01 أكتوبر 2022
رسائل الشباب العربي إلى نفسه
"من أحرار الجزائر إلى أحرار مصر الحبيبة: اطمن إنتا مش لوحدك"، يحمل شاب جزائري لافتةً مرتجلةً تحمل هذه الرسالة، لتقع من قلب شقيقه المصري موقعاً.
منذ الربيع العربي عام 2011 لم تنقطع رسائل الشباب العربي إلى بعضه في كل حراك، شهدنا سابقاً في ميدان التحرير رفع أعلام فلسطين والثورة السورية، وانطلقت قوافل الإغاثة الإنسانية إلى سورية وليبيا، والتقيت مخرجاً مصرياً استبدت به الحماسة للثورة الليبية، حتى أنه عبر الحدود وأمضى أسابيع في بيوت الليبيين يصور مرتجلاً، ووجد في كل منزل ترحاباً ووداً. وبالمثل حالياً تتكرّر الظاهرة، تذهب الرسائل إلى السودان والجزائر وتأتي منهما.
بمقطع فيديو يرفع متظاهر سوداني صورا لأوراق كُتبت عليها أسماء معتقلين مصريين شباب طالباً الحرية لهم، ومن اللافت أن أحد الأسماء كان "جيكا"، المعروف مصرياً بكونه أول شهيد قُتل برصاص الشرطة في عهد محمد مرسي، ما يعني أن الكاتب لا يعرف حقاً المعلومات التفصيلية المصرية، لكنه يعرف جيداً صوت عاطفته.
طفل جزائري يرتدي علم بلاده بينما يرفع علماً مصرياً، تضامن روابط المشجعين العربية مع أزمات "الأولتراس" في مصر. حتى على مستوى الأحداث المحلية، فبعد حادثة قطار رمسيس رفع متظاهرون جزائريون أوراقاً تحمل التعازي للمصريين، ورفع جمهور نادي الرجاء المغربي لافتة بالمعنى نفسه. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشهد كل أنواع التفاعل الواسع، من يوجه النصائح، ومن يناقش، ومن يحتفي ويحتفل.
يدرك الشباب العربي، بأفعاله قبل أقواله، وحدة الثقافة والحاضر والمستقبل، نتشارك الهموم والمآسي والأعداء والأحلام والآمال. .. قومية عربية جديدة تُبعث، وقوامها الديمقراطية والحريات والمواطنة، على أنقاض قوميةٍ عربيةٍ قديمة، قوامها السلاح والعسكر وأصوات المعركة التي غطت على أصوات الشعوب.
وللمفارقة هنا، فشل الآباء المؤسسون للقومية العربية القديمة حتى على مستوى العلاقات بينهم، على الرغم من الرابطة المفترضة لوجهة السلاح والفكر، فانقلاب ناصري في سورية لتحقيق الوحدة مع النظام الناصري المصري، لم تدم فاعليته أكثر من سنوات ثلاث قبل أن ينهار، ونظامان بعثيان في سورية والعراق تحولا إلى العداء التام، وتبادل الحزبيون البعثيون حملات الاعتقال والقمع في البلدين، بينما فر المؤسس الفكري لكليهما ميشيل عفلق إلى فرنسا!
اليوم لا آباء مؤسسون بل إخوة وأخوات، ولا حزب طليعي، بل أحزاب وتنظيمات تجتهد للممارسة الديمقراطية (اتحاد المهنيين في السودان نموذجا)، وتجتهد لمقاومة أشباح الماضي العسكرية والدينية أيضاً.
المشهد الأيقوني لآلاء صالح تغني "محبوبتي كنداكة" حظي بأوسع تصويت شعبي عربي. آلاء التي تفخر بلقب "الكنداكة" الذي يعود إلى ملكات مملكة كوش قبل الميلاد، كانت تحتفظ، في الوقت نفسه، بشالها الأبيض التراثي يغطي جزءاً من شعرها، وإن لم تعبأ بسقوطه عنها ورفعها له تلقائياً مراراً. صيغة هادئة لتصالح التراث مع الحاضر. تعيد شالها وهي تغني بوجه نظام يحمل أبشع خلطة عسكرية دينية في المنطقة: "سجنونا باسم الدين، حرقونا باسم الدين، قتلونا باسم الدين" هذا دينهم أما ديننا فهو "الدين يقول الزول، إن شاف غلط منكر، ما ينكتم يسكت".
علمتنا التجارب ألا نُفرط في التفاؤل، وأن العواطف النبيلة والنيات الصادقة لا تؤدي إلى النجاح بالضرورة، وأن المصائر أعقد بكثير من اللحظة الدرامية للفرحة بسقوط شخص هذا المستبد أو ذاك، لكنها علمتنا أيضاً أنه لا يأس، ومن كان يتوقع أن يأتي الصوت بعد من الجزائر والسودان، حيث نظامان من الأعتى قوة وترسخاً.
ولعلنا نشهد يوماً غير بعيد، تنتقل فيه رسائل الشباب العربي المتبادلة من الميادين والشوارع إلى قصور الحكم، ومن العواطف التلقائية إلى التنظيرات الصلبة والتنظيمات القوية.
القديم يموت والجديد يولد، وإن طال الاحتضار وطال الميلاد.
منذ الربيع العربي عام 2011 لم تنقطع رسائل الشباب العربي إلى بعضه في كل حراك، شهدنا سابقاً في ميدان التحرير رفع أعلام فلسطين والثورة السورية، وانطلقت قوافل الإغاثة الإنسانية إلى سورية وليبيا، والتقيت مخرجاً مصرياً استبدت به الحماسة للثورة الليبية، حتى أنه عبر الحدود وأمضى أسابيع في بيوت الليبيين يصور مرتجلاً، ووجد في كل منزل ترحاباً ووداً. وبالمثل حالياً تتكرّر الظاهرة، تذهب الرسائل إلى السودان والجزائر وتأتي منهما.
بمقطع فيديو يرفع متظاهر سوداني صورا لأوراق كُتبت عليها أسماء معتقلين مصريين شباب طالباً الحرية لهم، ومن اللافت أن أحد الأسماء كان "جيكا"، المعروف مصرياً بكونه أول شهيد قُتل برصاص الشرطة في عهد محمد مرسي، ما يعني أن الكاتب لا يعرف حقاً المعلومات التفصيلية المصرية، لكنه يعرف جيداً صوت عاطفته.
طفل جزائري يرتدي علم بلاده بينما يرفع علماً مصرياً، تضامن روابط المشجعين العربية مع أزمات "الأولتراس" في مصر. حتى على مستوى الأحداث المحلية، فبعد حادثة قطار رمسيس رفع متظاهرون جزائريون أوراقاً تحمل التعازي للمصريين، ورفع جمهور نادي الرجاء المغربي لافتة بالمعنى نفسه. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشهد كل أنواع التفاعل الواسع، من يوجه النصائح، ومن يناقش، ومن يحتفي ويحتفل.
يدرك الشباب العربي، بأفعاله قبل أقواله، وحدة الثقافة والحاضر والمستقبل، نتشارك الهموم والمآسي والأعداء والأحلام والآمال. .. قومية عربية جديدة تُبعث، وقوامها الديمقراطية والحريات والمواطنة، على أنقاض قوميةٍ عربيةٍ قديمة، قوامها السلاح والعسكر وأصوات المعركة التي غطت على أصوات الشعوب.
وللمفارقة هنا، فشل الآباء المؤسسون للقومية العربية القديمة حتى على مستوى العلاقات بينهم، على الرغم من الرابطة المفترضة لوجهة السلاح والفكر، فانقلاب ناصري في سورية لتحقيق الوحدة مع النظام الناصري المصري، لم تدم فاعليته أكثر من سنوات ثلاث قبل أن ينهار، ونظامان بعثيان في سورية والعراق تحولا إلى العداء التام، وتبادل الحزبيون البعثيون حملات الاعتقال والقمع في البلدين، بينما فر المؤسس الفكري لكليهما ميشيل عفلق إلى فرنسا!
اليوم لا آباء مؤسسون بل إخوة وأخوات، ولا حزب طليعي، بل أحزاب وتنظيمات تجتهد للممارسة الديمقراطية (اتحاد المهنيين في السودان نموذجا)، وتجتهد لمقاومة أشباح الماضي العسكرية والدينية أيضاً.
المشهد الأيقوني لآلاء صالح تغني "محبوبتي كنداكة" حظي بأوسع تصويت شعبي عربي. آلاء التي تفخر بلقب "الكنداكة" الذي يعود إلى ملكات مملكة كوش قبل الميلاد، كانت تحتفظ، في الوقت نفسه، بشالها الأبيض التراثي يغطي جزءاً من شعرها، وإن لم تعبأ بسقوطه عنها ورفعها له تلقائياً مراراً. صيغة هادئة لتصالح التراث مع الحاضر. تعيد شالها وهي تغني بوجه نظام يحمل أبشع خلطة عسكرية دينية في المنطقة: "سجنونا باسم الدين، حرقونا باسم الدين، قتلونا باسم الدين" هذا دينهم أما ديننا فهو "الدين يقول الزول، إن شاف غلط منكر، ما ينكتم يسكت".
علمتنا التجارب ألا نُفرط في التفاؤل، وأن العواطف النبيلة والنيات الصادقة لا تؤدي إلى النجاح بالضرورة، وأن المصائر أعقد بكثير من اللحظة الدرامية للفرحة بسقوط شخص هذا المستبد أو ذاك، لكنها علمتنا أيضاً أنه لا يأس، ومن كان يتوقع أن يأتي الصوت بعد من الجزائر والسودان، حيث نظامان من الأعتى قوة وترسخاً.
ولعلنا نشهد يوماً غير بعيد، تنتقل فيه رسائل الشباب العربي المتبادلة من الميادين والشوارع إلى قصور الحكم، ومن العواطف التلقائية إلى التنظيرات الصلبة والتنظيمات القوية.
القديم يموت والجديد يولد، وإن طال الاحتضار وطال الميلاد.