بالكاد استطاع الحديث معنا، بعدما فقد إبراهيم محمد حسن حسين جعفر قدرته على الكلام. كانَ يسير في سوق الخضار في مخيم عين الحلوة في صيدا (جنوب لبنان) حين أصيب برصاصة طائشة في رأسه. ما زال يبكي حين يتذكر الحادثة التي غيرت مجرى حياته تماماً، ومنعته من مزاولة مهنته التي يتقنها. واليوم، يبيعُ أكياس النايلون في المخيّم.
جعفر فلسطيني من بلدة يافا. حاله حال كثيرين،، صار لاجئاً في لبنان ويعيش في المخيم. كانَ يعملُ في مجال الدهان ويتعهّد ورش البناء. يتذكر يوم وقوع الحادث. يقول إنه كانَ يسيرُ في سوق الخضار في المخيم، حين عمّت الفوضى وبدأ إطلاق النار جراء خلاف بين مجموعة من الأشخاص، ليسقط أرضاً بعدما أصابته رصاصة في رأسه.
من جهتها، تقول زوجته إنه في ذلك اليوم، رفضت المستشفيات استقباله للعلاج، حتى إنه ترك ينزف ثلاث ساعات أمام باب أحدها. إلا أن صديقاً له يعمل في أحد المستشفيات في منطقة صيدا، أدخله على ضمانته الخاصة. خضع لعملية لوقف النزيف، قبل أن ينقل إلى مستشفى آخر لاستكمال العلاج.
يعاود جعفر الكلام بصعوبة. يقول: "نسيت القراءة والكتابة، حتى أسماء أولادي. وبعدما خرجت من المستشفى، عرفت أسماءهم مجدداً بعد تكرارها أمامي". الرصاصة أدت إلى تلف جزء من دماغه، ما أدى إلى نسيانه الكتابة والقراءة والحساب، وحتى الصلاة علماً أنه كان مقرئاً للقرآن. يضيف أنه فقد النطق تماماً، قبل أن يتوجه إلى أخصائية نطق، التي ساعدته بعض الشيء.
يتابع جعفر أن منظمة فتح تكفلت بعلاجه، حتى إنها كانت تؤمّن له ثمن الدواء. لكن بعد مرور عام على إصابته، أوقفت عنه الدواء. ولأن ليس بمقدوره شراء الدواء، صار يلجأ إلى التداوي بالعسل. حتى إنه توقف عن العلاج الفيزيائي والنطق بعدما صار عاجزاً عن تغطية التكاليف. يضيف: "لدي ستة أولاد. واضطر الأكبر سناً إلى ترك المدرسة منذ كان في الصف السابع الأساسي، لعجزه عن الرؤية بشكل واضح. هكذا، صار يقضي وقته في البيت من دون أن يتعلم مهنة حتى. وصار يطلب مني أن أعرضه على طبيب للعلاج حتى يتمكن من تعلّم مهنة والاعتماد على نفسه في المستقبل. لكنني عجزت عن ذلك لأنه يحتاج إلى عملية زرع قرنية، وهذه العملية مكلفة جداً.
ويقول جعفر إنه في السابق، كانَ يتقاضى راتباً من المنظمة لا يتجاوز الستين دولاراً، ليرتفع إلى نحو مائة وسبعين دولاراً بعد إقرار الزيادة على الرواتب. يضيف أن هذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجات المنزل، ما يضطره إلى الاعتماد على مساعدات بعض الأشخاص، بالإضافة إلى أقاربه. ومع الوقت، بدأ يبيع أكياس النايلون للمحال الموجودة في المخيم، علماً أنه صار مديوناً بنحو 700 دولار للتاجر الذي اشترى منه الأكياس. اليوم، يعيش مما يجنيه من بيع الأكياس، لكنه ما زال عاجزاً عن سداد دينه. يتابع بحرقة: "كانت لدي مهنة وعمال. لكنني خسرت كل شيء اليوم. حتى إنني كنت أغطس في البحر وأصطاد السمك. لكن الرصاصة غيرت مجرى حياته".
لجعفر ابنتان أيضاً تدرسان في الجامعة. التحقت إحداهن بجامعة خاصة على أن تغطي السفارة الفلسطينية في لبنان الأقساط. وهذا ما حدث في السنة الأولى. لكن في السنة الثانية، لم تُقدّم لها أي مساعدة، ما اضطرها إلى ترك الجامعة والالتحاق بأخرى حكومية. ولحسن حظها أن فاعل خير تكفل بمساعدتها. أما ابنه الذي يعاني من مشكلة في عينيه، ويبلغ من العمر تسعة عشر عاماً اليوم، فقد تعلم العمل في مجال الأدوات الصحية، في محاولة منه للمساعدة في إعالة البيت. لكن حظه لم يكن جيداً بما فيه الكفاية، إذ لم يجد عملاً. اليوم، وبعدما خسرت العائلة كل شيء، تفكر في الهجرة إلى ألمانيا، علها تجد الرعاية التي تحتاجها، ويتمكن الأولاد من إيجاد فرص عمل، تقيهم شر الفقر والديون. فأكثر ما يضايقها هو اضطرارها إلى الاستعانة بالآخرين، حتى تؤمّن حاجاتها الأساسية.
اقرأ أيضاً: المهندس الذي يعمل سائق أجرة