بحركات سريعة وماهرة، يُصلح الصياد الفلسطيني، خليل بكر (40 عاماً) خيوط شِباكه التي تمزقت بعد "ليلية دامية" أصيب خلالها أحد عماله الخمسة، عقب تعرض قاربه في عرض بحر غزة، لإطلاق النار من الزوارق الحربية الإسرائيلية.
وما إنّ انتهى الصياد، من إصلاح شِباكه المتهالكة، حتى نهض بتثاقل ونفض الرمال التي علقت
بثيابه وبدأ في جمع معدات الصيد المتناثرة على الشاطئ، فقد حان موعد العودة إلى المنزل بعد غياب عشرين ساعة، قضى معظمها في عرض البحر.
تلك الساعات العشرون كان معظمها حافلاً بالمغامرات ورصاص الاحتلال والدماء والصيد القليل، فالصياد بكر خرج، منذ عصر اليوم السابق، ليجهز قاربه لرحلة الصيد التي تستمر حتى صباح اليوم التالي.
ولم تتوقف اعتداءات الاحتلال على الصيادين ومضايقاتهم طوال السنوات الماضية، حيث اتخذت أشكالاً مختلفة كتمزيق شباك الصيد وإطلاق النار نحو المحرك، وحرق المركب بالكامل عبر قصفه بالقذائف، ومنع الصيادين من العمل في المناطق التي تشهد غزارة في الأسماك، بجانب اعتقال الصيادين ومصادرة المركب ومعداته.
وبعد أنّ جهز "الريس بكر"، (كما يناديه الصيادون)، قاربه واعتلاه العمال الخمسة، رفع المرساة وانطلق من مرفأ صيادي مدينة غزة، مبحراً نحو الغرب لمسافة لا تبتعد عن الشاطئ سوى 6 أميال بحرية حددتها السلطات الإسرائيلية منذ فرضها الحصار على قطاع غزة عام 2007، بعد أن كانت المسافة المسموحة للصيادين بالعمل فيها تصل إلى 20 ميلاً بحرياً، وفق اتفاق أوسلو.
ساعة كاملة مرت على انطلاق قارب بكر، وبقية قوارب الصيادين الفلسطينيين من شواطئ قطاع غزة، لتستقر جميعها على خط واحد عند علامة عائمة، وضعتها الزوارق البحرية الإسرائيلية، سيتعرض من يتجاوزها لوابل من النيران الإسرائيلية.
أمر بكر بإلقاء المرساة في البحر، لتمضي بعد هذا الأمر سبع ساعات متواصلة قضاها الصيادون في تناول الطعام والصلاة والتسامر حول أحلامهم ومغامراتهم، والغناء بأصوات جميلة يملكها بعضهم.
انتهت تلك الطقوس اليومية، وحان منتصف الليل، ليبدأ العمل، فما أنّ استقرت عقارب الساعة على الثانية عشرة منتصف الليل، حتى جاء الأمر الثاني بتجهيز الشباك وإلقائها في مياه البحر بعد إطفاء جميع مصابيح القارب، التي استخدمت لتتجمع حولها أسراب الأسماك خلال ساعات الليل الأولى.
ستون دقيقة، تزيد أو تنقص قليلاً، طلب بعدها بكر من عماله، سحب الشباك التي حملت كميات قليلة من الأسماك الصغيرة.
لم يعترض أحد على رزق هذه الجولة من الصيد، وذهب كل من العمال الخمسة إلى الخلود للنوم، قبل أن يحين وقت الجولة الثانية بعد أقل من ساعتين.
وقبل أن يحين موعد جولة الصيد الثانية، استيقظ العمال على صوت زورق إسرائيلي يقترب بسرعة من قاربهم، ولم يكد أحد منهم ينهض حتى سمعوا صوت إطلاق نار كثيف تجاههم ليسقط أحدهم مصاباً في ساقه.
توقف إطلاق النار بعد دقائق، وتردد صوت بلغة عربية ركيكة "ابتعدوا من هنا فوراً وإلا أحرقنا قاربكم"، وبسرعة لا تتناسب مع سنه تحرك بكر ورفع المرساة، وشغل محرك قاربه وتوجه نحو الشاطئ تحت وابل من النيران.
وقبل أن يصل القارب إلى الشاطئ أبلغ مركز الإسعاف في المدينة، بإصابة أحد عماله برصاصة في ساقه اليمنى. وما أن وصل إلى مرفأ الصيادين، نقل الشاب المصاب لسيارة الإسعاف التي تنتظر منذ إبلاغها، وبعد أنّ تأكد أنّ جروح عامله طفيفة، بدأ يتفقد قاربه ومعدات صيده التي تضررت بسبب النيران الإسرائيلية.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" "استغفر الله العظيم"، "الحمد لله"، هذا ما قاله بكر بصوت خافت
ممزوج بالألم قبل أنّ يأمر بجمع كميات الأسماك المحدودة عن متن قاربه ونقلها إلى السوق فبعد ساعة سيبدأ البيع.
مرت الساعة ببطء وباع الصياد الغزاوي أسماكه وقسم ثمنها بينه وبين طاقم قاربه، ليبدأ بعدها في إصلاح معدات الصيد وشباكه الممزقة، ليعود بعد انتهاء عمله إلى منزله قبيل الظهر بدقائق، حاملاً معه الطعام لأفراد أسرته السبعة، ليتناول غداءه وينعم بنوم هادئ لأربع ساعات فقط، ليبدأ بعدها يوماً جديداً من العمل.
وحسب تصريحات سابقة، لنقيب الصيادين، نزار عياش، يبلغ عدد الصيادين في غزة نحو أربعة آلاف صياد يمرون بحالة من الانهيار الاقتصادي الكامل، ويواجهون تحديات أخرى بالإضافة إلى اعتداءات الاحتلال، ومنها التكاليف المرتفعة لقطع الغيار وزيادة أسعار الوقود.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يحاصر صيّادي غزة