خلق الإعلان المبكر عن القبض على المتهمين باغتيال المعارض الروسي، بوريس نيمتسوف، أسئلة إضافية، بدلاً من أن يبدد المخاوف، ويجيب عن الأسئلة المطروحة، خصوصاً في ظل الإصرار على ربط العملية بتدبير خارجي.
وأعلنت السلطات الروسية، خلال الأيام الأخيرة، القبض على المتهمين بقتل المعارض نيمتسوف، من خلال متابعة مسار السيارة التي رصدتها الكاميرات الموضوعة على جسر "موسكفوريتسكوي" والتي توقفت في مكان الجريمة لنقل القاتل بعد تنفيذه جريمته، ثم تم تنزيل المعلومات عن السيارة المعنية في برنامج "بوتوك" الإلكتروني الذي من مهماته متابعة حركة السيارات حيثما ذهبت، فرسم مسار حركتها قبل الجريمة بعدة أيام وبعدها. وقامت الجهات الأمنية بتحليل المكالمات الهاتفية لمستخدمي هذه السيارة طوال هذه الفترة.
وهكذا، تم تحديد هوية المتهم بالقتل وهوية سائق السيارة التي أقلته. وفي النتيجة تم العثور على السيارة، ثم على الأشخاص الذين كانوا قد استخدموها في الفترة التي سبقت جريمة القتل، كما أفادت صحيفة "كوميرسانت".
فهل تم حقاً القبض على من قام بتصفية نيمتسوف ممّا سيمكّن من كشف المخططين لتلك الجريمة؟ هذا السؤال يطرحه المواطنون الذين لا يزالون يتناقلون تصريحات زميل نيمتسوف في المعارضة، إيليا ياشين، عن علاقة تقرير كان نيمتسوف بصدد نشره عن مشاركة قوات روسية في القتال في أوكرانيا، بمقتله.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قال أمام ضباط وزارة الداخلية، في الرابع من مارس/آذار الحالي: "يجب تخليص روسيا، في نهاية المطاف، من المآسي على شاكلة ما عشناه معكم ورأيناه. وأعني القتل الوقح لبوريس نيمتسوف في قلب العاصمة مباشرة". علماً بأن جدارة المؤسسة الأمنية الروسية موضوعة تحت الأنظار، وخصوصاً أن تصفية المعارض الروسي تمت في منطقة أمنية بامتياز، غير بعيدة عن البوابة التي يدخل منها بوتين إلى الكرملين يومياً. وبالتالي، فعدم اكتشاف الفاعلين بسرعة من شأنه أن يطرح أسئلة من طبيعة أخرى، ليست في مصلحة الرئيس الروسي، سواء من ناحية كفاءة الأجهزة الأمنية أم من ناحية الجهة التي دبرت العملية. فالمسألة لا يزال يكتنفها الغموض.
اقرأ أيضاً: روسيا: حزن أقوى من الغضب في وداع نيمتسوف
ومع إعلان أجهزة أمن موسكو القبض على المشتبه بهم، قضت محكمة "باسماني" في موسكو، بحجز خمسة متهمين في جريمة قتل نيمتسوف، رهن التحقيق، وهم: أنزور غوباشيف وزوراب داداييف، وقد وجّهت لهما تهمة القتل، وشهيد غوباشيف، وتاميرلان عسكرخانوف وحمزة باخاييف، علماً بأن هناك متهماً آخر، هو بيسلان شافانوف، فجّر نفسه بقنبلة يدوية أثناء محاصرة منزله في العاصمة الشيشانية غروزني ومطالبته بتسليم نفسه.
ووفقاً لموقع "بوليت.رو"، كان داداييف قبل تسريحه يخدم ضابطاً في كتيبة "سيفير"(الشمال) الشيشانية، فيما عمل أنزور غوباشيف حارساً في أحد المتاجر في ضواحي موسكو. وفي وقت لاحق، أُعلن اعتقال الأخ الأصغر لغوباشيف الذي كان يعمل سائقاً في موسكو. ثم تم توقيف شخص قيل، إنه كان مع داداييف في السيارة أثناء تنفيذ عملية القتل. وفي اليوم التالي، تم الإعلان عن اعتراف داداييف بمشاركته في ارتكاب الجريمة.
ولما كان المتهمون من الشيشان، فقد جاءت ردة فعل الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف، سريعة ولكن ملتبسة. فكتب الرئيس الشيشاني على صفحته في موقع "انستغرام" إنه أوعز لرئيس مجلس أمن الشيشان، وحيد قاديروف أوسماييف، بتقديم دراسة دقيقة عن ظروف تسريح زوراب داداييف من الخدمة في قوات أمن الداخلية. وأشار إلى أن داداييف خدم في فوج قوات الداخلية السادس والأربعين، منذ يوم تأسيسه، وترقى فيه إلى رتبة ملازم، وأن الرجل شغل موقع معاون قائد كتيبة، وقُلّد وسام الرجولة وميدالية الشجاعة وميدالية خدمة جمهورية الشيشان.
وأضاف قاديروف: "أنا واثق تمام الثقة من أنه مُخلص لروسيا وكان مستعداً لبذل حياته في سبيل وطنه". كما لاحظ الرئيس الشيشاني أنه "في جميع الأحوال، إذا ما أثبتت المحكمة الجرم على داداييف، فإنه يكون قد ارتكب جريمة خطيرة. ولكنني أريد أن أؤكد من جديد أنه لم يكن له أن يُقدم على أي خطوة ضد روسيا التي من أجلها غامر بحياته على مدى سنوات طويلة".
وكان إيليا ياشين، زميل نيمتسوف، أفاد في مقابلة على قناة "دوجد" المعارضة، بأن الأخير أعد تقريراً تحت عنوان "بوتين والحرب"، قائلاً: "كان ذلك آخر حديث لنا. فقد التقينا قبل يومين من مقتله، وقد تحدث (نيمتسوف) عن أنه يخطط لنشر تقرير بعنوان "بوتين والحرب"، وكان ذلك التقرير مخصصاً لنشر إثباتات عن وجود القوات المسلحة الروسية في منطقة النزاع بأوكرانيا. وكما قال لي فإنه كان يخطط للسفر في مهمة إلى إيفانوفو (بلدة بالقرب من موسكو) من أجل البدء بجمع إثباتات".
وفيما يشي حديث ياشين بعلاقة مباشرة بين التقرير الذي يدين السلطات الروسية ومقتل نيمتسوف، كتب الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف، على صفحته في "انستغرام"، ما يتسق مع وجهة نظر يسوق لها الإعلام الروسي الرسمي، وهي أن "القوى صاحبة المصلحة في تصعيد التوتر وحدها يمكن أن تقوم بهذه الخطوة الغادرة. فقد راهن مدبرو عملية القتل على أن العالم كله سيدين قيادة البلاد بموت نيمتسوف، وأن ذلك سيؤدي إلى موجة احتجاجات، وليس هناك أدنى شك في أن أجهزة الاستخبارات الغربية هي من رتب اغتيال نيمتسوف، في محاولة لإثارة نزاع روسي داخلي بأي طريقة".
ولكن تأكيدات قاديروف هذه تضع المتابعين أمام تساؤل جديد: ما معنى اتهام رجال يشهد قاديروف شخصياً على وطنيتهم وولائهم لروسيا في قتل نيمتسوف الذي دبّر الغرب اغتياله؟