة، وهو ما أعاد مسألة العطش واضطرابات توزيع المياه الصالحة للشرب إلى الواجهة. وتفاعل مع الأزمة المواطنون سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الشارع في تحركات احتجاجية ظهرت في العديد من مناطق الشمال والجنوب. وقد ذكر المرصد التونسي للمياه أنّه أحصى 260 حادثة انقطاع للمياه خلال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2018، أدّت إلى تحرّكات احتجاجية بلغ عددها خلال تلك الفترة 104، نصفها في محافظتي قفصة والقيروان، خصوصاً أنّهما منطقتان تصدرتا للسنة الثالثة على التوالي أعلى نسب قطع المياه الصالحة للشرب عن المواطنين.
من جهته، يشير منسق المرصد الوطني للمياه، علاء المرزوقي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ انقطاع المياه يتواصل باستمرار في العديد من المناطق الداخلية ولفترات طويلة تفوق الشهر، وهو ما أدى إلى عشرات الاحتجاجات التي نفذها أهالي تلك المناطق على مدى السنوات الأخيرة. ويؤكد أنّ المرصد يحذّر من انتفاضة العطش إذا تواصل الافتقار إلى المياه في تلك المناطق، لا سيما أنّ البلاد اضطرت لأول مرة إلى استخدام مخزونها الاستراتيجي من المياه، بتحويل 170 مليون متر مكعب من سدود الشمال لتجاوز النقص في الموارد المائية بفعل موجة الجفاف التي استمرت لأكثر من سنتين. وفي المدة الأخيرة، كشفت وزارة الفلاحة أنّ تونس تعاني عجزاً في الموارد المائية بالسدود بلغ 163 مليون متر مكعب مع منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، في ظاهرة تستمر للعام الثالث على التوالي.
ويقول رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، عبد المجيد الزار، لـ"العربي الجديد"، إنّ تونس تشكو بالفعل من صعوبات على مستوى توفر المياه، ما سيكون له انعكاسات كبيرة على الإنتاج الفلاحي، لا سيما أنّ نقص المياه يسجل غالباً في المناطق الريفية والفلاحية. يؤكد أنّ مخزون السدود تراجع، خصوصاً عام 2016، بنحو 451 مليون متر مكعب، كنتيجة لنقص مياه الأمطار واستغلال أغلب مخزون تلك المياه في العمل الفلاحي. إذ تجاوز معدل استهلاك القطاع الفلاحي للماء حوالي 4000 مليون متر مكعب في السنة، وهو معدل في ازدياد نتيجة التوجه لهذا القطاع والتعويل عليه للنهوض باقتصاد البلاد من خلال التشجيع على الاستثمار فيه. وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في استغلال المياه المعالجة في بعض الزراعات.
يذكر أنّ وزارة الفلاحة عرضت أخيراً مشروع قانون المياه الجديد على الحكومة للمصادقة عليه قبل إحالته إلى البرلمان. ويتكون المشروع الجديد من 150 فصلاً، من بينها فصول تتعلق بتسليط عقوبات جديدة على من يلحقون أضراراً بالمنشآت المائية العمومية، خصوصاً السدود، وكذلك استحداث شرطة مائية للتصدي للإسراف في المياه.