يرى الباحث في معهد "بروكينغز" والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، روبرت كاغان، أن السؤال الملحّ بالنسبة لكل مهتمّ بشؤون الشرق الأوسط، هو: إلى متى تظل الولايات المتحدة تنزلق إلى الهاوية بسبب طريقة تعاملها مع الامور في مصر حالياً؟
يؤكد الكاتب أن المصالح الأميركية تتعرض للأذى بشكل يومي بسبب موقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأعضاء الكونغرس الذين يؤيدون استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لـ"النظام الديكتاتوري الحاكم" في القاهرة. ويحدث ذلك "على الرغم من أنهم يقرّون بأن دعم مثل هذا النظام يتعارض مع المُثُل العليا الأميركية، حتى ولو بزعم أنها تخدم المصالح القومية".
ويقول، في مقاله بصحيفة "واشنطن بوست"، إنه بعيداً عمّا تدّعيه "الديكتاتورية العسكرية المصرية" وأنصارها من مساعدة الولايات المتحدة في كفاحها ضد الإرهاب، فإن "الحملة العسكرية الوحشية" على الإسلاميين في مصر، سوف "تخلق جيلاً جديداً من الإرهابيين". ويضيف كاغان أنه "مهما كانت لدينا اعتراضات وانتقادات كثيرة على حكومة جماعة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، إلا أنها جاءت إلى السلطة بواسطة انتخابات عادلة ومشروعة".
ويضيف الكاتب أنه على الرغم من أن حكومة مرسي استخدمت القوة ضد المتظاهرين، إلا أنها لا تقارَن بما فعله الجيش من قتل الآلاف وسجن عشرات الآلاف منذ الانقلاب العسكري. ويشير كاغان إلى أنه منذ الانقلاب، أودى الإرهاب بحياة أكثر من 10 أضعاف القتلى الذين قتلوا خلال السنة اليتيمة التي تولّى فيها مرسي الحكم، "لذلك، من غير المستغرب أن نسبة الإرهاب في ارتفاع، فحملةُ المحاكمات المسعورة التي أسفرت عن الحكم على المئات بالإعدام، في محاكمة لم تستمر سوى ساعة واحدة، سوف تترك لدى بعض الإسلاميين الاعتقاد بأن خيارهم الوحيد هو أن يتم قتلهم أو أن يقتلوا الآخرين".
ويحمّل كاغان المسؤولية لـ"صانعي الانقلاب"، إذ أغلقوا جميع سبل الحوار والتفاوض السياسي، فأصبح الإسلاميون هم المتهمين الوحيدين، وهي الطريقة التي اتضح أنها الاساس بالنسبة للسياسة العسكرية المصرية والتي تبنّتها إدارة أوباما. ويرى أن هذا قد يترتّب عليه "خلق جيل جديد من الإسلاميين المصريين الذين يسعون لإيجاد وسائل أخرى للبحث عن السلطة، ما يثير السؤال حول هدف هؤلاء الجهاديين في المستقبل". ويقترح كاغان إجابة مفادها أن "الديكتاتورية العسكرية المصرية" لن تكون الهدف وحدها، بل أيضاً القوى العظمى التي تساعد الجيش المصري في قمعهم.
ويسأل الكاتب، بناءً على ما تقدّم: كيف يمكن تفسير أن ما يحدث هو في مصلحة الولايات المتحدة؟ ويستطرد أنه "إذا كانت الولايات المتحدة تريد ترويض الحركة الإسلامية وجعل العالم في مأمن من شرّها، فإنها بدّدت هذه الفرصة وكانت متواطئة في سحقها، ولا توجد ضمانة تشير إلى أنه ستكون هناك فرصة أخرى للتفاوض".
ويلفت كاغان إلى أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تعمل بوضوح يتعارض مع مبادئها المعلنة. فبينما "بعض النفاق أمر لا مفرّ منه في الشؤون الدولية، لكن مستوى الازدواجية غير المسبوقة في الأشهر القليلة الماضية، لم يكن مقبولاً"، كما قال، واستطرد: "إذ إن الديكتاتورية العسكرية المصرية وسّعت نطاق العنف والقمع الذي تمارسه ضد جميع المعارضين والصحافيين والليبراليين المصريين".
في المقابل، يتحدث كبار المسؤولين الأميركيين، "من دون خجل"، عن الانتقال الديموقراطي في مصر، ويظهرون رضاهم بسبب تحرك الحكومة نحو الانتخابات، على الرغم من أن الجميع يعرفون أن "قادة الجيش ليست لديهم أية نية لإنشاء دولة ديموقراطية في مصر".
ويشرح الباحث في معهد "بروكينغز" أن الكونغرس تواطأ في دعم الديكتاتورية العسكرية في مصر، "فالمشاعر المناهضة للإسلاميين تملأ الولايات المتحدة". ويؤكد أن "هناك إجماع بين الكثير من مراكز الدراسات في أميركا بأن أفضل سياسة، سواء في مصر أو في سوريا، أو في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، هي ببساطة السماح للمسلمين بقتل بعضهم البعض"، وهو ما صرّحت به المرشحة الجمهورية السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي، سارة بالين، وقالت عن هذا الموضوع: "دع الله يتولّى الأمر".
ويضيف الكاتب أن هناك تعاطفاً تجاه أي دولة عربية تسعى إلى سحق جماعة "الإخوان المسلمين"، ولكن "هناك القليل من التعاطف إزاء التعذيب والاضطهاد والقتل الذي تمارسه الحكومات من أجل تحقيق هذا الهدف".
ويكشف كاغان أن العديد من أعضاء الكونغرس يعتقدون أنهم "بمساندة الجيش المصري، إنما يساعدون إسرائيل" التي سعت بدورها، من خلال اللجنة الأميركية ـ الإسرائيلية للشؤون العامة" (أيباك)، للضغط على الكونغرس ليوافق على الاستئناف الكامل للمعونة العسكرية، على الرغم من أن حكومة مرسي لم تنسحب من اتفاقات "كامب ديفيد" ولا اتخذت إجراءات معادية لإسرائيل. ويخلص إلى أن "مجرد وجود حكومة لجماعة الإخوان المسلمين في السلطة، أخاف الحكومة الإسرائيلية".
ويختم كاغان مقاله بتحذير إدارة أوباما من أنه "إذا كان أحد ما يعتقد أنه مثلما تم التخطيط، أيام نظام حسني مبارك، لخلق نسخة ثانية منه، فإن هذا الاعتقاد سوف يجلب الفوضى، بغضّ النظر عن بطش القوى المستبدّة الساعية لذلك، بالتالي، فسياسة الولايات المتحدة الحالية تجعلنا نقترب من مشاهدة ثورة جديدة تنفجر في مصر، بل يكاد يكون من المؤكد أن الثورة المقبلة، ستكون أكثر تطرفاً ولدى أفرادها مشاعر مناهضة بشكل كبير لأميركا أكثر من الثورة الماضية".