تبدأ الاستعدادات لشهر رمضان مبكراً في موريتانيا، حيث تسارع الأسر لشراء المؤونة وتحضير كل ما يلزم لتتمكن من استقبال الشهر الفضيل في أحسن الظروف. ويحرص الموريتانيون على استثمار بركة وروحانية هذا الشهر لإصلاح ذات البين وصلة الرحم وحفظ القرآن الكريم، حيث تنتعش الكتاتيب فاتحة أبوابها للصبية والشباب.
ويحتفل شباب موريتانيا بحفظ القرآن كاملاً في شهر رمضان، وتفضّل أغلب الأسر الإعلان عن حفظ أبنائها للقرآن كاملاً في الشهر الفضيل، حيث يتم الاحتفاء بالحفظة الجدد وتمنح لهم شهادة رسمية تسمى "إجازة الختمة".
أما الكبار، فيحرصون على حضور الدروس الدينية التي تقام في المساجد وبيوت كبار العلماء والفقهاء، الذين لم تعد ظروفهم الصحية تساعدهم على إلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد.
من العادات الأصيلة للموريتانيين في رمضان حلاقة "زيرو"، حيث يحرص الرجال والأطفال على حلاقة شعر الرأس كاملاً أو تخفيفه في ليلة غرّة رمضان (أول أيام الشهر) تيمناً بقدوم الشهر الكريم، وتُسمّى هذه العادة "زغبة رمضان".
يقول الباحث الاجتماعي محمود ولد اعلي إن "ما يميز حياة الموريتانيين في رمضان هو الحرص على الاستفادة من روحانية هذا الشهر، والقيام بمبادرات وأعمال خيرية كمساعدة المحتاجين والتكافل الاجتماعي والتعاون لسداد الديون". ويشرح أن "الموريتانيين يحرصون على أعمال العبادة والعادات الأصيلة كإقامة صلاة التراويح وحضور الدروس الدينية ومشاركة الأهل الإفطار والتصدّق وصلة الرحم".
ويشير ولد اعلي إلى أنه مع تقدم الزمن اختلفت عادات الموريتانيين حيث ساهم انتشار القنوات الفضائية والتقنيات الحديثة في إلهاء الناس وشغل أوقات فراغهم عن عادات هذا الشهر، متابعاً بأن "التقنية الحديثة أثّرت على خصوصية هذا الشهر وتقاليد وطقوس الصائمين فتخلّى الناس عن ممارسة بعض العادات كالتواصل الاجتماعي، وإقامة ولائم تجمع العائلة والأقارب وحضور الدروس الدينية".
الحرارة تؤثر على الأطباق
مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في موريتانيا، أسقطت ربات البيوت بعض الأطباق الدسمة من لائحة أطعمة رمضان، رغم أنها كانت الأكثر استهلاكاً على موائد الإفطار والسحور، لتحل مكانها الأطباق الخفيفة والغنية بالعناصر الغذائية، إضافة إلى العصائر والمشروبات التي تروي عطش الصائم في فصل الصيف.
تقول الموظفة مريم بنت حمدي إن "النساء يسارعن في العشر الأواخر من شعبان للانتهاء من شراء طلبات رمضان، قبل ازدحام الأسواق بالمتسوقين واستفحال فوضى وزحمة المرور التي تصل ذروتها في بداية الشهر الفضيل". تتابع: "تحرص النساء في رمضان على تجديد آلات المطبخ وبعض أثاث المنزل لاستقبال الضيوف وتنظيم دعوات الإفطار والسحور، غير أن الموظفات والعاملات لا يسعفهن الوقت للاستمتاع بطقوس وعادات الشهر".
وتثقل ولائم رمضان كاهل الأسر الموريتانية وتتسبب في ضغط كبير على ميزانيتها، خصوصاً مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى مستويات غير مسبوقة. وتحاول "الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك" الضغط على الحكومة لخفض الأسعار ورفع القدرة الشرائية للمستهلك.
وترتفع أسعار المواد الأكثر استهلاكاً في رمضان ارتفاعاً كبيراً قبيل حلول الشهر الفضيل بأيام معدودة، مثل الدقيق والسكر والزيت والألبان، مما دفع بعض الموريتانيين إلى استباق حملة رفع الأسعار بشراء مؤونة رمضان وتخزينها.
من جهتهم، يستغلّ التجار ضعف الرقابة في رمضان لرفع الأسعار وبيع مواد منتهية الصلاحية، غير أن جمعيات حماية المستهلك قامت بحملات استباقية لحض وزارتي التجارة والداخلية على تشديد الرقابة على التجار في رمضان، وفرض غرامات كبيرة على المتاجر التي ترفع الأسعار بشكل أحادي والتجار الذين يعرضون مواداً فاسدة.
شاي وسمر ومونديال
لم يؤثر تزامن رمضان والعطلة الصيفية على مشاريع السفر والاصطياف لدى بعض الموريتانيين، الذين يعتبرونه فرصة لقضاء الشهر وسط الأهل في القرى والبوادي، أو في أجواء صيفية مختلفة يميزها السمر والنزهات الليلية والعادات المرتبطة بالخروج إلى البادية.
وكعادة أسلافهم، يبدأ الموريتانيون إفطارهم بتناول التمر والحليب، وبعد صلاة المغرب، يجتمعون على مائدة إفطار عامرة بالأطباق المنوعة، مثل الحساء والفطائر والمقبلات.
وتحرص ربات البيوت على إعداد الشاي الموريتاني بعد الإفطار بدقائق معدودة، فهو من عناصر المائدة الموريتانية، ولا يخلو منه أي بيت في موريتانيا. وبعد الإفطار يفضل أغلب الموريتانيين القيام بجولة لصلة الرحم والاستمتاع بأجواء رمضان ليلاً حيث تنخفض درجات الحرارة ويحلو السمر.
وبعد صلاة العشاء والتروايح، تعد ربات البيوت وجبة "أطاجين" المكونة من لحم الإبل والخضار، ويفضّل بعض الموريتانيين طبق الشواء في وجبة "أطاجين"، بينما يوحّد العشاء المتأخر بين مواد العائلات الموريتانية حيث يتكون من طبق "الكسكس" بالخضار واللحم.
إذا كانت عادة متابعة المسلسلات الرمضانية متأصلة في صفوف الفتيات وربات البيوت، فإن الشباب يقضون أوقات فراغهم في ألعاب الشطرنج وكرة القدم و"التفحيط" بالسيارات، غير أن هواياتهم ستتغير هذا العام بسبب تزامن رمضان مع كأس العالم لكرة القدم.
ويعتبر الشباب الموريتاني نفسه محظوظاً بمواعيد بثّ المباريات مقارنة مع غيره من الشباب العربي، فالموريتانيون الذين يعتمدون توقيت "غرينيتش" لن يجدوا صعوبة أو تضارباً بين طقوس رمضان ومتابعة اللعبة الشعبية الأولى في العالم.
يقول الطالب الجامعي محمد يحيظه ولد الغوث إن "مواعيد بث المباريات مثالية بالنسبة لسكان موريتانيا، فالمباراة الأولى تبدأ عند الرابعة عصراً وتنتهي قبل الآذان بوقت، والثانية تبدأ بعد المغرب، أما الأخيرة فهي سهرة رياضية يجتمع الأصدقاء لمتابعتها وتحليلها، وبعدها هناك وقت كاف للسهر والتجول قبل الخلود إلى النوم".