05 نوفمبر 2024
رسالة مشعل إلى مؤتمر "فتح"... المعاني والمغازي
من بين جملة الرسائل التضامنية، وكلمات الوفود العربية والأجنبية التي تتالت في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حركة فتح السابع، في رام الله، كانت رسالة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أكثر هذه الخطابات أهمية، وأشدّها دلالة رمزية، وفق المعايير الداخلية الفلسطينية، وحسابات المرحلة التي يعِد المؤتمر السابع بتدشينها من دون تأخير، في إطار الجهود الجماعية المبذولة لإقالة كبرى المنظمات الفلسطينية من عثراتها الذاتية المستحكمة، كمقدمة لا بد منها لإعادة ترتيب شؤون البيت الفلسطيني.
لم تكن رسالة مشعل من قبيل المجاملات الكلاسيكية المعهودة في مثل هذه المناسبات الاحتفالية، ولا من طراز "قل كلمتك وامضِ"، فوق أنها تمثل سابقة غير مسبوقة في تقاليد حركةٍ كانت حتى الأمس القريب تطرح نفسها بديلاً لـ"فتح"، وترى أن الكفاح الفلسطيني بدأ فقط غداة قيام كتائب عز الدين القسام بأول عملياتها العسكرية في غمرة الانتفاضة الأولى عام 1987، ناهيك عن انهماكها في حالة الاشتباك السياسي المرير بين قطبي العمل الفلسطيني، بعد استئثار "حماس" بمقاليد حكم قطاع غزة قبل نحو عقد.
كان متوقعاً أن تفي "حماس" بكسر حاجز القطيعة المديدة مع "فتح"، من خلال إرسال وفد يمثلها في افتتاح جلسات مؤتمر "فتح"، بحسب وعدها للرئيس محمود عباس في اجتماعٍ في الدوحة أخيراً، إلا أن رسالة مشعل هذه، بما انطوت عليه من مضامين لافتة، جاءت مثل حبّة مسكٍ إضافية لذلك الوعد الذي كان البرّ به كافياً في حد ذاته، فما بالك ونحن أمام خطاب تم إعداد نصّه بعناية شديدة، حيث بدت كل مفردةٍ تحتوي إما على شرط مسبق لا مراء فيه أو على نيةٍ مضمرة، تزاوج بين الحذر والأمل، من دون تخوفات أو آمال مبالغ بها. فقد جاء في خطاب خالد مشعل: "ينعقد مؤتمركم في ظروفٍ معقدةٍ واستثنائية، ولها انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، بل وعلى الواقع الإقليمي من حولنا... أخاطبكم من منطلق أننا شركاء في الوطن والقضية والنضال والقرار، وجاهزون لكل مقتضيات هذه الشراكة... نتمنى لمؤتمركم النجاح، والوصول إلى نتائج إيجابية ومخرجات سديدة، لعلها ترسّخ روح الشراكة الوطنية التي تساعد على سرعة إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام وترتيب بيتنا الفلسطيني، وبما يمكّننا العمل على مقاومة الاحتلال والاستيطان والتهويد، وفق برنامجٍ سياسيٍّ نضالي وطني مشترك نتوافق عليه".
وما كان لهذه الرسالة النادرة أن تقرأ على مسامع "فتح"، وفي إحدى أعزّ مناسباتها، لو لم
تحدث مراجعةٌ داخلية في حركة حماس، جرت وراء أبواب مغلقة، وأفضت، فيما أفضت إليه، إلى اعتراف رئيس المكتب السياسي، في اعتراف علني أشدّ ندرة، بأن حركته أخطأت حين اعتقدت أنه يمكنها أن تكون بديلاً لحركة فتح، ووارثةً لها، وأخطأت أيضاً عندما عملت على حكم قطاع غزة، من دون تقاسمٍ للأعباء مع الشركاء في الوطن، الأمر الذي يعني، ضمناً، أن "حماس" كانت قد خسرت رهاناتها السابقة، وتراكمت معضلاتها في إدارة القطاع المحاصر، وأنها وصلت إلى حائط مسدود يقتضي منها واجب الاستدارة.
ولعل أكثر التعبيرات التي تكرّرت في رسالة مشعل هذه كان تعبير الشراكة والتوافق، ما يشير إلى أن توجه "حماس" قد تحوّل، وبعد لأي شديد، نحو تقاسم المسؤوليات الوطنية، بدلاً من محاولة الاستئثار بها، وأن دروس الماضي كانت كافيةً لاستخلاص الدروس والعبر المفيدة، وفي طليعتها أن الأوضاع الفلسطينية القاسية، وأعباءها الثقيلة، لا يستطيع طرفٌ فلسطيني بعينه أن ينهض بالمسؤوليات الجسيمة وحده، إلى جانب أن الإسلام السياسي، و"حماس" ابنه النجيب، قد دخل في مرحلة جزرٍ قد تكون طويلة، بعد ذلك المدّ الذي شهده الجوار في مطالع الربيع العربي.
وأياً كانت التداعيات التي قد تترتب على هذه الرسالة المعبرة عن نهج حمساوي تقرّر، فيما يبدو على مستوى القمة، ولم تصل مفرداته بعد إلى القواعد الحركية، لا سيما في الضفة الغربية، فإن هذه الرسالة حسمت مسألةً كانت تتحاشى الحركة الإسلامية الإقرار بها، وهي الاعتراف بشرعية محمود عباس رئيساً لحركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وذلك بعد أن أشبعت الرجل اتهاماتٍ بلغت حد وصمه بالتفريط والانحراف والخيانة، وغير ذلك الكثير، ما من شأنه أن يطوي خطاب "حماس" السياسي والإعلامي الموغل في التعريض بمن يدعو خالد مشعل إلى بناء الشراكة معه.
ولم تكن رسالة خالد مشعل ربحاً صافياً لحركة فتح، ورئيسها المعاد انتخابه بالإجماع خمس
سنوات لاحقة، فقد حققت "حماس"، بدورها، بعض الأرباح السياسية والمعنوية من المشاركة في افتتاح المؤتمر السابع، لعل في مقدمتها إنهاء مسوّغات حالة الاضطهاد والملاحقة التي ظل يشعر بها كوادر "حماس" في الضفة الغربية، وبالتالي، سحب كل ذريعة من أيدي قوات الأمن الفلسطينية التي كثيرا ما كانت تعتبر حركة المقاومة الإسلامية خطراً على الأمن الداخلي لبنية السلطة الوطنية، أو تهديداً كامناً للأوضاع الفتحاوية المضطربة في الضفة المحتلة.
إزاء ذلك كله، يمكن الافتراض، بتحفّظ طفيف، أن مشاركة "حماس" الرمزية، وكلمة رئيس مكتبها السياسي أمام مؤتمر "فتح" السابع، تشير إلى أن مناخاً جديداً قد يسود، بهذه الدرجة أو تلك. والأوضاع الداخلية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، يساعد على رفع درجة التوقعات مرة أخرى، بإنهاء الانقسام الذي يبيض ذهباً في حضن الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق مصالحة وطنية عمادها الشراكة، المبنية على قاعدةٍ صلبة، أساسها العودة إلى الشعب، أي إلى صندوق الاقتراع، كونه السبيل إلى تجديد كل الشرعيات الفلسطينية.
لم تكن رسالة مشعل من قبيل المجاملات الكلاسيكية المعهودة في مثل هذه المناسبات الاحتفالية، ولا من طراز "قل كلمتك وامضِ"، فوق أنها تمثل سابقة غير مسبوقة في تقاليد حركةٍ كانت حتى الأمس القريب تطرح نفسها بديلاً لـ"فتح"، وترى أن الكفاح الفلسطيني بدأ فقط غداة قيام كتائب عز الدين القسام بأول عملياتها العسكرية في غمرة الانتفاضة الأولى عام 1987، ناهيك عن انهماكها في حالة الاشتباك السياسي المرير بين قطبي العمل الفلسطيني، بعد استئثار "حماس" بمقاليد حكم قطاع غزة قبل نحو عقد.
كان متوقعاً أن تفي "حماس" بكسر حاجز القطيعة المديدة مع "فتح"، من خلال إرسال وفد يمثلها في افتتاح جلسات مؤتمر "فتح"، بحسب وعدها للرئيس محمود عباس في اجتماعٍ في الدوحة أخيراً، إلا أن رسالة مشعل هذه، بما انطوت عليه من مضامين لافتة، جاءت مثل حبّة مسكٍ إضافية لذلك الوعد الذي كان البرّ به كافياً في حد ذاته، فما بالك ونحن أمام خطاب تم إعداد نصّه بعناية شديدة، حيث بدت كل مفردةٍ تحتوي إما على شرط مسبق لا مراء فيه أو على نيةٍ مضمرة، تزاوج بين الحذر والأمل، من دون تخوفات أو آمال مبالغ بها. فقد جاء في خطاب خالد مشعل: "ينعقد مؤتمركم في ظروفٍ معقدةٍ واستثنائية، ولها انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، بل وعلى الواقع الإقليمي من حولنا... أخاطبكم من منطلق أننا شركاء في الوطن والقضية والنضال والقرار، وجاهزون لكل مقتضيات هذه الشراكة... نتمنى لمؤتمركم النجاح، والوصول إلى نتائج إيجابية ومخرجات سديدة، لعلها ترسّخ روح الشراكة الوطنية التي تساعد على سرعة إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام وترتيب بيتنا الفلسطيني، وبما يمكّننا العمل على مقاومة الاحتلال والاستيطان والتهويد، وفق برنامجٍ سياسيٍّ نضالي وطني مشترك نتوافق عليه".
وما كان لهذه الرسالة النادرة أن تقرأ على مسامع "فتح"، وفي إحدى أعزّ مناسباتها، لو لم
ولعل أكثر التعبيرات التي تكرّرت في رسالة مشعل هذه كان تعبير الشراكة والتوافق، ما يشير إلى أن توجه "حماس" قد تحوّل، وبعد لأي شديد، نحو تقاسم المسؤوليات الوطنية، بدلاً من محاولة الاستئثار بها، وأن دروس الماضي كانت كافيةً لاستخلاص الدروس والعبر المفيدة، وفي طليعتها أن الأوضاع الفلسطينية القاسية، وأعباءها الثقيلة، لا يستطيع طرفٌ فلسطيني بعينه أن ينهض بالمسؤوليات الجسيمة وحده، إلى جانب أن الإسلام السياسي، و"حماس" ابنه النجيب، قد دخل في مرحلة جزرٍ قد تكون طويلة، بعد ذلك المدّ الذي شهده الجوار في مطالع الربيع العربي.
وأياً كانت التداعيات التي قد تترتب على هذه الرسالة المعبرة عن نهج حمساوي تقرّر، فيما يبدو على مستوى القمة، ولم تصل مفرداته بعد إلى القواعد الحركية، لا سيما في الضفة الغربية، فإن هذه الرسالة حسمت مسألةً كانت تتحاشى الحركة الإسلامية الإقرار بها، وهي الاعتراف بشرعية محمود عباس رئيساً لحركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وذلك بعد أن أشبعت الرجل اتهاماتٍ بلغت حد وصمه بالتفريط والانحراف والخيانة، وغير ذلك الكثير، ما من شأنه أن يطوي خطاب "حماس" السياسي والإعلامي الموغل في التعريض بمن يدعو خالد مشعل إلى بناء الشراكة معه.
ولم تكن رسالة خالد مشعل ربحاً صافياً لحركة فتح، ورئيسها المعاد انتخابه بالإجماع خمس
إزاء ذلك كله، يمكن الافتراض، بتحفّظ طفيف، أن مشاركة "حماس" الرمزية، وكلمة رئيس مكتبها السياسي أمام مؤتمر "فتح" السابع، تشير إلى أن مناخاً جديداً قد يسود، بهذه الدرجة أو تلك. والأوضاع الداخلية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، يساعد على رفع درجة التوقعات مرة أخرى، بإنهاء الانقسام الذي يبيض ذهباً في حضن الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق مصالحة وطنية عمادها الشراكة، المبنية على قاعدةٍ صلبة، أساسها العودة إلى الشعب، أي إلى صندوق الاقتراع، كونه السبيل إلى تجديد كل الشرعيات الفلسطينية.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024