كثيرة هي الرسوم الصخرية في أرجاء المملكة العربية السعودية. خلّفها من استوطنوا هذه الأرض منذ آلاف السنين. بعض هذه الرسوم أكتشف حديثا، مما يشير إلى أن المملكة معرض مفتوح أمام اكتشافات أثرية جديدة. تكمن أهميتها العلمية في تخزينها لمراحل مختلفة وحضارات متنوعة، ودلالتها على أنماط عيش عريقة، فهي بمثابة خرائط حية تكشف عن توارث عادات ومعتقدات جماعات بشرية باتت الآن جزءاً من التاريخ.
يعتبر فنّ الرسوم الصخرية من أحد أهم مصادر دراسة تاريخ وحضارة عصور ما قبل التاريخ، حيث تقدم لنا هذه العناصر صورة صادقة عن أساليب الحياة المختلفة، فنتعرف من خلالها على الكثير من العادات والتقاليد والأعراف ومختلف أنماط السلوك الاجتماعي للجماعات البشرية التي عاشت على تراب هذه المنطقة، فضلاً عن تصويرها للأحوال السياسية وأساليب الحياة المعيشية والاقتصادية المختلفة، ناهيك عن التقنيات التي يستخدمها إنسان اليوم في مجال الرسوم الفنية، فهي ليست إلا تطوراً لتقنيات ابتكرها الإنسان القديم، وهذا يعني أن دراسة الرسوم الصخرية يمكن أن تؤدي إلى الربط بين سلسلة التتابع التاريخي للحضارات التي قامت على أرض هذا الإقليم، بشكل خاص، والجزيرة العربية على وجه العموم.
الرسوم الآدميّة
عثر في مواقع الرسوم الصخرية، في مدينة أبها وضواحيها، على عدد من الرسوم الآدمية التي يحتمل أن بعضها يعود لحقب ما قبل التاريخ. تتمايز هذه الرسوم الآدمية من حيث الشكل وأسلوب التنفيذ من حقبة لأخرى، وهي تتوزع على أربعة أنواع، أولها الأشكال الآدمية العوديّة، وتمثل الرسوم التجسيدية العودية الشكل الغالبية العظمى من بين الأشكال الآدمية التي عُثر عليها في مدينة أبها، وهي تمثل حقباً تاريخية مختلفة، يظهر ذلك من خلال طبقة التقادم. يتكون الشكل العودي من أطراف عودية خطية مرسومة بأقل جهد ممكن من راسمها، حيث يصور هذا الرسام الشكل شبه الآدمي بأدنى حد من التفاصيل التي يمكن تمييزها.
أما النوع الثاني فهو الأشكال الآدمية ذوات الرؤوس المقنعة دائرية الشكل، ويخرج من الأقنعة عصا تشبه الرايات، وقد رأى البعض أن هذه الأقنعة هي الأقنعة التي يتنكر بها الصيادون، أو أن هذه الأشكال قد تكون لراقصين مقنعين، أو أنها آتية من عالم العصر الحجري القديم. ثمة من يعتقد أن المقنعين الراقصين قد عثر عليهم في مختلف مناطق العالم، وأن هؤلاء المقنعين يمثلون صيادين يقومون بوضع هذه الأقنعة شَرَكًا يخدعون به الحيوانات التي كانوا يقومون باصطيادها. يرى هؤلاء أن هذه الأقنعة أو أن التنكر بحد ذاته، يمثل قوة سحرية روحية، ولهذا نجد أن الإنسان استخدم القناع أو التنكر ليس في مجال الصيد فحسب، بل حتى في الطقوس الدينية، اعتقاداً منه أن التنكر يزيده قوة.
أما الأشكال الآدمية التخطيطية التجريدية، شديدة التخطيط، فهي غالباً ما تكون حصيلة عملية معقدة، ويمكن تمييزها عن طريق مقارنتها بالرسومات التي تكون مقترنة بها. ولهذا نجد أن الشكل الإطاري وقسمات الوجه والسمات الجنسية لهذه الأشكال مرسومة بأسلوب تجريدي أو مختزلة، مكبرة أو ناقصة أو معدلة إلى أبعد حد، مع محافظتها على أوجه الشبه، إما في شكل الجسم أو الجذع والرأس مع الأشكال الآدمية، مما يمكن من تمييزها رسوماّ آدمية.
على قمة جبل "السودة"، جنوبي المملكة، تكثر الرســوم الآدمية، وهي في حالات راقصة، وقد استخدم في تنفيذها أسلوب النحت الكلي (engraving)، ويُعد من أصعب طرائق الرسم الصخري، ولم تكن الأدوات التي استخدمها الفنان في تنفيذ رسوماته ومصوراته سوى أزميل بسيط من الحجر، ثم استخدم الحديد بعد ذلك بفترات طويلة، وكانت ترافق الأزميل مكشطة لحذف الأجزاء غير المرغوب فيها، ثم يعمد بعد ذلك إلى تنعيم الصورة بحكها بأداة من الحجارة، ولنا أن نتخيل كم من الجهد والوقت كان الفنان يبذله لإنجاز رسوماته.
الرسوم الحيوانيّة
تمثل أشكال الحيوانات الغالبية العظمى من الرسوم الصخرية الرمزية، التي عثر عليها في مدينة أبها والمراكز التابعة لها، حيث كانت رسوم الحيوانات تفوق ما عداها من الرسومات، خصوصاً الرسومات البشرية. يتضح من هذا أن الحيوان كان يشكل اهتماماً خاصاً لدى فناني عصور ما قبل التاريخ، ولم تكن الرسوم الحيوانية في كثير من الحالات مقرونة بالأشكال الآدمية. من أبرز الحيوانات التي وجدت في رسوم المنطقة هي الجمال والتي تمثل نسبة كبيرة من الرسومات الصخرية، لاسيّما في موقع هضبة العروس وفي المرتفعات المحيطة بقرية "الفية"، وفي موقع "الثعالب". من المعروف أن الإبل ظهرت متأخرة عن الماشية في الجزيرة العربية، وإن كان هناك خلاف بين الباحثين حول تحديد الفترة التي ظهرت فيها قوافل الإبل في الجزيرة العربية. أما رسوم الخيول، فقد عثر عليها في مواقع قرية "الفية" ببلاد "بني رزام"، ووادي"البيح" ببلاد "علكم"، حيث تعد رسوم الخيول أكثر الرسوم الحيوانية في هذه المواقع، وقد استخدم الفنان في تنفيذها أساليب مختلفة، ففي بعض مصوراته استخدم أسلوب النحت الكلي، كما استخدم في بعض لوحاته أسلوب النحت البارز، حيث يقوم بتفريغ الصخرة مما يلي الشكل المراد رسمه ليظهر الشكل بصورة بارزة، وهي عملية مضنية، ويعد هذا النوع من أصعب أساليب النحت، ويحتاج إلى دقة ومهارة فائقتين.
وللأبقار نصيب من الرسوم أيضا، إذ وجدت فوق صخور "الريوليت" وعلى امتداد المرتفعات المطلة على الوادي الرئيس لقرية "الفية" من الجهة الشرقية، وقد هاجمتها الكلاب ذات الذيول المطوية إلى الأعلى، وهذا النوع من الرسوم وجد في كل من الحناكية والطائف. ووجدت أيضا رسوم لطائر النعام في عدد من الأماكن، وقد رسمت بمهارة فريدة، مما يوحي أن النعام كان موجوداً في هذه المنطقة.
الأسلحة في الرسومات الصخريّة
هناك مجموعة من الأسلحة التي استخدمها الإنسان، سواء في عصور ما قبل التاريخ أو في العصور التاريخية من أجل الحصول على غذائه، من خلال صيد الحيوانات، التي كانت تتوافر في بيئته. صُنعت هذه الأسلحة من الأخشاب والنحاس والبرونز والحديد. منها الأقواس والسهام التي تعد من أقدم الأسلحة استعمالاً في الجزيرة العربية، ومن أكثرها شيوعا، وقد وجدت أيضاً في العديد من اللوحات، التي عُثر عليها في منطقة عسير، وقد ظهرت مقرونة بالأشكال الآدمية حيث يشاهد الرجل عادة وهو يمسك القوس والسهم في حالة وقوف، وفي بعض الرسومات نرى الرجل وهو يصوب سهامه باتجاه الهدف المراد، الذي غالباً ما يكون حيوان الوعل أو الغزال. أما الرماح فهي غزيرة في الرسوم الصخرية، وقد ظهرت متأخرة في رسوم الجزيرة العربية، ويعتقد البعض أنها ظهرت في العصر الحديث. اقترن هذا النوع من السلاح بشكل كبير براكبي الخيول، الذين ظهروا معها في حالة الحرب أو الصيد. ينطبق الأمر نفسه بالنسبة للدروع التي ظهرت مقرونة بالرجال، وتشاهد غالباً والرجال يقبضون عليها بيُسُرهم، ويحملون في أيمنهم أسلحة أخرى، ولكن هذه المناظر لا توحي بالحركة. تندر الخناجر في رسوم مدينة أبها. عُثر على رسم لرجل يرتدي على خاصرته خنجراً، وقد نفذت هذه اللوحة بأسلوب غاية في الدقة والاتقان، فظهر الخنجر مشابهاً لما يسمى اليوم بالذريع أو الجنبية، كما عثر على رجل يتمنطق عند خاصرته ما يشبه السيف، أو الجنبية وله جراب يظهر منه مقبض السيف، ويتدلى من الجراب شيء ما قد يكون للزينة، وهو يشبه ما يزين به أهل هذه المنطقة في العصر الحالي الجراب الذي يغمدون فيه جنابيهم.