رمضان في غزة.. جيوب فارغة وأسواق مهجورة

07 يونيو 2017
(بائع الفوانيس في غزة، تصوير: مجدي فتحي)
+ الخط -

ما زالت ملامح شهر رمضان على الرغم من تلاحق أيّامه الأولى، غائبة عن الأسواق الغزيّة، خصوصاً سوق "الزاوية الشعبي" الذي يجمع بين جدرانه نكهة الماضي والحاضر، فبدت فيه البضائع مكدّسة فوق رفوفها، ولا ازدحام بين المتجوّلين.. فوانيس، زينة، ومواد غذائية مرصوصة كزخارف هندسية تُغري نظر المتجوّل لكنّها لم تغرِ جيوبه.

فقد شهدت القدرة الشرائية تراجعاً كبيراً في قطاع غزّة الذي يسكنه ما يقارب مليوني مواطن، ويرى التجّار أنّ رمضان هذا العام الأسوأ منذ عشر سنوات، فالقطاع يعيش بدون كهرباء، وبدون رواتب، وهناك ارتفاع مخيف لنسب البطالة.

وكالة الأنباء الرسمية "وفا" نشرت تقريرًا اقتصاديًا، بيّنت فيه أنّ ما يزيد عن مليون شخص في القطاع باتوا بدون دخل يومي، ما يشكّل 60% من إجمالي السكان، وهم يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتّحدة "الأونروا"، وجهات إغاثية أخرى، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65%، كما ارتفعت معدّلات انعدام الأمن الغذائي.

بدا التاجر غازي مرتجي الذي يمتلك محلّات تمور منذ ثلاثين عامًا جالسًا أمام محله مكتوف الأيدي متخوفًا من تكبّده خسائر كبيرة بسبب تكدّس البضائع، يتحدث: "استوردت ما يقارب خمسة أطنان من التمور بكافة أصنافها، وما زالت القدرة الشرائية متراجعة ولم تصل النصف". متابعًا على الرغم من أننا كتجار لجأنا إلى التخفيضات في ثمن البضاعة لمحاربة الركود إلا أنّ المواطنين يأتون للمشاهدة لا للشراء.

وتوقع أن يطرأ تحسّن على الحركة الشرائية بعد مرور أيّام رمضان الأولى، وتلقّي عدد من الموظفين رواتبهم، لكن لم تتحسّن الحالة الشرائية لتضع التاجر أمام خيارات صعبة.

قال تقرير اقتصادي صادر عن الغرفة التجارة والصناعية في غزّة من خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر "معبر كرم أبو سالم" خلال الربع الأوّل من العام الجاري، إنّ عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع غزّة 29847 شاحنة، مقارنة بـ 33006 شاحنات خلال الربع الأوّل من عام 2016 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى قطاع غزّة.

من جهته أوضح محمد عكيلا، أحد بائعي المأكولات الشعبية في سوق غزّة الشعبي، أنه كان يبيع سابقًا ما يقارب 500 طبق يوميًا تحتوي أصنافًا متعدّدة من الفلافل والحمص والكبّة، لكن الحركة الشرائية للمواطنين باتت منخفضة بشكل كبير.

يستطرد المتحدث: "من المُعتاد أن تتسابق الأيادي لشراء المأكولات الشعبية كونها تمثل طبقًا أساسيًا على مائدة الإفطار الغزّي، لكنه لم يحصّل بيع سوى عدد لا يتجاوز 20 طبقًا في اليوم الواحد".

وأشار عكيلا إلى أن البائع والمواطن متضرّران من الأوضاع المعيشية والاقتصادية السيئة التي يعيشها سكان القطاع بسبب الحصار، واقتطاع جزء كبير من رواتب الموظفين.

محلّات الزينة والفوانيس التي تعتبر من أهم مظاهر البهجة في شهر رمضان هي أيضًا لم تستحوذ على اهتمام المواطنين، والذين بالكاد يلجأون إلى شراء السلع، خصوصًا تلك التي تتعلّق بحاجات السوق كالسلع الغذائية من تمور وأجبان وغيرها.

تباينت آراء المتجوّلين في الأسواق الغزيّة حول الأسعار المعروضة، المواطنة نبيلة الشنطي 44 عامًا تعمل معلّمة في إحدى المدارس التابعة لوكالة الغوث للاجئين "الأونروا" اضطرت إلى تقليص سلتها الغذائية بما يتناسب مع دخلها نتيجة لتراكم الأزمات والديون على كاهلها، ولم تشترِ سوى كميّات قليلة من السلع الأساسية تحدّثت: "الكهرباء لا تأتي إلا ساعات قليلة فلا داعي لشراء كميات كبيرة من الطعام فقد اكتفيت بما أحتاجه لليوم الواحد فقط، حتى لا تذهب باقي الأطعمة سدى، خصوصًا أننا في فصل الصيف"، مضيفة أن هناك تنوّعاً في أسعار قائمة المشتريات منها ما ثمنه رخيص ومنها ما ثمنه مرتفع حسب قدرة التاجر على البيع.

أما المواطن مازن المدهون (50 عامًا) الذي يعمل بشكل متقطّع في أحد مصانع الإسمنت في القطاع، والتي أغلبها متوقّف عن العمل فتحدّث قائلًا: " لم أشتر سوى لعبة صغيرة لابني، وأنتظر حصولي على راتبي رغم قلّته حتى أشتري حاجيات الأسرة".

وعبّر أنّ الأسعار الرخيصة تناسب من له دخل فقط، وهناك عائلات كثيرة لا دخل لها فمن الطبيعي أن لا تتناسب معها الأسعار.

وأشار البنك الدولي إلى أن غزّة تُعاني من أعلى معدلات البطالة في العالم، وأن نسبتها ازدادت في الربع الثالث من العام الحالي "2016" لتصل إلى 43.2%، وأن 55% من تعداد السكان في غزّة هم غير ناشطين اقتصاديًا، إذ فيها رابع معدل من حيث انخفاض المشاركة عالميًا.

ومن ناحيته نبّه الخبير الاقتصادي معين رجب، إلى أن الأسواق الغزيّة تقف أمام معضلة كبيرة، وهي حالة الركود الاقتصادي بسبب ضعف الطلب على البضائع التجارية، ما يشكل خطورة انعدام السيولة النقدية.

وحول السبب في ذلك أوضح أنه حالة الفقر الشديدة التي بات يعاني منها سكّان القطاع والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، إضافةً إلأى أنه تم مؤخرًا تسريح عدد من الموظفين الذين يعملون بمؤسّسات تعتمد على التمويل الخارجي وإغلاق المعابر والحصار.

واستبعد المحلّل الاقتصادي حدوث تضخّم في الأسواق الغزيّة لأنه عادة يرتبط بزيادة في الطلب والأسعار، لكن الصورة معكوسة في قطاع غزّة، هناك انخفاض في الطلب، على الرغم من أن البضائع ثمنها ليس مرتفعًا.

وأشار رجب إلى أنّ نسبة قطاع غزّة من الناتج الإجمالي وصلت إلى ما يقارب 20 – 22 بالمائة.

حسام الريفي مدير دائرة الدراسات بوزارة الاقتصاد في غزّة بيّن أن القدرة الشرائية انخفضت مؤخرًا بشكل كبير، ما أدى إلى نقصان ما يقارب 15 -17 مليون دولار في السوق المحليّة، ما ينذر بتدهور الاقتصاد لو استمر انخفاض الطلب إلى نهاية شهر رمضان.

وأوضح أن هناك العديد من التجّار قاموا باستيراد سلع قد توشك على انتهاء صلاحيتها إذا لم يتم استهلاكها من قبل المواطنين .

ويقترح الريفي أن أمام التاجر الغزيّ خياران، إما أن يلجأ إلى التكلفة البديلة أو البيع برأس المال ليتخلّص من ركود البضائع والتعويض بأقل خسارة.

المساهمون