في كلّ مرة يحاول التصالح بين العالمين، يذهب إلى بورتريهاته محاولاً البحث عن وجهٍ يألفه ويعرفه جيداً، لكنه تاه منه في تشوّهات الحياة، فيبدأ في تثبيت خطوطه الحائرة على سطح اللوحة، ثم يبدأ في تلوينها طبقات فوق طبقات باندفاع يجعله يتعرّف على ما ظلّ من أثر لطفولته، لكن بعد أن تراكمت فوقها كلّ هذه البقع والنوب التي تحيل إلى هزائم متتالية.
ولأن معارضه تُبنى من عشرات أو مئات السكتشات التي يرسمها طوال الوقت بلا توقّف، فإن خربشات من كلمات تعلق فوق بعض لوحاته، وهي بالتأكيد ما يؤلّف ذلك النص الذي يضعه عتبة لتلقّيها، كما في معرضه الأخير الذي كتب بمثابة تقديم له: "مذكرات طفل من الشرق الأوسط... الآن/ لا أذكر ما هو الصمت/ كيف ستكون أحلامي من غير صوت القصف؟".
إنها لعبة الحرب التي يتصوّرها أطفال مجذوب، ففي واحد من أعماله سيجرّ فتى قنبلة كأنها سيارة أو دميته التي لا تفارق ظلّه، بنظراته المتوترة أو الساهمة في عمل آخر حيث تسقط القنابل كما المطر، وستجاوره فتاة في عمل ثالث بكل قلوب الحب التي تغطي ثوبها، أو تلك الطفلة التي تنام "مطمئنة" إلى الموت الذي يحيط بالمكان.
يبدو أن مرآة الفنان عادت به هذه المرة إلى نقطة أبعد، حيث تلك المرحلة التي أسّست لصراعات لاحقة في دواخلنا؛ العثرات والأخطاء وتراكمات الكبت ونزعات السيطرة على حريتنا ووجودنا؛ عودة إلى وجوهنا التي انطفأت في رعشة الخوف الذي يختلط برغبة في اكتشاف الدمار وتأثيث مفرداته كأنها جزء من حياتنا وذاكرتنا ووعينا إلى الأبد.
يستعيد رفيق المرارة التي صاغت ملامح طفولته/ طفولتنا على وقع آلة القتل؛ القنابل والزهور والارتباك والغضب والمشاعر المتناقضة في لوحة واحدة، تحيل إلى تأملات صاحبها وتساؤلاته حول معنى إنسانيتنا ووجودنا في زمن الحرب.