لم تعد النظرة إلى واقع التعليم تربطه بالتحديث والتنمية بمفهومها التقليدي، في زمن برزت فيه اختلالات واسعة في نوعية ما يتمّ تعليمه في معظم بلدان العالم، حيث تكتسب الطبقات الأغنى معارف ومهارات أكثر تطوّراً في مدارس خاصة، بالتوازي مع تراجع المدارس الحكومية التي تلتحق فيها بقية فئات المجتمع.
تحدٍّ آخر تواجهه المدرسة اليوم مع تطوّر مفاهيم عديدة تتعلّق بالمواطنة والمواطن العالمي والتعدّد الثقافي ضمن مقاربات تستوعب على نحو أعمق التنوع الاجتماعي والمساواة والارتقاء بآفاق الفرد لمواجهة الأزمات والتصدّعات الكبرى داخل المجتمعات.
ضمن "ملتقى الثلاثاء" الذي ينظّمه "بيت الثقافة والفنون" في عمّان، تُلقي الأكاديمية والباحثة الأردنية رزان الزعبي عند السادسة من مساء اليوم محاضرة بعنوان "التعلم الحواري مقابل التعلم البنكي في فلسفة پاولو فريري"، ويدير الحوار الذي يعقبها الأكاديمي أحمد ماضي.
تتعدد الاستعادات للمنظّر والتربوي البرازيلي (1921 -1997) من خلال استيعاب آرائه تجاه مواجهة القهر الذي يتعرّض إليه ملايين البشر الذين يعتقدون أن فقرهم وما يعانون من ظلم اجتماعي هو أمر واقع لا يمكن تجنبّه، وهو في الحقيقة نتاج احتكار النخبة للسلطة والنفوذ.
كما قارب صاحب كتاب "الفعل الثقافي في سبيل الحرية" ثقافة المقهورين التي تتسم بالصمت بفعل قبولهم واقعهم وتأرجهم بين وهم التفاؤل وبين قهر التشاؤم، وفي المحصّلة فإنهم عاجزون عن تغيير شروط حياتهم وصناعة مستقبل مغاير.
تعود المحاضرة إلى أطروحتها التي نالت بها درجة الدكتوراه في الفلسفة، وحملت عنوان "الأسس الفلسفية للتعلم بالممارسة بين جون ديوي وباولو فريري"، مشيرة إلى التعليم المعولب الذي يمارس في المدرسة ويستهدف السيطرة على عقول الطلاب بجعلها بنوكاً تخزن المعرفة بغية استلابهم، بحسب المفكّر البرازيلي.
مقابل ذلك، تقف رؤية الفيلسوف الأميركي جون ديوي (1859 -1952) الذي يعدّ أحد أبرز منظّري الفلسفة البراغماتية القائمة على أن عمليات المعرفة تتحدّد وفق اعتبارات عملية وغرضية بمنأى عن أية عوامل نظرية مجرّدة، فالمعارف توضع من أجل حلّ المشكلات.
تمثّل أفكار فريري تجاوزاً وربما ثورة على ما قدّمه ديوي، من خلال رفضه لحيادية التعليم الذي رأى أنه يحقّق الحرية أو الاستعباد، ولا طريق ثالث بينهما، وأن وظيفته التحرّرية تُبنى على النقد تفكيك الوعي الزائف الذي يديم قوى الاستبداد.