رسائل في بيان سامي عنان

22 يناير 2018
+ الخط -
على الرغم من أن ترشح رئيس الأركان المصري السابق، الفريق سامي عنان، لانتخابات الرئاسة كان احتمالاً قائماً منذ أشهر، إلا أن الإعلان الرسمي عن نيته خوض السباق الرئاسي أثار جدلاً واسعاً في مصر، كمن ألقى حجراً كبيراً في مياه راكدة لم يكن يتوقع أحد تحريكها.
لم يحدث هذا الزخم، عندما أبدى المحامي والحقوقي، خالد علي، نية المنافسة على الرئاسة، على الرغم مما يتمتع به علي من صدقية وثقة لدى بعض المصريين، على خلفية مواقفه السابقة ونشاطه في قضايا حساسة، أشهرها قضية مصرية جزيرتي تيران وصنافير.
إذن، لم تكن المسألة فقط في غياب أو وجود أكثر من منافس على منصب الرئيس، وإنما في وزن المنافس الذي يكتسبه من تاريخه وخلفيته المهنية ودوره في المراحل السابقة، إضافة إلى الجوانب والسمات الشخصية، مثل الكاريزما وملكة الخطابة ومهارة التواصل، ثم البرنامج الانتخابي والخطط التي يُرَوِج بها المرشح نفسه لدى الناخبين.
لا يمتلك سامي عنان كاريزما، وهو قليل الكلام والظهور العام، حتى وقت توليه منصب رئيس الأركان. كما أن دوره في السنوات القليلة الماضية محل جدل، بين اتجاهين متناقضين: هناك من يرى أنه شارك المشير حسين طنطاوي في "تسليم البلد" للإخوان المسلمين. وهناك من يراه طرفاً أصيلاً في قيام المجلس العسكري عامي 2011 و2012 بالتعامل مع ثورة يناير بطريقة ذكية ومدروسة، أفضت في النهاية إلى استلام العسكريين زمام السلطة بشكل مباشر في 3 يوليو/تموز 2013.
فضلاً عن ذلك، ليس عنان رجل دولة بالمعنى السياسي، ولم يمارس السياسة أو العمل العام المدني، وبدا واضحاً من البيان المصوّر الذي أعلن فيه نيته الترشح للرئاسة، وحفل بأخطاء لغوية وأداء باهت، أنه ليس خطيباً مُفوهاً ولا يملك حضوراً جاذباً لمن يشاهده أو يسمعه. باختصار، المقومات الموضوعية والذاتية المطلوبة في شخص الرئيس وشخصيته تكاد جميعها تكون غائبة عن سامي عنان.
لكن، وعلى الرغم من هذه النقائص، أثار الرجل، بإعلانه الترشح، جدلاً واسعاً ووضع مصر كلها في حالة صدمة وترقب لما سيجري في الأيام والأسابيع المقبلة. والسبب ببساطة خلفيته الوظيفية ووضعه قائدا عسكريا رفيعا، كان الرجل الثاني في الجيش المصري قبل أن يغادر الحياة العسكرية من خمس سنوات فقط، ما يجعله، في نظر كثيرين، لا يزال جزءاً من هذه المؤسسة.
بمراجعة بيان ترشح عنان، يمكن العثور على معاني مهمة ورسائل لا تقل أهمية. ومن المعاني ذات الدلالة أن للرجل موقفا حادا ضد السلطة الحاكمة الحالية، لكنه حرص على التمييز بين رأس السلطة والمؤسسة العسكرية، فاتهم الأولى بالفشل وتبني سياسات خاطئة، حمّلت القوات المسلحة أعباءها. وفي لهجة حادةٍ وعنيفةٍ، طالب عنان مؤسسات الدولة بمعاملة جميع المرشحين بهذه الصفة، وعدم الانحياز إلى من يشغل كرسي الرئاسة حالياً، إذ قد "يغادره بعد شهور".
لكن الرسائل في إعلان عنان الترشح للرئاسة تبدو أكثر أهمية، فقد وضع ما أسماه "توطن الإرهاب الأسود في مصر" في مقدمة المخاطر والأولويات. في رسالة مباشرة إلى الخارج (الغرب) الذي تأتي هذه القضية في مقدمة الأولويات بالنسبة لمصر والمنطقة.
وغازل عنان القوى والاتجاهات السياسية المختلفة، بحرصه على تسمية نائبين لا ينتميان إلى أحزاب أو تنظيمات سياسية، أحدهما أكاديمي علماني، والآخر تكنوقراط محافظ. وبينما بدأ عنان بيانه واختتمه أيضاً بالإشارة إلى أن الشعب المصري هو "السيد"، إلا أنه بعث رسالة صريحة، تبدو الأهم في البيان، موجهة إلى المؤسسة التي ينتمي إليها، مفادها بأنه، على الرغم من تقاعده وهو في ثاني أعلى منصب عسكري، لا يزال حريصاً على استنصار مؤسسته الأم في مسعاه نحو الرئاسة.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.