رجح خبراء وعاملون في القطاع العقاري في السعودية أن يؤدي قرار حكومي بفرض رسوم على الأراضي البيضاء (غير المستغلة) داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، إلى خفض الأسعار الجنونية للأراضي في المملكة، التي تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية، بما يفوق إمكانات متوسطي الدخل، مخلفة وراءها فقاعة عقارية يتخوف من انفجارها.
ووافق مجلس الوزراء السعودي، أول من أمس الإثنين، على توصية من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإلزام أصحاب الأراضي غير المستخدمة داخل المدن بدفع رسوم سنوية
للدولة، سيتم تحديدها خلال الفترة المقبلة.
وحسب البيانات الحكومية، تتجاوز مساحة الأراضي غير المستخدمة نحو 60% من إجمالي الأراضي داخل العاصمة الرياض، وأكثر من 60% في جدة غرب المملكة و70% في الدمام عاصمة المنطقة الشرقية على ساحل الخليج العربي.
وأكد الخبير العقاري، الدكتور عبدالله المغلوث، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن فرض رسوم على الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني سيسهم في كبح الأسعار الملتهبة للأراضي السكنية، ويضع حداً لأطماع بعض الملاك لتلك المساحات التي لا يستفاد منها ولا تضيف للاقتصاد الوطني.
وقال المغلوث، عضو لجنة الاستثمار والأوراق المالية في غرفة الرياض، "هذا القرار سيجبر أصحاب الأراضي البيضاء إما على بيعها أو تطويرها عبر بناء وحدات سكنية عليها، خصوصاً أن هناك فجوه كبيرة تتمثل في شُح المساكن وقلتها".
وأشار إلى أن هناك معاناة حقيقية من ارتفاع أسعار الأراضي، ومن احتكار البعض لمساحات كبيرة، لافتاً إلى أن توافر الأراضي سيخلق أنواعاً جديدة من الاستثمارات العقارية وظهور منتجات تلبي احتياجات كافة شرائح المجتمع.
وتابع أن أسعار الأراضي المرتفعة تحول دون تمكن الأشخاص من الحصول على قروض عقارية لاستغلالها وتوافر الأراضي بأسعار معقولة، مما سيساعدهم على تملك العقارات.
ومنذ أغسطس/آب الماضي، تشهد السوق العقارية السعودية حالة من الركود تكاد تصل لدرجة الكساد، فلم تتجاوز الصفقات العقارية في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2014 نحو 88 مليار ريال (23.4 مليار دولار)، بتراجع بلغت نسبته 9% عن الفترة نفسها من العام السابق.
اقرأ أيضاً:
الإسكان السعودية تختار 754 ألف أسرة مستحقة للدعم الإسكاني
كما تزايدت حدة التراجع في الأشهر الأولى من العام الحالي، حيث لم يتجاوز عدد الفيلات المباعة طوال شهر فبراير/شباط الماضي في مختلف المدن السعودية 80 فيلا، بمتوسط سعر 2.5 مليون ريال للفيلا الواحدة (666.6 ألف دولار)، بينما تم بيع 1450 فيلا في الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويرجع الخبراء تراجع مبيعات العقارات إلى ارتفاع أسعار الأراضي بنحو كبير خلال السنوات العشر الأخيرة، تجاوزت نسبته 400%، ليتجاوز سعر متر الأرض 5 آلاف ريال في بعض المناطق.
صعوبات أمام التطوير
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بصمة للتسويق العقاري، خالد المبيض، إن فرض رسوم على
الأراضي غير المستغلة، لابد أن يكون ضمن حزمة قرارات لحل أزمة السكن. وأوضح المبيض، في تصريح لـ "العربي الجديد"، "لن يكون فرض الرسوم على الأراضي البيضاء حلاً كافياً لارتفاع أسعار العقارات في السعودية"، متسائلاً "لماذا لا تباع الأراضي البيضاء؟ هل لأن أصحابها لا يريدون البيع أم هناك صعوبات تمنعهم من ذلك؟".
وأضاف "الواقع يؤكد أن هناك صعوبات تحول دون بيع الأراضي، أهمها صعوبة تطويرها .. القرار جيد ولكن يجب أن يصحبه تغيير في أنظمة تطوير الأراضي، فتلك الأنظمة والقوانين جعلت عملية التطوير متعبة وتأخذ سنوات طويلة وهي أمور تجعل المطورين يحجمون عن هذا الأمر".
ورفض المبيض، الذي يعمل في تطوير وبيع الأراضي، مقولة أن أغلب ملاك الأراضي يرفضون بيعها بهدف رفع سعرها، معتبراً أنه لا يوجد إثبات على ذلك.
وقال: "هناك قيود ومشاكل كبيرة تعيق عملية التطوير، بداية من البلديات التي تشترط توفير 40% من مساحة المخطط كخدمات، أيضا كثير من الخدمات الحكومية كمحطة الكهرباء وتحليه المياة يتم تحميلها لصاحب المخطط وليس الدولة، وهذه تكاليف تعادل قيمة المخطط، وبالتالي كل هذه التكلفة تحمل على قيمة الأرض، ولهذا نجد قيمة الأرض مرتفعة جدا، فالتعقيدات الكبيرة تجعل عملية التطوير مكلفة جداً".
وتابع المبيض "بسبب زيادة التعقيدات لم يتم إتاحة سوى سبع مخططات جديدة في العاصمة الرياض خلال السنوات العشر الماضية".
وقال إن "أزمة السكن سببها الأساسي نقص المعروض أكثر منه ارتفاع الأسعار، فقبل ثماني سنوات فقط، كانت أسعار الأراضي متدنية، ومع ذلك كان هناك شكوى من عدم توفر المساكن، ولكن في نهاية المطاف من حق التاجر أن يحقق الربح، فلا أحد يحاسبه لماذا تربح".
وتابع "فرض رسوم على الأراضي البيضاء لن يحل وحده كل المشكلة، فقبل الحديث عن الأسعار علينا أن نوفر الوحدات السكنية أولا".
واعتبر أنه لن يكون هناك هبوط في الأسعار، إلا إذا كان هناك طفرة في البناء والعرض، مضيفا أن "كثيراً من المطورين الآن يعانون من مشاكل مالية بسبب قرار مؤسسة النقد الذي منع تمويل المصارف لأكثر من 70% من قيمة العقار".
وقال "نحن بحاجة لقوانين تساعد على دخول المزيد من المطورين في القطاع العقاري وليس إبعادهم عن السوق"، محذرا من خطر هروب المطورين من السوق.
وأضاف "علينا ألا نتخذ قرارات تربك المطورين وتبعدهم عن السوق، لكي لا تتكرر أزمة
الكويت مع هروب المطورين العقاريين منها، بسبب القرارات الحكومية التي أدّت إلى أن الكويت باتت أغلى دول الخليج في قيمة المساكن".
وكان القطاع العقاري في المملكة، قد شهد ارتفاعاً حاداً في الأسعار، بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2006، وهي الأزمة التي دفعت بالعقار لتصدر المشهد الاستثماري، على اعتبار أنه أكثر أماناً من الأسهم.
وكشف أعضاء في مجلس الشورى السعودي، عن أن أكثر من 80% من الأسر السعودية لا تستطيع تحمل تكاليف الوحدات السكنية التي تزيد مساحتها عن 200 متر مربع، بسبب ضعف رواتبهم وارتفاع أسعار المنازل بشكل كبير، مؤكدين أهمية رفع مستوى القدرة الشرائية للمواطنين، والتركيز على توفير الوحدات الأصغر المناسبة لقدرات الشريحة الأكبر من السكان.
وأكد أعضاء المجلس خلال مناقشتهم للإستراتيجية الوطنية للإسكان، على أهمية أن تستهدف الإستراتيجية خفض تكاليف السكن بحيث لا يتجاوز 20% من دخل المواطن.
اقرأ أيضاً:
ركود حاد يضرب عقارات السعودية