رحيل صالح علماني ينبش ذاكرة المثقفين السوريين والفلسطينيين عن أعماله ومواقفه

05 ديسمبر 2019
(تويتر)
+ الخط -
تفاعل مثقفون سوريون مع وفاة المترجم والكاتب الفلسطيني السوري صالح علماني الذي يعد أهم من ترجم أدب أميركا اللاتينية إلى العربية، حيث نقل العلماني وعلى مدى أكثر من 40 عاماً أمهات الروايات اللاتينية من الإسبانية إلى العربية، واضعاً بين يدي القارئ العربي أعمال غابرييل غارسيا ماركيز، وماريو بارغاس يوسا، وخوسيه ساراماغو، وغيرهم الكثير من أدباء القارة اللاتينية.

وكان علماني قد اتخذ موقفاً شديد التأييد إلى جانب النظام السوري منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سورية المطالبة برحيل الأسد، وزاد على ذلك الموقف مباركته لما سماها "انتصارات الجيش السوري"، وكال عبارات المديح كذلك لمليشيا "لواء القدس" الفلسطينية التي تقاتل إلى جانب الأسد.

وتلك مواقف جعلت من مثقفين سوريين وفلسطينيين يستحضرونها بكثير من الاستغراب والملامة على أن تخرج من مبدع ملأت أعماله المكتبات العربية، في حين كانوا يتوقعون منه موقفاً أكثر أخلاقية وانتصاراً إلى الشعب الذي ولد على أرضه وعاش بينه.

وتحت عنوان "عبرة لمن يريد أن يعتبر"، كتب الصحافي عدنان عبد الرزاق في صفحته على موقع "فيسبوك": "رحل اليوم، عن ٧٠ عاما، المترجم الفلسطيني المولود بحمص السورية، صالح علماني بعد أكثر من ٤٠ عاما من العطاء، أهمها من نقل أدب أميركا اللاتينية للقراء العرب، فلم تخل مكتبة ربما من عمل لعلماني كما تتلمذ معظمنا على ترجماته لماركيز، وايزابيل الليندي وغيرهما، لكنه، ورغم هذا الكم الهائل، لم يتخذ موقفاً أخلاقياً، لا من قضية فلسطين ولا حتى من ثورات الربيع العربي وثورة السوريين، الذين أحبوه قبل أن تسقطه ثورتهم، كما سواه من شبيحة الأنظمة أعداء الشعوب وأحلاهم.. الرحمة منقوصة اليوم لصالح علماني، فمواقفه اللاأخلاقية تجاه قتل الشعوب، ستطغى على أخبار نتاجه الفكري الكبير".


وترحّم الكاتب والصحافي السوري عبد الرزاق دياب على علماني قبل يخوض في مواقفه وما قدمه للأدب العربي بالقول: "الرحمة لصالح علماني.. ترددت في الحديث عنه حتى لا يقفز أحدهم ويقول لي اذكروا محاسن موتاكم..مصيبة صالح ليست بوقوفه ضد إرادة شعب في الخلاص، بل أنه ذهب أبعد من ذلك في التشبيح لمليشيات قذرة مثل لواء القدس واعتبرها انتصاراً لقضيته الأم فلسطين. مع كل ذلك، الرجل قدم للمكتبة العربية كنوزاً من أعمال المدافعين عن الحرية والوطن وهذا يحسب له وعليه".

وأضاف في منشور لاحق: "أجرب أن أكون محايداً في طرحي لكنني لا أقدر على ممارسة الفصل بين فتنة الإبداع والمواقف الأخلاقية..لا أستطيع احترام مبدع يطبل لطاغية..لا أحتمل انفصاله عن الناس، فأن تكتب لهؤلاء الذين تدافعوا لقراءتك وليس لمن يمنحون لك الجوائز وهم يعتقدون أنهم أكبر منك...طوبى لمن كتب للناس ومات على عقيدتهم في الخلاص".




فيما نشر الكاتب إسلام أبو شكير كلاماً بما يشبه العتب على موقف صالح علماني الذي التقاه لمرة واحدة، عندما كتب: "لم يسبق أن التقينا.. لكنني عرفته عندما لمحته بطرف عيني تلك المرة.. تظاهرت أنني لم أره، واخترت مقعدي في المطعم بحيث كان ظهري له. لم أستطع حينها أن أتجاهل موقفه مما يحدث في سوريا.. بعد لحظات كانت يدان تطوقانني من الخلف. لم أكن بحاجة للالتفات لأعرف أنه هو.. عانقني بحرارة، وقال كلاماً يتعلق بما أكتبه، أخجل لشدة لطفه أن أعيده الآن.. ونتيجة لمبادرته هذه أخذت على نفسي عهداً ألا يكون قرار فرط هذه الصداقة من جهتي أبداً.. استمرت الصداقة بيننا فترة أخرى.. تعليقات له حول بعض ما أكتبه هنا على الفيسبوك، ورسائل، وتحيات نتبادلها في المناسبات.. لكنه كما يبدو لم يتحمّلني إلى النهاية.. فاتخذ قراره قبل عام تقريباً، وأنهاها معي.. صالح علماني يرحل اليوم.. حزين جداً بالطبع، وأعتبر غيابه خسارة كبيرة، ولكن كنت أتمنى لو توّج هذه المسيرة الباذخة بموقف أكثر وعياً (أو أخلاقية إذا أردنا الدقة) تجاه قضية تماثل في عدالتها قضية فلسطين التي ينتمي إليها.. سوريا التي لا أشكّ أنها تحبه".



وقال الكاتب الفلسطيني إسماعيل السعدي: "موت مترجم بحجمك وتأثيرك، يثير حزناً لا أستطيع إخفاءه...ترجماتك بعض ذاكرتنا وتكويننا.. لكنّني لا أخفيك أنّني تمنّيتُ لو أنّك متَّ قبل حقبة البراميل الملقاة على رؤوس أبناء الشعب السوري المظلوم، محتفظا بمسافتك البعيدة عن الطغاة أيّا كانوا وأينما كانوا...أو لو أنّك متّ بعد ذلك بما يكفي لمراجعة موقفك من نظام البراميل والفساد والاستبداد...مراجعة كنتُ أتمنى أن تقوم بها...لكنها أقدار الله، شاءت ما لا نشاء. تمنّيت لو لم تمت مرتين. مرّة بالتشبيح لطاغية، ومرة بانتهاء العمر. كم هو فادح أن يموت المرء مرتين! لم يبق عندي تجاهك إلا أن أرجو لك الرحمة والغفران".



فيما طالب الكاتب السوري جورج كدر بتجنب الخوض في مواقف علماني السياسية، وإيقاف الذاكرة عند أعماله الأدبية، بالقول: بعيدا عن السياسة ومواقفه ... كان علماني علماً ثقافياً أثرى حياتنا الثقافية.. رحل تاركاً بصمته الواضحة فيها.. الرجاء عدم الخوض في مواقفه".


وولد صالح علماني في مدينة حمص السورية عام 1949 بعد عام واحد على النكبة الفلسطينية، بعد أن وصل أهله إلى سورية مع آلاف الفلسطينيين الذين هجرتهم آلة الحرب الإسرائيلية، وتعلّم علماني في المدارس السورية ودرس الأدب الإسباني، قبل أن يختص بالأدب اللاتيني وترجمته ليكون اسمه، إلى جانب أعظم الروائيين اللاتينيين والعالميين.
دلالات
المساهمون