روسيا... انتخابات بلا انتخابات!
بوتين الذي تقدم بأوراق ترشحه للجنة الانتخابات المركزية "الفيدرالية الروسية" كمرشح "مستقل" بات على مقربة من صنع تاريخ روسيا الحديث بتوالي إشغاله لمنصب الرئاسة لأربع فترات رئاسية، إنْ اكتملت الانتخابات "الصورية" المرتقبة وتوّجته رئيساً للبلاد.
وعلى غير العادة، فقد قبلت لجنة الانتخابات أوراق الصحافية المثيرة للجدل كسينيا سوبتشاك للرئاسيات، والتي حظيت في الأشهر الأخيرة بحملة دعائية كبيرة قامت بها المعارَضة الروسية في محاولة للاستقطاب الجماهيري فيما تقول إنها "فرصة قد لا تكون قوية ولكنها على الأقل ستشعر نظام الدولة البوتينية بالهزة قليلاً".
يراهن بوتين وخلفه دوائر صنع القرار الدبلوماسية والأمنية، على قاعدته الشعبية العريضة والمترامية الأطراف (المحاربين القدامى وأبنائهم وأحفادهم، أعضاء الحزب الشيوعي السابقين وعوائلهم، أنصار الفكرة الستالينية واللينينية الشمولية، مؤيدي روسيا القوية والعظمى كما يسمونها)، ذلك أن بوتين بأدائه قد كسب قلوب وعقول الملايين، بعدما أعاد روسيا إلى تموضعها الطبيعي في ساحة التوازنات الدولية، وأنعش اقتصاد البلاد وفتح الآفاق البعيدة أمام الصناعات الروسية المختلفة، وهذا بالتحديد ما يكرر ترديده بوتين في العديد من لقاءاته وجولاته إلى مدن الداخل الروسي.
ولا يهدأ الرجل ولا يكلّ وهو يسابق الزمن قبيل الرئاسيات في محاولة منه لإقناع المواطن الروسي بأن الرئيس يسهر ويصل الليل بالنهار للحفاظ على مقدرات البلاد الاقتصادية، ويواظب على زيارات مكوكية شرقاً وغرباً إلى المصانع الثقيلة والشركات الضخمة.
في المقابل تقف المعارَضة الروسية وأحزابها عاجزة أمام تغول القبضة الأمنية البوليسية للدولة في شتى مناحي الحياة، حيث لا تتاح الفرصة بالمطلق لأي تقدم أو إنجاز يذكر في خدمة الشعب الروسي أو حتى مجرد اتصال حقيقي يمس واقع الحياة داخل الأسرة الروسية، الذي إن تم على مدار سنوات متراكمة كان سيُحدث فارقاً ولو قليلاً أمام حسابات الدولة الكبيرة. أما دور رجال الأعمال الكبار فيمكننا أن نصنفه بأنه يقع داخل دائرة الضوء، حيث لا يسمح لأحد بالإبحار بعيداً عن التيار الذي ترسمه الدولة لهم، وإن اعتقد أحدهم بذكائه وفطنته بالتحايل على الدولة، سريعاً ما تفتح الملفات السوداء له ويصبح مصيره ومستقبله رهن أوامر قضائية صارمة وموجعة.
المعارَضة الروسية التي فقدت أهم قادتها بعد أن اغتيل بطريقة درامية على مقربة من الكرملين (بوريس نيمتسوف) الذي عُرفت عنه معارضته الشديدة لضم "شبه جزيرة القرم" إلى الكيان الفيدرالي الروسي، كانت حتى وقت قريب تفتقد إلى العناصر المؤثرة والقوية، وعلى الرغم من وجود وجوه فاعلة وذات ثقل نوعي على الساحة السياسية، إلا أن تشويه السمعة والملاحقات القانونية التي تعرضوا لها على مدار سنوات مضت جعلت الشارع الروسي ينفر ولو مؤقتاً من المعارضة.
ويسير الاتحاد الفيدرالي الروسي بخطى مرسومة بسياسة تتسم بالاعتيادية على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث لا تغيير في سياسات الكرملين.
وهذا بالتحديد نتيجة ما تساءلت بشأنه صحيفة (NeatkarigasRita Avize) الصادرة في ريغا - ليتوانيا عن جدوى إجراء انتخابات بدون انتخابات، حيث لا منافس حقيقيا ليجعل من الانتخابات الروسية ذات معنى، وختم الصحافي بينسلاتكوفسكيس مقالته باقتباس للصحافي الروسي ألكسي فينيدكتوف حيث يقول: "النخبة الروسية تخاف من أي ثورة، ولكنها تفعل كل شيء لكي تتخمر، الانتخابات دون خيارات حقيقية تسهم فقط في نضوج حالة الثورة". فهل سنشهد ربيعاً روسياً على غرار ربيع العرب الذي لا يزال ملطخاً بالدم حتى الساعة.