حلّ شهر رمضان على كلّ البلدان الإسلامية والعربية على غير العادة في ظلّ جائحة كورونا، فشعوبها لم تستقبله بالطقوس ولا بالبهجة المعتادتَين. أمّا في قطاع غزة، فتبدو الحسرة مضاعفة. لطالما كانت معاناة أهله أكثر قسوة مقارنة بما يعيشه آخرون في بقاع أخرى، وسط الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، بالتالي فإنّه من الطبيعي أن تسوء الأحوال اليوم مع تعاظم الفقر وسط تسريح عاملين كثيرين في قطاعات مختلفة، إلى جانب توقّف عدد كبير آخر عن العمل في ظلّ أزمة كورونا. هكذا، ينطلق رمضان حزيناً في القطاع.
ويُعَدّ الفقر هذا العام الأشدّ في تاريخ القطاع، إذ تشير وزارة التنمية الاجتماعية في غزة إلى أنّ مؤشّراته هي الأعلى على مستوى العالم على الرغم من الجهود التي تبذلها مؤسسات حكومية ودولية ومحلية ذات طابع إغاثي. ويوضح وكيل الوزارة غازي حمد أنّ "تلك الجهود لا تلبّي إلا 50 في المائة من الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة، وقد تقلّصت في خلال العام المنصرم". يضيف حمد أنّه "مع دخول شهر رمضان واشتداد أزمة كورونا، فإنّ نسب الفقر والبطالة في قطاع غزة وصلت إلى نحو 75 في المائة. كذلك فإنّ 70 في المائة تقريباً من سكان قطاع غزة غير آمنين غذائياً، بالإضافة إلى أنّ عدداً كبيراً من الغزيّين يضطرون إلى شراء الأغذية ومياه الشرب عن طريق الاستدانة بسبب ضعف التمويل الغذائي المخصص لهم".
أحمد أبو ندا (31 عاماً) من سكان قطاع غزة الذين لجأوا إلى الاستدانة لتوفير احتياجات رمضان الغذائية. يقول: "ما استدنته يكفيني للأيام العشرة الأولى من هذا الشهر، وبعدها لا أعرف كيف أتدبّر الطعام لأسرتي المؤلّفة من أربعة أفراد. فأنا عامل نظافة في أحد المطاعم المعروفة في قطاع غزة، لكن نتيجة قرار حالة الطوارئ الفلسطينية، فأنا عاطل من العمل". يُذكر أنّه على أثر إعلان حالة الطوارئ بسبب تفشّي فيروس كورونا الجديد، أغلقت المطاعم والمقاهي والمنشآت السياحية وغيرها أبوابها إذ تعتمد على حركة الناس. وهكذا توقّف عمل عشرات الآلاف الذين يعملون بالمياومة.
ولا يخفي أبو ندا عجزه عن شراء فانوس رمضان لطفلتَيه وحزنه إزاء ذلك، "فأنا لا أملك المال في الوقت الحالي. تمكّنت من استدانة مبلغ مالي لشراء الطعام وليس لأيّ شيء آخر وذلك لمدّة محددة". ويشير إلى أنّ "ما أعيشه وغيري من العمّال المياومين هو أسوأ ما اختبرناه طوال حياتنا"، مضيفاً "كنت أتمنّى ألا تستمر الأزمة في رمضان". ويتابع أبو ندا: "لا ضمان للعمّال المياومين في قطاع غزة للأسف"، لافتاً إلى أنّ "وزارة العمل أعلنت عن تعويض للعامل بقيمة 100 دولار أميركي فقط على فترة ملازمتنا البيت. لكن ماذا بعد؟ وكيف أؤمّن غذاء أيام الشهر الباقية؟ وكيف أشتري فستانَي العيد للصغيرتَين؟".
من جهته، يعمل نبيل نعمان (29 عاماً) في مصنع في منطقة عسقولة، شرقي مدينة غزة، توقّف العمل فيه بسبب حالة الطوارئ. ويقول وهو ربّ الأسرة مؤلّفة من أربعة أفراد: "يا ليت رمضان لم يحلّ، فنحن سنُحرم من طقوس كثيرة بلا شكّ". يضيف نعمان: "أنا كما غيري ونتيجة الظروف الراهنة، الاقتصادية وتلك المتعلقة بكورونا لن نتمكّن من زيارة أرحامنا كعادتنا كمسلمين". ويشير إلى أنّ "رمضان حلّ وعائلات كثيرة لا تملك الطعام في منازلها"، مؤكداً "نحن نكره ملازمة بيوتنا بخلاف الموظفين في العالم الذين يضمنون رواتبهم. ولو اندلعت حرب، فنحن سنكره الحرب ليس لأنّها تقتل الأبرياء فقط، إنّما لأنّها ستحرمنا العمل. والعمّال المياومون في غزة فقراء بالأصل".
في السياق، غابت زينة رمضان عن مخيّم جباليا، شمالي قطاع غزة، هذا العام. أبو إياد حماد (56 عاماً) اعتاد تزيين منزله الذي يقع في أوّل المخيّم، فيتمكّن الداخلون من رؤية فانوس رمضان كبير فيما تضيء الإنارة الملوّنة مساءً المشهد، على شكل عبارة "رمضان كريم". لكنّ الأمر مختلف هذا العام، فهو اضطر إلى إغلاق محلّ الأحذية الخاص به نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها سكان المخيم والقطاع. ويعبّر حماد عن تشاؤمه من عام 2020 كما هي حال كثيرين، قائلاً إنّه "عام كارثي على العالم ككلّ وعلى سكان غزة الذين يعيشون في الأصل أزمات منذ 14 عاماً مع الحصار الإسرائيلي". ويأسف لأنّه لن يتمكّن من "إرسال الهدايا إلى بناتي الأربع المتزوّجات كما في كلّ عام، ولن أضيء المنزل، ولن أؤدّي صلاة التراويح في المسجد بسبب حالة الطوارئ. بالتالي، سيكون رمضان كأيّ شهر آخر".