رسالة كوستاريكا: كونوا واقعيين.. اطلبوا المستحيل

21 يونيو 2014
+ الخط -
يُقال إن كرة القدم مجرد لعبة، لكنها أكثر من ذلك بكثير، هي بالنسبة للملايين بمثابة فلسفة حياة تعلّم مجاذيبها ومحبيها الكثير من المعاني الخاصة بالأمل والحلم والجنون. هي لعبة شمولية أقرب الى إكسير قوي المفعول لمن يعشق تفاصيلها.

بعد قرعة المونديال، وقعت إنجلترا وإيطاليا والأوروجواي في مجموعة واحدة، ثلاثة أبطال حملوا لقب كأس العالم وجهاً لوجه. هذه الجملة تكررت كثيراً قبل أيام من البطولة الكبيرة، ولم يذكر أحد على الإطلاق المنتخب الرابع في الطريق نفسه، فريق كوستاريكا. هذه الدولة الصغيرة في أميركا الوسطى التي يبلغ عدد سكانها قرابة الخمسة ملايين نسمة، شعب يعيش في هدوء ويستمتع بحياته الهادئة وسط بيئة مثالية إلى أقصى درجة.

مكان يبدو مع الوهلة الأولى وكأنه أقرب إلى مدينة أفلاطون الفاضلة. ومع ذكر الفلسفة علينا أن نُلقي الضوء على الجانب المنسي من اللعبة، إنه الطموح والدافع الذي يقودك إلى النجاح ويغرز بداخلك أسمى معاني البطولة والمحاولة. لذلك دخلت كوستاريكا البطولة ولم تهب أحداً، فازت على الأوروجواي بالثلاثة، فقالوا إنها صدفة، ثم أكدت الحضور بانتصار آخر على الطليان لتقول للعالم أجمع، أعطونا فرصة.

مدرسة الضغط العالي

تلعب كوستاريكا بطريقة لعب أساسية 5-4-1 صريحة، لكن في الملعب تتغير الخطط وفقاً لسيناريو المباريات لتصبح 3-4-2-1 عند الاستحواذ على الكرة بصعود ثنائي الأطراف إلى الأمام بجوار لاعبي الارتكاز وتتحول الأجنحة من العمق إلى صناع لعب خلف المهاجم الصريح، وهذه هي الطريقة التي فازوا بها على الأوروجواي بعد أداء إعجازي في الشوط الثاني وسيطرة كاملة على الأجواء بالطول والعرض.

إيطاليا منافس مختلف، شئت أم أبيت، هو فريق بطولة يلعب دوماً على اللقب. فاز الآزوري على الإنجليز في البداية، تكتيك برانديلي اعتمد على الكثافة العددية في المنتصف من أجل إفساح المجال أمام الأطراف وفتح طريق داخل أنصاف المسافات على اليمين، مع اللعب بثنائي من صناع اللعب في العمق، فيراتي ينطلق في الأمام ليحجز مكاناً لبيرلو حتى يُمرر بحرية، خطة أعطت الزّرق الأفضلية خصوصاً مع اللعب العشوائي للإنجليز وافتقارهم إلى الضغط في منتصف الملعب.



لكن كوستاريكا فهمت الدرس مقدماً، ووضعت كل ضغطها على وسط الفريق الأوروبي، طريقة 5-4-1 تحولت في معظم الأوقات إلى 3-2-5 في الهجوم. ثلاثي الدفاع بالخلف، بينما الظهير الأيمن يصعد إلى الأمام ليصبح جناحاً صريحاً، ويتحول الظهير الآخر إلى منتصف الملعب لمرافقة الارتكاز تيخيدا، بينما ينطلق الوسط الآخر بورجيس إلى الأمام ليٌشكل قوة دفع خماسي رفقة الجناح المتقدم والثلاثي الهجومي الصريح.

استراتيجية قاتلة وضعت فريق برانديلي في خانة اليِك، بيرلو لاعب خيالي لكنه بطيء جداً أثناء الضغط، يحتاج إلى لاعب آخر بجواره لكي يسانده. وهنا فقد الطليان لاعباً إضافياً بالمنتصف، ما دفع الكوستاريكيين إلى التقدم أكثر ومزاحمة البطل الكبير في مناطقه الدفاعية فوجد دي روسي وبيرلو نفسيهما أمام إعصار من اليمين واليسار والمنتصف مدّعم بخمسة لاعبين دفعة واحدة، ثنائي من الأطراف وثلاثي صريح في العمق.

وإذا تحدثنا بلغة الأرقام نجد أن بيرلو مرر 81 تمريرة سليمة لكن 5 فقط في الثلث الهجومي الأخير، ما يؤكد أن وسائل الاتصال بين وسط الآزوري وهجومه كانت مفقودة تماماً مما سهّل كثيراً من مهمة الخصم. أداء قوي مستمر وضياع فرص وهدف مستحق في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة.

المستحيل

حاول تشيزاري برانديلي، في الشوط الثاني، الدفع بالقوة المهارية الفتّاكة، كاسانو وإنسيني وتشيرشي وفتح الملعب على الأطراف بتحويل 4-5-1 إلى 4-4-1-1 في محاولة للرجوع إلى المباراة، لكن الطليان اصطدموا بجسارة الفريق المنافس. العودة إلى الخلف وتثبيت خمسة لاعبين في خط الدفاع أمامهم رباعي صريح ثم مهاجم واحد، في عودة حقيقية لحدود ما قبل المونديال.

فازت كوستاريكا وضمنت الصعود السريع إلى الدور الثاني. وسواء نجحوا في مواصلة الحلم أو خرجوا من هذا الدور فهذا الفريق قدم نموذجاً كاملاً للمثابرة والمواصلة حتى تحقيق أعتى الأحلام.

تحدي كوستاريكا لإيطاليا، ملحمة كروية تُذكّر بمقولة الثائر اللاتيني الحر تشي جيفارا حينما واجه أعتى الديكتاتوريات العسكرية بقلب شجاع ونية صافية قائلاً لأتباعه، حينما اقتربت النهاية، "كونوا واقعيين.. اطلبوا المستحيل".

المساهمون