حسم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، التوجّه السياسي الذي تعتمده بلاده، وذلك في اجتماع عقده، اليوم الإثنين، مع سفراء إيران في الخارج، إذ أكد أن "السياسة الخارجية التي تتّبعها حكومته، هي التي تمثل وجه إيران أمام الآخرين".
ونقلت وكالة أنباء "مهر" الإيرانية، عن روحاني، تشجيعه للديبلوماسية والحوار مع الآخرين، وتأكيده على ضرورة حلحلة المسائل العالقة بين إيران ودول المنطقة من جهة، وبين إيران والغرب أيضاً.
ولكنه شدّد في الوقت عينه، على أن التفاوض، مع الغرب، في المحادثات النووية مع دول "5+1"، التي كثّفها مع فريقه المفاوض، وعلى رأسه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، لا يعني تنازل إيران عن ملفات مصيرية، أو القبول بتجاوز الخطوط الحمراء، التي رسمتها مؤسسة القيادة في الجمهورية الإسلامية، والتي لن ترضى بتنازل إيران عن حقّها النووي.
وأكد أن أمام "البلاد طريق واحدة، وهي إثبات سلمية البرنامج النووي، وتقديم الضمانات المطلوبة لذلك"، بحسب تعبيره.
وبدا روحاني في هذا الخطاب، وكأنه يوجه كلامه إلى الغرب، الذي لم يتمكن حتى اللحظة من توقيع اتفاق شامل ونهائي مع طهران، بسبب رفضها تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها، والتي تتيح لإيران القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، ما قد يمكنها من إنتاج سلاح نووي، وهو ما يُشكّل العقبة الأبرز، أمام أي توافق متوقع.
وظهر الرئيس الإيراني، وكأنه يُطمئن السداسية الدولية، التي ستعود خلال الأسابيع المقبلة إلى طاولة الحوار من جديد، في مسعى للتوصل إلى اتفاق بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فذكّر مجدداً في كلمته أمام السفراء، بالفتوى التي أصدرها المرشد، علي خامنئي، بتحريم صنع سلاح نووي، أو استخدامه.
وعلى الرغم من تطميناته للغرب، لكن خطاب روحاني يحمل في طياته أيضاً، توجّهاً نحو منتقديه في الداخل الإيراني، وهم في الأساس من المنتمين إلى الطيف المتشدد في التيار المحافظ.
فالخطوط الحمراء التي يتحدث روحاني عن عدم تجاوزها، رغم اتّباعه، وفريقه المفاوض، لسياسة الاعتدال والحوار، تتعلق بشروط خامنئي بالدرجة الأولى، ومن بعده المحافظين، الذين كانوا يمسكون بزمام الأمور قبل سنة من الآن، وعلى رأسهم، مسؤول ملف المفاوضات السابق مع الغرب، سعيد جليلي، في عهد الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد.
وسبق لخامنئي أن صرّح، تزامناً مع وجود فريق إيران المفاوض في فيينا، في يوليو/ تموز الماضي، بأن بلاده تحتاج إلى عدد كبير من أجهزة الطرد لتوليد 190 ألف "سو" (الوحدة القياسية لطاقة التخصيب)، كي تزوّد مفاعلات البلاد بالوقود اللازم لتشغيلها. وخصّ بالذكر مفاعل بوشهر، لتوليد الطاقة الكهربائية، ومفاعل طهران للأبحاث الطبية، والذي ينتج النظائر المشعّة، لعلاج مرضى السرطان. وحدّد بتصريحه هذا موقفه من مطالب الغرب، بتعطيل عدد كبير من أجهزة الطرد الإيرانية.
أما المنتمون إلى الطيف المتشدد في التيار المحافظ، فكانوا يصرّون في طاولة الحوار، على استمرار البلاد بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وعندما وقّع فريق روحاني على اتفاق جنيف المؤقت، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم تعليق التخصيب بهذه النسبة، والحصول على موافقة غربية باستمراره بنسبة خمسة في المئة فقط، وبدأ المتشددون بالتلويح بمشروع قرار في البرلمان، يجعل بند نسب تخصيب اليورانيوم من اختصاص النواب، ما يعني منع روحاني وفريقه من البتّ بهذا الشأن.
إلا أن تصريحات سابقة لخامنئي، تفيد بدعم الوفد الحكومي المفاوض، أسكتت المتشددين، إلى حين، في انتظار ما ستسفر عنه الجولات المقبلة، وسيكون السكوت مشروطاً بتحقيق إنجاز على صعيد إلغاء الحظر، الذي أرهق كل القطاعات الإيرانية.
ونقلت وكالة "فارس"، أيضاً عن روحاني، ثناءه على دعم خامنئي لسياساته الحوارية، ومن بعده المواطنين الإيرانيين، الذين خرجوا لاستقبال الوفد المفاوض في المطار، بعد توقيع اتفاق جنيف، دون الاغفال أن خامنئي ينتظر أيضاً نتائج هذه الحوارات العملية، والتي ستخلص إيران من مأزق العزلة الدولية أولاً، ومن العقوبات التي أثقلت المواطنين الذين بدأوا بالشكوى ثانياً، فخامنئي شكّك في وقت سابق أيضاً من جدية الغرب، أو باعترافه بالقدرة الإيرانية النووية.
من جهته، قال رئيس "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، هاشمي رفسنجاني، اليوم أيضاً، إن "أمام الحكومة فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، وعليها الاستفادة من الشروط المتوفرة لها الآن".
ونقلت عنه وكالة "إيسنا"، قوله إن "الخلاف في الداخل الإيراني هو صراع بين التيارات، لطالما شغل ساحة السياسة الإيرانية الداخلية، ويجب الاهتمام أكثر بصراعات المنطقة".
ويبدو أن الجميع بانتظار ما سيحققه روحاني، على صعيد المفاوضات النووية، التي ستؤثر على إيران، في الداخل، وهذا بعد حلّ المشاكل الاقتصادية الأساسية، كما ستؤثر إيجاباً على علاقات إيران مع الخارج.
ولهذا السبب يتلقى روحاني، الآن، الدعم من خامنئي، ومن رفسنجاني الذي تلتفّ حوله كل التيارات في إيران، كونه يمثل تيار الاعتدال الذي ينتمي إليه الرئيس أيضاً، ويحظى كذلك بدعم من بعض الشخصيات المحافظة، وهو يحاول في ذات الوقت احتواء انتقادات المتشددّين لسياساته المنفتحة نحو الغرب، والتي لا تتناسب ومنهجهم.