عبارة واحدة حرّكت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، كانت فحواها "تدفعون للاعبي كرة القدم مليون يورو في الشهر ويحصل الطبيب على 1300 يورو شهرياً، اذهبوا إلى ليونيل ميسي وكريستيانو لإيجاد لقاحٍ لوباء كورونا".
بغض النظر عما إذا كانت هذه المقولة صادرةٌ عن طبيبة إيطالية أو إسبانية كما أشيع، أو عن فتاةٍ إيطالية فحسب، وهذا الأمر ليس بيت القصيد، فقد تحوّلت تلك التغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى حربٍ بين معسكرين. وبعيداً عن حب شريحة كبيرة من الناس لكرة القدم، تبدو هذه النظرية قريبة للمنطق والواقع أكثر من أي تبريرٍ لارتفاع أجور اللاعبين مقارنةً ببقية المهن الأخرى مهما كانت الأسباب التي تنمّي هذه الظاهرة.
بطبيعة الحال انقسم الشارع العالمي إلى موافق على العبارة ومؤيدٍ لها وبين معارضٍ بشدّة، وهنا سنستعرض وجهتي النظر.
"أجورٌ مبالغ فيها"؟
يرى عدد كبير من المتابعين وغير المتابعين للرياضة وكرة القدم تحديداً أن رواتب اللاعبين وحتى أسعار صفقاتهم مُبالغ فيها إلى حدٍ غير معقول، وهو أمرٌ صحيح، وتمكن ترجمته على أرض الواقع من خلال دفع نادي برشلونة مثلاً مبلغ 120 مليون يورو، فيما دفع باريس سان جيرمان الفرنسي في صفقة نيمار ما يزيد عن 200 مليون يورو، وهو الأعلى تاريخياً.
شهدنا في السنوات الأخيرة تضخّماً هائلاً في قيمة الصفقات بالعالم، وذلك بسبب تهافت الأندية على شراء اللاعبين من دون التفكير في السلبيات مستقبلاً.
صحيحٌ أن كرة القدم منتج ويتم بيعه بأسعار خيالية من أجل تقديمه للمشاهدين وهو سلعة ناجحة منذ زمنٍ طويل، إلا أن بعض المهن الأخرى التي تحتاج إلى سنوات من الدراسة لا تحظى بالأهمية نفسها، لا سيما في مجال الطب.
ربما لم نكن نرى صحّة المقولة في السابق كما الآن، إن كانت تصريحاً حقيقياً لعالمة طبٍ أو كانت تغريدة نشرها أحدهم على تويتر وامتدت في أقاصي المعمورة.
وصل بنا فيروس كورونا إلى حدٍ توقفت فيه الحياة في العديد من المجالات، بينها الرياضة التي في الحقيقة لم تعد لها قيمة في الوقت الحالي، لكنها أثبتت أنها مرتبطة بالأمان العالمي، ولحظة انتكاس أي عنصر من العناصر الأساسية عالمياً قد تنهار، بالتالي هي نتاج بقية الأمور ومنها صحة الإنسان وبقاء الكرة الأرضية بمنأى عن الفيروسات والحروب.
هذا الأمر يدفعنا للتأكيد أن وجهة نظر إعادة تغيير خريطة رواتب وأجور اللاعبين في العالم ستكون على الطاولة مستقبلاً، وستكون لأزمة انتشار وباء كورونا تبعات، قد تعلي شأن الطبيب والعالم وحتى بقية القطاعات التي تبقى مهمّشة طالما أنها بعيدة عن أضواء الشهرة، والأخيرة تلعب دوراً مهماً في هذا التضخم.
Twitter Post
|
Twitter Post
|
قد يتقاضى طبيب لديه برنامج تلفزيوني مبالغ خيالية بمجرّد أن لديه شهرة واسعة في مجال تخصصه، في المقابل قد يحصل عالم فيروسات على مبلغ أقل لمجرّد أنه لا يمتلك الترويج عينه، وهذا الأمر قد ينطبق على أي مهنة أخرى، بالتالي فإن الإعلام كلّما زاد اهتمامه بشيءٍ ما يرتفع سعره تلقائياً.
أم يستحق اللاعبون حقا رواتب عالية؟Facebook Post |
كما ذكرنا أعلاه كرة القدم سلعة ومنتج عالمي، وعناصره الأساسية هم اللاعبون، على سبيل المثال رغم توقف الدوري الإيطالي وعدم معرفة ما ستؤول إليه الأمور، إلا أن أندية كرة القدم لا تزال مهتمة بأدق تفاصيل اللاعبين، فنادي إنتر ميلان قرر أن يبعث بوجبات يومية لعناصره، تصل إلى منازلهم بطريقة صحية، وهي عبارة عن هامبرغر دجاج وسلطة أفوكادو وفطائر البروتين، يتولى الإشراف عليها خبير التغذية في النيراتزوري، ماتيو بينيسيلا، بعد أن يتمّ إعدادها في مطبخ مركز إبيانو جينتل الرياضي بأعلى المواصفات، مع التأكيد على التمارين اليومية للإبقاء على حالتهم البدنية.
هذا الأمر يُظهر مدى أهمية لاعبي كرة القدم في العالم، لكنه في الوقت ذاته يُظهر، بحسب محبي هذه اللعبة، قساوة أسلوب حياتهم فكيف ذلك؟
في إحدى المرات، قال غاريث بيل إن لاعبي كرة القدم مثل "الروبوتات"، يراهم الجميع من خلف الشاشة ويظنون أن الأمور على أحسن ما يرام.
ما يفعله إنتر يوضح ويؤكد كلام بيل، هم كالرجال الآليين، ليس بإمكانهم التصرف من دون مشورة النادي، يُمنع عنهم الكثير من الأمور على مستوى المأكولات والحياة الطبيعية للإنسان، مستواه يُشكل قيمة مالية لناد، كلّما كان أفضل ازداد المنتوج والربح، وبالتالي فإن مؤيدي فكرة الرواتب العالية يجدون في ذلك حجة تحت عنوان "يفنون أفضل سنوات حياتهم من أجل لعبة".
العرض والطلب
يتقاضى ليونيل ميسي راتباً شهرياً ضخماً قد يصل إلى أكثر من 7 ملايين جنيه إسترليني شهرياً، أي ضعف راتب رئيس وزراء بـ600 مرة، فما هو السرّ وراء النظرية الاقتصادية الخاصة بالعرض والطلب.
يلعب "العرض والطلب" جزءًا مهماً في ارتفاع الرواتب وتفاوتها بين المهن، فهما يحددان كلّ شيء، قد تحصل على وظيفة في مقهى وهذا العمل بإمكان الجميع تأديته بالتالي سيكون راتبك أقل، ومن ثم يرتفع الأمر تدريجياً لتصل إلى لاعب كرة القدم، الموهوب راتبه أعلى والأقل موهبة منخفض أكثر، لكن السؤال المحير هنا، الذي لم أجد له إجابة، لم لا يتمّ تطبيق ذلك على مستوى الأطباء والجراحين، فهم أيضاً موزعون على فئات فهناك الأفضل والأمهر وهناك القادر على وصف دواء لك فقط.
في مقال سابق في موقع "Bank of England" وردت بعض الأسباب وراء ارتفاع الرواتب في عالم كرة القدم، في البداية يقول الكاتب "لن يتمكن سوى 180 من أصل 1.5 مليون لاعب كرة في إنكلترا بقطاع الشباب من الوصول إلى البريميرليغ وأن يصبح محترفاً".
ويضيف: "الطلب على لاعبي كرة القدم الموهوبين مرتفع لأنه يزيد من نسبة الفوز بالألقاب، فتحقق الفرق حينها المزيد من الأموال من حقوق البث التلفزيوني والبضائع (الملابس الرياضية والأدوات الخاصة بكلّ ناد) إضافة لبيع التذاكر، وبالتالي تحدث منافسة على أفضل اللاعبين من خلال تقديم أعلى راتب، فتحصل هنا عملية مزايدة ومضاربة لنصل يوماً بعد آخر إلى رقمٍ أعلى.
ويضيف: "الطلب على لاعبي كرة القدم الموهوبين مرتفع لأنه يزيد من نسبة الفوز بالألقاب، فتحقق الفرق حينها المزيد من الأموال من حقوق البث التلفزيوني والبضائع (الملابس الرياضية والأدوات الخاصة بكلّ ناد) إضافة لبيع التذاكر، وبالتالي تحدث منافسة على أفضل اللاعبين من خلال تقديم أعلى راتب، فتحصل هنا عملية مزايدة ومضاربة لنصل يوماً بعد آخر إلى رقمٍ أعلى.
اللعب في الدرجات الدنيا يعني الحصول على أجور منخفضة، ويضطر البعض إلى العمل في وظيفة أخرى إذا كان فرداً بفريق درجة رابعة على سبيل المثال لأن إيرادات النادي أقلّ.
الأندية في الحقيقة تجني أموالاً أكثر من أي وقت مضى، وذلك نتيجة للعولمة والتقدم التكنولوجي مثل سوق الاشتراكات في القنوات المدفوعة لمتابعة المباريات. فكرة القدم عالمياً أصبحت أكثر شعبية وباتت ربحية أكثر.
وتم بيع حقوق البث التلفزيوني في الدوري الإنكليزي الممتاز من عام 1992 حتى 1997 بأقل من 200 مليون جنيه إسترليني، في المقابل بلغت العائدات من 2016 حتى 2019 ما يزيد عن 6 مليارات جنيه إسترليني (وفقاً لإحصاءات هيئة الإذاعة البريطانية).
ماذا سيحصل لو أفقد كورونا رغبة الناس بالرياضة؟
من المستبعد في الحقيقة أن يفقد الناس رغبتهم وانجذابهم للعبة، خاصة أن الجميع يتحسّر حالياً على أيام كرة القدم التي كانت تملأ أوقاتهم معظم أيام الأسبوع وهي تشكل متنفساً لهم للهرب من ضغوطات الحياة، مع العلم أن بعض الدول تتنهجها كسياسة لإلهاء الشعوب، لكن فيروس كورونا أثبت أن بإمكانه شلّ الرياضة واقتصادها وأنديتها، وبإمكانه تحويل اللاعبين إلى مجرد أناس عاديين ينتظرون اللقاح والحلّ، من دون تقديم إفادة سوى التبرع ببعض المبالغ للأبحاث، أو القيام بحملات توعية لحثّ الناس على البقاء في المنزل، من خلال رمزيتهم لدى محبيهم.
إذا فقد الناس اهتمامهم بكرة القدم، فلن تتمكن الأندية من تحقيق الأرباح العالية ذاتها، حينها سينخفض الطلب على اللاعبين وكذلك تنخفض أجورهم.
بالنسبة لبعض الوظائف، يمتلك العديد من الأشخاص المهارات المناسبة، وبالتالي لا تحتاج الشركات إلى التنافس على العمال. يمكنهم توظيف أشخاص دون تقديم أجور عالية.
كما ستكون الوظيفة بالتالي منخفضة الأجر إذا لم تكن الشركة هي الأخرى قادرة على أن تجني الكثير من المال، مما يجعل عملها غير مربحٍ إلى حدّ رفع الرواتب.
في وظائف أخرى، من الصعب العثور على الأشخاص المناسبين، بالتالي يفرض ذلك على أصحاب العمل التنافس على أفضل العمال، وهو الحال مع لاعبي كرة القدم المحترفين كما ذكرنا سابقاً، فإنهم مصدرُ ضخ أموال للأندية.