في أحد مستشفيات عمّان، رحل مساء اليوم الأربعاء الروائي والمترجم الأُردني إلياس فركوح إثر اصابته بنوبة قلبية حادّة، تاركاً وراءه عدداً من الأعمال الأدبية التي تنوّعت بين الرواية والقصّة القصيرة والترجمة، إضافةً إلى عمله في مجال النشر؛ حيث أسّس وأدار "دار أزمنة" التي لعبت دوراً بارزاً في المشهد الثقافي الأردني منذ بداية التسعينيات.
وُلد فركوح (1948 - 2020) في عمّان ؛ حيث تلقّى تعليمه حتى الثانوية متنقّلاً بينها وبين القدس، وحصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية، قبل أن يعمل في الصحافة الثقافية بين 1977 و1979، ويشارك خلال الثمانينيات في تحرير مجلّة "المهد" الثقافية طيلة فترة صدورها.
يُعدّ إلياس فركوح من أبرز الكتّاب الذين جدّدوا في كتابة القصة القصيرة الأردنية إلى جانب جمال أبو حمدان. وقد صدرت له في هذا المجال: "الصفعة" (1978)، و"طيور عمّان تحلّق منخفضة" (1981)، و"إحدى وعشرون طلقة للنبي" (1982) التي منحتها "رابطة الكتّاب الأردنيّين" جائزة أفضل مجموعةٍ قصصية في العام نفسه، و"مَن يحرث البحر" (1986)، و"أسرار ساعة الرمل" (1991)، و"الملائكة في العراء" (1997)، وقد صدرت هذه المجموعات الستّ ضمن مجلّد بعنوان "من رأيتُه كان أنا" عام 2002، وهي السنة ذاتُها التي أصدر فيها مجموعتيه القصصيتين "شتاءات تحت السقف" و"حقول الظلال".
وحاز فركوح على مجمل مجموعاته تلك "جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصّة القصيرة" و"جائزة الدولة التقديرية".
وصدر له في الرواية: "قامات الزبد" (1987) التي حازت "جائزة الدولة التشجيعية" عام 1990، و"أعمد الغبار" (1996)، و"أرض اليمبوس" (2007) التي حازت "جائزة تيسير سبول للرواية" من "رابطة الكتّاب الأردنيّين" ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الأولى عام 2008، و"غريق المرايا" (2012)، إلى جانب أعمالٍ أُخرى توزّعت بين النصوص والمقالات والشهادات؛ من بينها: "ميراث الأخير" (2002)، و"بيان الوعي المستريب: من جدل السياسي - الثقافي" (2004)، و"أشهد عليّ، أشهد علينا" (2004)، و"النهر ليس هو النهر: عبور في أسئلة الكتابة والرواية والشعر" (2004).
ومن إصداراته في الترجمة: "موسيقيو مدينة بريمن" (1984) للأخوين غريم، و"الغرينغو العجوز" (1990) لـ كارلوس فوينتس، و"قطار باتاغونيا السريع" (2008) لـ لويس سبولفيدا.
وفي مجال النشر، شارك فركوح الشاعرَ طاهر رياض في "دار منارات للنشر" حتى عام 1991، قبل أي يؤسّس سنة 1992 "دار أزمنة للنشر والتوزيع" التي استكملت مشروعه في الترجمة؛ حيث قدّمت للمكتبة العربية العديد من كتّاب أميركا اللاتينية إلى جانب إصدارها سلسلة "تباشير" التي نشرت أعمالاً أولى لقرابة عشرين قاصّاً وشاعراً أردنياً في التسعينيات لا يزال معظمهم يواصل الكتابة إلى اليوم، وقد عمل مديراً لها حتى رحيله.
في حوارٍ أجرته معه "العربي الجديد" قبل أربع سنوات، لم يُخفِ فركوح تهيُّبه مِن صفة "كاتب" باعتبارها "كلمةً كبيرة في معناها، وثقيلةً أيضاً في المسؤولية التي تترتّب على من ينخرط في سياقات ممارستها". وكان ذلك أحد الأسباب التي أوردها في معرض حديثه عن تأخُّره في نشر قصصه الأُولى حتى الثلاثينيات من عمره، إضافة إلى "الخوف من النقد والحطّ من معنوياتي"، وهو ما قال إنه عمد إلى إخفائه بذريعة ضرورة النضج.
في الحوار نفسه، تحدّث إلياس فركوح عن تأثير هزيمة حزيران 1967 في كتاباته، معتبراً أنَّ تلك اللحظة مثّلت ولادته الثانية، مضيفاً: "من رحم 5 حزيران 1967 وتداعياتها الكارثية طفق وعيي، الذي ما يزال يتكوّن، يتّسم بالمزج المُتعَب بين نقيضَين: السياسة كنتيجة حتمية، أو هي فعلٌ معاكس لهزيمة لحقت بإنسان في معركة لم تتوفّر له عناصر النص، والأدهى أنّ فرصة القتال نفسها سُحبت منه. أمّا الأدب أو الفنّ، فقد كانا الشّغف الأوّل الذي تحسسّت بذرته مبكراً. ذلك كلّه إضافة إلى ميلي للفلسفة لاعتمادها التسلسل المنطقي في تركيب أشياء العالم، وبالتالي القدرة على فهمه. فهم ماهية هذا العالم الذي ألحقَ بنا الهزيمة، وفهم عالمنا نحن المهزوم.. ونحن المهزومين بلا ذنب التخاذل".