هذا الفضاء يسكنه حتى بعد أن تركه منذ خمسة عقود ليستقر في باريس، حيث ظلّ التصوف الذي نشأ عليه حاضراً في أكثر من مستوى، لأن مجموعة إشارات ورؤى تظهر له أينما ولّى وجهه، في الرسم أو في الخزف أو النسيج أو الحروفيات، فجميعها وسائط توصله إلى غايته الذي يعرفها تماماً.
"الرحلة الطويلة في نظرك" عنوان معرضه الجديد الذي يحتضنه "البيت العربي" في مدينة قرطبة الإسبانية منذ بداية الشهر الماضي، ويتواصل حتى التاسع عشر من الشهر الجاري، والذي يستعيد فيه مختارات من أعماله النحتية والتركيبية والنسيجية.
يستذكر الفنان في تصريحات سابقة، كيف عاش طفولته في جبال الأوراس أثناء حرب التحرير، وكان يرى بعينيه العنف والقمع الذي يمارسه الاحتلال الفرنسي بحق شعبه، فلم يكن أمامه وأمام جزء من أبناء جيله إلا اللجوء إلى اللغة العربية وكل ما يتعلّق بالتراث دفاعاً عن الذات، والتي ظلّت تمثّل إليه النبع الأول.
تختلط مؤثرات عديدة في الرموز والعلامات التي يستخدمها، حيث بعضها يعود إلى حضارات قديمة نشأت في منطقة المغرب قبل الميلاد، وأخرى تنتمي إلى ذلك الخيط الذي يوصله بأسلافه في مكّة حيث قبيلة قريش التي خرج منه أجداده وقدموا غلى الجزائر، وهي تمتزج جميعها بثقافة غربية بحكم تلقيه جميع مراحل تعليميه في فرنسا، لذا لا يمكنه أن يرتبط بمكان جغرافي واحد في عمله الفني.
يشير بيان المنظمين إلى أن "القيمة التي يحملها الإنسان، بمعنى أنثروبولوجي، هي سمة تتخلل إنتاجه بالكامل، ولا يمكن فهم عمله دون معرفة العلاقة الوثيقة الوثيقة التي تربطه بالحرفيين الذين يتعاون معهم. لقد أمضى فترات طويلة من الوقت في العمل مع ورش الحرفيين في مدن الجزائر أو تركيا أو سورية أو المغرب أو مصر، والتأكد من أن هذه الأماكن وعمليات الإنتاج التي تطورت فيها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عمله".
اختلاط الحرفية أو الصنعة في الإبداع لا يمكن فصلهما في تجربة قريشي الذي اختار أن يعيد الاعتبار إلى الصناعات التقليدية والحرف والتقليدية؛ الذاكرة، التي تحتاج إلى أيدٍ عديدة حتى يلتقي ماضيه بحاضره، كما يحبّ أن يردّد دوماً، ومنهم حرفيين من مدريد وبرشلونة تعاونوا معه لإنجاز هذا المعرض.