بعث نائب الرئيس المصري السابق، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، محمد البرادعي، رسائل عديدة خلال تصريحاته التي أدلى بها أخيراً، عن كواليس الاتفاق مع المؤسسة العسكرية المصرية، حول الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013.
جاءت تصريحات البرادعي، التي فضح فيها حقيقة الانقلاب على مرسي، بمثابة حجر في مياه راكدة، في وقت حاول فيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي فرض سيطرته على الأوضاع ووأد أي معارضة له حتى من خارج مؤيدي مرسي وجماعة "الإخوان المسلمين".
ويواجه السيسي عدّة أزمات سواء على مستوى الأوضاع الاقتصادية السيئة، أو جراء الانتقادات الموجّهة له على خلفية قمع الحريات، بيد أن الأخطر هو تفكك حلف 30 يونيو المؤيد له.
ورأى خبراء أن حديث البرادعي لن يؤثر على مجريات الأوضاع في مصر بشكل كبير خلال الفترة القصيرة. غير أن البعض الآخر ذهب إلى القول إن التأثير الحقيقي، يكمن في معرفة الشعب حجم الخديعة التي تعرض لها، فضلاً عن التسبب في إحراج النظام الحالي داخلياً وخارجياً، وهو ما يعني بالتأكيد، وفقاً لرؤيتهم، تغيراً مهماً، قد يعجل بمزيد من التصدّع للنظام.
واتفق الخبراء على أنّ البرادعي يريد أن يرسل بعدّة رسائل، منها أنّه لا يزال يتابع الشأن في مصر، فضلاً عن أنّه يهاجم النظام كجزء من دفع أي انتقادات للرجل في الإعلام المصري، والذي تكرّر منذ استقالته قبل تولي السيسي الحكم، فضلاً عن احتفاظه بالعديد من الأسرار في جعبته.
اقرأ أيضاً: هدية البرادعي المرفوضة ونقيب الزبالين
لكن اللافت، في ردود الأفعال على حديث الرجل، هو عدم صدور رد من النظام الحالي، أو قادة المعارضة السابقة في "جبهة الإنقاذ الوطني"، التي تولت التنسيق مع الجيش للانقلاب.
وقال البرادعي، خلال مؤتمر عن حالة الاتحاد الأوروبي، في فلورنسا بإيطاليا إن "الإخوان دخلوا الانتخابات وفازوا بنزاهة، ولكننا وصلنا معهم إلى نظام إقصائي، وهو آخر ما كنا نحتاج إليه في تلك المرحلة، فنحن كنا بحاجة إلى توافق وطني يحتوي الجميع".
وفضح البرادعي الاتفاق الحقيقي بين قادة المعارضة وقادة الجيش في مشهد 3 يوليو، والذي كان ينص على انتخابات رئاسية مبكرة، وخروج آمن وكريم لمرسي، ونظام سياسي يضم الجميع، بمن فيهم "الإخوان" والإسلاميون، ولجنة مصالحة وطنية شاملة، وحل سلمي للاعتصامات.. ولكن تم الإلقاء بكل هذا، واللجوء إلى العنف "الذي لم يكن له مكان عند بدئه"، على حدّ تعبيره.
وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، وحيد عبد المجيد، إن حديث البرادعي الأخير حول كواليس ما قبل 30 يونيو وما بعدها، يحمل رسائل واضحة من الرجل، مشيراً إلى أن النظام عليه أن يرد بالإيجاب أو السلب.
وأضاف عبد المجيد لـ"العربي الجديد"، أن "البرادعي يحاول غسل يده من أي محاولة لإلصاق التهم بالمسؤولية عن تبعات 30 يونيو به، خصوصاً أنه كان جزءا من تفاصيل ما حدث عقب عزل مرسي من الحكم".
وأشار إلى أنّ تصريحات البرادعي، سواء التي تحدث بها عن كواليس ما بعد 30 يونيو، أو تعليقاً على حديث وزير العدل، هي محاولة لإيصال رسالة أنه لا يزال موجوداً، حتى ولو من الخارج، وأنه مطلع على تفاصيل المشهد في الداخل، على الرغم من اعتزاله العمل السياسي".
ولفت إلى أن تلك التصريحات تفيد بأن لديه المزيد والمزيد حول تفاصيل المرحلة الانتقالية، خصوصاً أنه كان يتولى منصب نائب الرئيس.
وحول تأثير تصريحاته على الوضع الحالي، قال عبدالمجيد إن حديث الرجل لن يؤثر بشكل كبير على سير المرحلة الحالية، ولكنه مؤثر، والدليل تعاطي الإعلام، سواء المحلي والعالمي، معها.
وشدد على أن البرادعي فضّل الانسحاب تماما من المشهد بكل تفاصيله، ولكنه يعبر عن انحياز شخصي في حديثه عن العدالة الاجتماعية وما إلى غير ذلك.
غير أن الخبير في مركز "الأهرام" حمّل البرادعي مسؤولية إضعاف القوى المدنية في مصر باستقالته من منصب نائب الرئيس خلال فترة المستشار عدلي منصور، خصوصاً أن مصر كانت تمر بمرحلة حرجة.
واتفق الخبير السياسي، مختار غباشي، مع عبد المجيد، لجهة عدم تأثير كلمات البرادعي الأخيرة على الوضع الداخلي في مصر.
وقال غباشي لـ"العربي الجديد"، إن حديث البرادعي يحمل رسائل إلى النظام الحالي بأن لديه من الأسرار التي لم يكشف عنها بعد، فضلا عن أنها محاولة هجوم على النظام تسبق دفاعه عن نفسه حال توجيه الإعلام المصري الانتقادات له.
وأضاف أن البرادعي شخصية دولية ذكية، وأي حديث له مؤثر بالتأكيد دولياً، وبالتالي قد يكون محط اهتمام منظمات حقوقية أو بعض حكومات الدول، لكنه أقرّ بأنّ ذلك لن يؤثر على علاقات مصر والدول الغربية.
ورأى أن الدول الأجنبية تعتمد في علاقاتها بمصر على مبدأ المصلحة، والتي تقتضي التعامل مع النظام القائم في مصر، حتى مع عدم وجود اتفاق حوله.
وأكد أن توقيت حديث البرادعي عن تفاصيل ما جرى في المرحلة الانتقالية عجيب ويحمل علامات استفهام كبيرة، متسائلا: "ما الهدف من هذه التصريحات؟ لا أحد يعرف سوى البرادعي".
ولكن غباشي، ذهب إلى إمكانية وجود ضغوط معينة على الرجل من النظام الحالي، دفعته إلى الإدلاء بهذه التصريحات، خصوصاً أن الرجل "اعتاد على عدم الرد إلا عقب هجوم أو تلميحات عليه".
في المقابل، رأى خبير سياسي أن تصريحات البرادعي الأخيرة حول مرسي، تعكس حجم الخلافات بين الرجل والسيسي، خصوصاً مع السماح للإعلام باتهام الرجل بـ"الخيانة".
وقال الخبير، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن تصريحات البرادعي مهمة في سياق كشف اللثام عن حجم الخديعة التي تعرض لها الشعب المصري إبان المرحلة الانتقالية وفترة السيسي.
وأضاف أن السيسي لن يردّ على ما جاء في تصريحات البرادعي، أو قادة "جبهة الإنقاذ"، التي تولت التنسيق مع السيسي، وكان البرادعي جزءاً منها بالمناسبة.
وأشار إلى أنّ "الشعب عليه أن يفكر جيداً في حديث البرادعي، خصوصاً أن فكرة الخروج الكريم لمرسي لم تُذكر من قبل بهذه الصورة، ولا أحد يجرؤ على كشف تفاصيل المرحلة الانتقالية عقب عزل مرسي إلا البرادعي بما لديه من حصانة دولية وعلاقات قوية مع دول أوروبا وغيرها".
في المقابل، شدد الخبير السياسي، محمد عز، على أن تصريحات البرادعي الأخيرة تسببت في إحراج النظام الحالي داخلياً وخارجياً، وكشفت تفاصيل ما تم الاتفاق عليه.
وقال عز لـ"العربي الجديد"، إن البرادعي يشكل خطراً على النظام الحالي، لأن الرجل لديه من الكواليس التي لم يُكشَف عنها حتى الآن، فضلا عن عدم القدرة على منع الرجل من الإدلاء بتصريحات مثلما يحدث في مصر، لأن البرادعي شخصية دولية لا يمكن التعامل معها بمنطق "الأذرع".
وأضاف أن تصريحات البرادعي بمثابة حجر في مياه راكدة، وإن كانت بدأت في التحرك ضد سياسات النظام الحالي.
وأشار الخبير السياسي، إلى أن البرادعي يهدم شرعية النظام الحالي، التي اكتسب جانباً منها بمساعدة البرادعي، خصوصاً في ما يتعلق بالمجتمع الدولي، وربما يشعر نائب رئيس الجمهورية السابق بالضيق لاستغلاله لتنفيذ أجندة وخطط محددة من قِبل الجيش.
وعن دلالة توقيت تصريحات البرادعي، قال عز، إن البرادعي ربما شعر بأن الفترة الحالية مناسبة لكشف بعض من كواليس المرحلة الانتقالية، مع تزايد الضغط على النظام الحالي واتساع رقعة المعارضة له، في ظل فشل الأداء التنفيذي للنظام والحكومة في التعاطي مع الأزمات المختلفة.