هذه التحديات تفرض نفسها على جدول أعمال قمة المجلس الأوروبي، التي تبدأ أعمالها اليوم الخميس وعلى مدى يومين، لكنها لن تكون الوحيدة. إذ تأتي القمة في سياق سياسي دقيق يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحديات أمنية ودفاعية عدة بدءاً من تداعيات التطورات في الشرق الأوسط مروراً بأزمة المهاجرين غير الشرعيين ومضاعفات المسألة الأوكرانية، أظهرت جميعها الحاجة إلى بناء سياسة دفاعية أوروبية موحدة لا تزال صعبة التحقق حتى الآن.
اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب في سورية والعراق: قنبلة موقوتة لبلدانهم
تهديدات "داعش"
وستكون القمة مخصصة لتدارس السياسة الأوروبية في مجالي الأمن والدفاع، وخصوصاً التهديد الذي تمثله الحركات الجهادية داخل أوروبا.
فقد بلغ عدد الجهاديين الذين يلتحقون بمناطق القتال في سورية والعراق أرقاماً مخيفة بالنسبة للأوروبيين.
وحسب المنسق الأوروبي المكلف بملف محاربة الإرهاب، جيل دوكيرشوف، فقد بلغ عدد الجهاديين الأوروبيين في سورية والعراق العام الماضي 3 آلاف مقاتل على الأقل. وهذا الرقم مرشح للتصاعد في ظل ما يحققه تنظيم "داعش" ميدانياً في العراق وسورية.
وعلى الرغم من أنّ دول الاتحاد الأوروبي وضعت كل منها على حدة سياسة أمنية لمحاربة التنظيمات الجهادية على أراضيها، إلا أن القمة تحاول رسم معالم سياسة أوروبية موحدة في تعقب وتفكيك الخلايا الإرهابية وتعزيز القدرات الاستخباراتية من أجل استباق العمليات الإرهابية وعدم تكرار سيناريو اعتداءات باريس في يناير/كانون الثاني الماضي. وتعد القمة، الثالثة التي يخصصها المجلس الأوروبي لشؤون الدفاع منذ العام 2008.
اقرأ أيضاً: تدفق المهاجرين غير الشرعيين يزلزل الاتحاد الأوروبي
محاربة مهربي المهاجرين
ومن بين المواضيع الأخرى التي تدخل في صميم الشأن الدفاعي الأوروبي موضوع الهجرة غير الشرعية الذي صار يشكل كابوساً يهدد أمن دول الاتحاد الأوروبي على المستوى الاستراتيجي.
وإذا كانت الآراء منقسمة بين دول الاتحاد حول سياسة أوروبية موحدة لاحتواء معضلة الهجرة غير الشرعية وتوزيع متكافئ لاستقبال اللاجئين عبر نظام الحصص، فإن القمة الدفاعية الجديدة ستنكب على توحيد الجهود العسكرية في إطار العملية التي تم اطلاقها الثلاثاء الماضي لمكافحة تهريب المهاجرين في البحر المتوسط، بقيادة الأميرال الإيطالي، إنريكو كريديندينو. وستركز هذه العملية في مرحلة أولية على تجميع المعلومات الاستخباراتية عن شبكات المهربين ومواقعها مع نشر خمس سفن بحرية وغواصتين وثلاث طائرات للمراقبة والاستكشاف وطائرات من دون طيار. وفي المرحلة الثانية من العملية سيتم الانتقال إلى التدخل المباشر لملاحقة سفن ومراكب المهربين وتعطيلها واعتقال المتورطين في التهريب.
غير أن التحدي العسكري الأكبر سيكون في المرحلة الحاسمة التي من المفترض أن تتمدد فيها العملية إلى المياه الإقليمية الليبية وضرب مواقع المهربين في السواحل الليبية. إلا أن التدخل في ليبيا مسألة خلافية بين الدول الأعضاء التي لا يريد بعضها تأجيج الفوضى الأمنية في البلاد واستفزاز الجماعات الإسلامية المسلحة التي باتت تسيطر على أجزاء كاملة في التراب الليبي.
والواقع أن العملية العسكرية في المتوسط ستشجع الأوروبيين على وضع نواة لبحرية أوروبية مشتركة، تنشط في المتوسط والأطلسي للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأوروبية وحماية السفن التجارية وناقلات النفط الأوروبية في كل بحار العالم.
وفي هذا الإطار، تبحث القمة في تفاصيل المناورات البحرية الأوروبية المشتركة التي ستطلق قريباً في خليج غينيا بالساحل الإفريقي، وتشارك فيها فرنسا والبرتغال وإسبانيا والدنمارك. وتهدف هذه المناورات إلى الاستعداد لمواجهة القراصنة الذين يهددون القطع البحرية الأوروبية ويستهدفون البحارة بعمليات الخطف.
اقرأ أيضاً: حكومة طرابلس تحذّر من تبعات العملية الأوروبية بالبحر المتوسط
الأزمة الأوكرانية والتهديد الروسي
ومن بين التحديات الكبرى التي تطرح نفسها على هذه القمة مضاعفات الأزمة الأوكرانية والدعم الروسي للانفصاليين في أوكرانيا الذي وضع السياسة الدفاعية الأوروبية على محك المساءلة والتشكيك، ولا سيما أنّ النزاع يجري عند الحدود الأوروبية ويخص دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي وتربطها شراكة من مستوى عال مع الاتحاد. وقد عكست هذه الأزمة بشكل خطير الحاجة إلى سياسة دفاعية أوروبية موحدة وقيادة أركان مشتركة تعالج التهديدات التي تطرحها أزمة بحجم الأزمة الأوكرانية التي أعادت التوتر إلى أشده في العلاقة مع روسيا، عدو الأمس. وأظهرت هذه الأزمة كيف أن دول الاتحاد الأوروبي التي تنتمي أيضاً إلى حلف الشمال الأطلسي لا تزال تعتمد بشكل مقلق على الحضور العسكري الأميركي في أوروبا، ولا سيما دول أوروبا الشرقية وعلى وجه التحديد بولندا المهووسة بخطر المطامع الروسية والتي تعول أكثر على الولايات المتحدة الأميركية ولا تثق في القدرات الدفاعية الأوروبية.
رهان توحيد الصناعة الحربية
وفي ظل الاختلافات السياسية التي تعرقل سياسة دفاعية موحدة وبناء جيش أوروبي، يتم التعويل على توحيد الصناعات الحربية، التي تشكل العمود الفقري للدفاع الأوروبي الموحد والمستقل مستقبلاً.
وفي السياق، ترعى الوكالة الأوروبية للدفاع العديد من المشاريع المشتركة، منها مشروع طائرة بدون طيار، أوروبية الصنع، الذي سيكفل لدول الاتحاد التخلي عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة الأميركية. ومن المنتظر أن تتدارس قمة بروكسيل مشاريع عدة لتطوير الصناعات الحربية الأوروبية والتقريب بين الشركات الأوروبية الكبرى في مجال الصناعة الحربية مثل داسو، صاب، تيسين غروب وتاليس لمواجهة المنافسة الخارجية في الأسواق العالمية. كما أن القمة ستنظر في مشاريع عدة متعلقة بإطلاق أقمار تجسس اصطناعية أوروبية وبناء سياسة دفاعية إلكترونية موحدة لمواجهة تهديدات التجسس الصناعي.
لكن القمة تواجه أيضاً التقليص الحاد في ميزانيات الدفاع بدول الاتحاد الأوروبي بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية ونهج سياسات التقشف.
غير أن عدداً من المراقبين يرون أن هذا الإشكال قد يكون له تأثير إيجابي، يدفع بالدول الأوروبية إلى توحيد السياسات الدفاعية من أجل الاقتصاد في التكاليف، ووضع ثوابت سياسة دفاعية موحدة على الأقل على مستوى الطيران الحربي والبحرية العسكرية في انتظار توافق أكثر متانة، يؤدي إلى إنشاء جيش أوروبي مشترك لايزال بعيد المنال في الظروف الراهنة.
اقرأ أيضاً: صيف ساخن في أوروبا... هكذا يقول بوتين