04 نوفمبر 2024
رهانات ترامب الإيرانية
يخطئ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذ يعوّل على العقوبات في تأزيم الوضع الاقتصادي، وبالتالي ضرب النظام الإيراني من الداخل، عبر الاحتجاجات الشعبية. ففي كل تجارب الدول التي تعرّضت لعقوبات، كان مردود العقوبات الفعلي على تماسك النظام محدوداً، بل أحياناً يكون عكسياً بمزيدٍ من التكاتف والمساندة الشعبية للنظام.
في حالة إيران، تتركز مفاتيح الاقتصاد وكياناته الكبرى في أيدي الحرس الثوري والبورجوازية التقليدية (رجال البازار) وبعض المراجع الدينية العليا التي تشرف على أنشطة اقتصادية مهمة، وتملك مؤسسات وأعمالا كبيرة.
ومهما بلغ تأثير العقوبات السلبي على الاقتصاد الإيراني، فإن المتضرّر الأساس هو الشعب، وتحديداً الطبقة المتوسطة منه، وليس الدولة أو المؤسسات الاقتصادية ورجال المال والأعمال. وعلى الرغم من تكرار حالات التظاهر وانتشارها أفقياً في أكثر من منطقة، إلا أنها لا تمثل خطورةً حقيقيةً على استقرار النظام، فالإيرانيون معتادون على الفقر والتقشف.
وتشير التركيبة الديمغرافية المتنوعة للسكان إلى صعوبة تحقيق إجماع شعبي حول فكرة مناهضة النظام والثورة ضده لأسباب اقتصادية. إذ يتراكم من عوامل الاختلاف والريبة المتبادلة بين الطوائف والشرائح المجتمعية ما يكفي لتحمل أوضاع اقتصادية صعبة، في ظل نظام قادر على تثبيت تلك التركيبة، ومنع انهيارها وتفكّكها إلى فوضى مجتمعية غير مأمونة العواقب.
وبقراءة "عقلية" الدولة الإيرانية التي تقوم على البراغماتية الشديدة، يمكن بسهولة توقع أن ينجح النظام في احتواء الاحتجاجات بالجمع بين القمع والاسترضاء، بالتوازي مع إبداء مرونة خارجية للتخفيف من وطأة العقوبات والتحايل عليها.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين المحافظين والإصلاحيين في إيران مشدودة ومتوترة في معظم الأحيان، ومع كل أزمة خارجية أو داخلية، يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية وسوء التقدير، ولكن في أوقات الأزمات الكبرى، مثل الحرب مع العراق في الثمانينيات وحرب الخليج الأولى ثم احتلال العراق ومرحلة ما بعد 11 سبتمبر، في كل هذه المواقف كانت مساحة الاختلاف والخلاف بين المحافظين والإصلاحيين تتقلص، وتتوارى الانقسامات لتحقيق ما يعتبره الطرفان مصلحة إيرانية عليا، أو لمواجهة تهديد مصيري.
سياسياً، تملك إيران أوراقا هجومية مؤثرة، لديها نفوذ واسع إلى حد الهيمنة في العراق، ووجود فعلي عسكري مباشر في سورية، وغير مباشر في اليمن، ولها وكلاء في كل هذه الدول، إضافة إلى الوكيل الرئيس، حزب الله، في لبنان.
باختصار، تملك إيران إزعاج واشنطن وإرباك حساباتها في كل الأزمات والملفات الإقليمية، وتملك الأهم، وهو تهديد إسرائيل التي تمثل خطاً أحمر لواشنطن. وقبل أيام فقط، أبرمت في سورية صفقة إيرانية أميركية إسرائيلية، برعاية روسية. ابتعدت بموجبها قوات إيران عن الجولان وحدود "إسرائيل" 85 كم. وبعدها بيومين، أعلن ترامب استعداده للقاء قادة إيران!
لا يملك ترامب استراتيجية أو رؤية متكاملة في أي ملف... وليست لديه تصورات ثابتة ودائمة للتهديدات أو المصالح الأميركية، لكنه يملك تكتيكاً ثابتاً، هو المقايضة والمساومة.. أي منطق التجارة وعقد الصفقات.. وهو تكتيكٌ يتّسق مع شخصية الرجل، ويعكس غياب رؤية شاملة أو استراتيجية ثابتة.
لا يمكن استبعاد أن تتحسّن العلاقة مع إيران، بل الأرجح أن يدخل الطرفان مفاوضات (تبدأ سرّية) بمشاركة أوروبية لتعديل الاتفاق النووي. ستعول إيران خلالها على عنصر الزمن، فتساوم، وتسوف لتعليق الموقف، حتى الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة في 2020.
في حالة إيران، تتركز مفاتيح الاقتصاد وكياناته الكبرى في أيدي الحرس الثوري والبورجوازية التقليدية (رجال البازار) وبعض المراجع الدينية العليا التي تشرف على أنشطة اقتصادية مهمة، وتملك مؤسسات وأعمالا كبيرة.
ومهما بلغ تأثير العقوبات السلبي على الاقتصاد الإيراني، فإن المتضرّر الأساس هو الشعب، وتحديداً الطبقة المتوسطة منه، وليس الدولة أو المؤسسات الاقتصادية ورجال المال والأعمال. وعلى الرغم من تكرار حالات التظاهر وانتشارها أفقياً في أكثر من منطقة، إلا أنها لا تمثل خطورةً حقيقيةً على استقرار النظام، فالإيرانيون معتادون على الفقر والتقشف.
وتشير التركيبة الديمغرافية المتنوعة للسكان إلى صعوبة تحقيق إجماع شعبي حول فكرة مناهضة النظام والثورة ضده لأسباب اقتصادية. إذ يتراكم من عوامل الاختلاف والريبة المتبادلة بين الطوائف والشرائح المجتمعية ما يكفي لتحمل أوضاع اقتصادية صعبة، في ظل نظام قادر على تثبيت تلك التركيبة، ومنع انهيارها وتفكّكها إلى فوضى مجتمعية غير مأمونة العواقب.
وبقراءة "عقلية" الدولة الإيرانية التي تقوم على البراغماتية الشديدة، يمكن بسهولة توقع أن ينجح النظام في احتواء الاحتجاجات بالجمع بين القمع والاسترضاء، بالتوازي مع إبداء مرونة خارجية للتخفيف من وطأة العقوبات والتحايل عليها.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين المحافظين والإصلاحيين في إيران مشدودة ومتوترة في معظم الأحيان، ومع كل أزمة خارجية أو داخلية، يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية وسوء التقدير، ولكن في أوقات الأزمات الكبرى، مثل الحرب مع العراق في الثمانينيات وحرب الخليج الأولى ثم احتلال العراق ومرحلة ما بعد 11 سبتمبر، في كل هذه المواقف كانت مساحة الاختلاف والخلاف بين المحافظين والإصلاحيين تتقلص، وتتوارى الانقسامات لتحقيق ما يعتبره الطرفان مصلحة إيرانية عليا، أو لمواجهة تهديد مصيري.
ولو أن ثمة فائدة من المراهنة على إضعاف المحافظين وتقوية الإصلاحيين، لكانت نجحت مع الرئيس محمد خاتمي الذي كان أقوى من الرئيس الحالي، حسن روحاني، وأكثر كاريزمية، ويحظى بدعم شعبي داخلي وحماس خارجي، وكان يدعو صراحة إلى الانفتاح على الغرب.
أمام إيران مساران لمواجهة العقوبات، الأول اقتصادي، وهو مسار دفاعي يعتمد على معالجة آثار العقوبات عبر الحلفاء الأساسيين، مثل الصين وفنزويلا والعراق، ودول أخرى ليست حليفة، لكن لها مصالح مهمة مع إيران، وأهمها تركيا والهند وسلطنة عمان، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي الذي تتمسّك إيران بتفعيل الانفتاح الاقتصادي معه واستثماره، وفقاً للاتفاق النووي. وسيكون للاتحاد الأوروبي دور جوهري في إنجاح العقوبات الأميركية، أو تفريغها من مضمونها. سياسياً، تملك إيران أوراقا هجومية مؤثرة، لديها نفوذ واسع إلى حد الهيمنة في العراق، ووجود فعلي عسكري مباشر في سورية، وغير مباشر في اليمن، ولها وكلاء في كل هذه الدول، إضافة إلى الوكيل الرئيس، حزب الله، في لبنان.
باختصار، تملك إيران إزعاج واشنطن وإرباك حساباتها في كل الأزمات والملفات الإقليمية، وتملك الأهم، وهو تهديد إسرائيل التي تمثل خطاً أحمر لواشنطن. وقبل أيام فقط، أبرمت في سورية صفقة إيرانية أميركية إسرائيلية، برعاية روسية. ابتعدت بموجبها قوات إيران عن الجولان وحدود "إسرائيل" 85 كم. وبعدها بيومين، أعلن ترامب استعداده للقاء قادة إيران!
لا يملك ترامب استراتيجية أو رؤية متكاملة في أي ملف... وليست لديه تصورات ثابتة ودائمة للتهديدات أو المصالح الأميركية، لكنه يملك تكتيكاً ثابتاً، هو المقايضة والمساومة.. أي منطق التجارة وعقد الصفقات.. وهو تكتيكٌ يتّسق مع شخصية الرجل، ويعكس غياب رؤية شاملة أو استراتيجية ثابتة.
لا يمكن استبعاد أن تتحسّن العلاقة مع إيران، بل الأرجح أن يدخل الطرفان مفاوضات (تبدأ سرّية) بمشاركة أوروبية لتعديل الاتفاق النووي. ستعول إيران خلالها على عنصر الزمن، فتساوم، وتسوف لتعليق الموقف، حتى الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة في 2020.