يبدو أن العقوبات الغربية على روسيا وتدقيق حسابات كثير من الروس في الخارج، تساعد موسكو في جعل أصحاب رؤوس الأموال الروس يتلمّسون طريقا للنجاة، بما يمكن من أموالهم التي جمعوها بطرق مختلفة، كثير منها غير شرعي.
وأحالت الحكومة الروسية إلى البرلمان (الدوما)، الأسبوع الماضي، مشروع قانون للعفو عن رؤوس أموال الروس في الخارج، وتسهيل عودتها إلى البلاد، ومتابعتها قانونياً، بانتظار أن يتم
اعتماد القانون قبل الأول من يونيو/حزيران القادم.
ووفقاً لما جاء على موقع البرلمان الروسي الرسمي، فإن "مشروع القانون يهدف إلى توفير آلية بسيطة واضحة، ودون عوائق، من وجهة النظر الاقتصادية، للإعلان الطوعي عن الأصول والحسابات المصرفية، وتوفير الضمانات القانونية لحفظ رؤوس الأموال وممتلكات الأفراد وحمايتها، بما في ذلك خارج روسيا".
وفي هذا الشأن، نقلت وسائل الإعلام تعليق رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيدف، أثناء جلسة الحكومة على المشروع بالقول إن الإجراءات التي ينص عليها مشروع القانون لا تلزم إعادة الأموال إلى روسيا الاتحادية، إنما فقط تحويلها بطريقة قانونية "شفافة"، بحيث لا تقع في القائمة السوداء الخاصة بالإجراءات المالية المتعلقة بغسيل الأموال، وسوف يكون ضروريا نقل الملكية إلى خارج البلدان التي ليست لديها اتفاقية مع روسيا الاتحادية بشأن تجنب الازدواج الضريبي.
ويشار إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان قد دعا في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية، في ديسمبر/كانون الأول 2014، إلى عفو شامل عن رؤوس الأموال، لتسهيل عودتها إلى روسيا، فقال: "ندرك جميعا أن مصادر المال متباينة، وأن كسبه والحصول عليه تم بأساليب مختلفة، ولكنني مقتنع بضرورة أن نطوي صفحة الأفشور في تاريخ اقتصادنا وبلدنا بصورة نهائية".
اقرأ أيضاً:
واشنطن تعلن هروب 60 مليار دولار استثمارات من روسيا
وأمّا في أوساط الخبراء، فلا يبدو التفاؤل كبيرا من نتائج هذا العفو. فلا تزال ماثلة في الأذهان النتائج المحبطة للإعفاء الضريبي الذي تم إقراره سنة 2007. فقد اعتمدت في حينه إجراءات مبسطة لتصريح المواطنين عن مداخيلهم السابقة، وتسديد ضريبة عنها تعادل 13% من قيمتها. فلم تكسب الخزينة آنذاك (في نهاية سنة 2007) من ذلك العفو سوى 3.7 مليارات روبل (65 مليون دولار)، على الرغم من أن التقديرات كانت تشير إلى 16.3 تريليون روبل.
إجراءات غربية
في نهاية مارس/آذار الماضي، تم الإعلان عن أن السلطات الإسبانية جمّدت الحسابات
المصرفية لمئات المواطنين الروس في إسبانيا. علما أن التجميد شمل تلك الأموال التي لم يستطع أصحابها تبيان مصدرها.
وتداولت الأوساط الاقتصادية أن كثيرا من الروس، أصحاب الحسابات المصرفية، لم يتمكنوا من تقديم الوثائق التي تُبيّن مصادر أموالهم المودعة في المصارف الإسبانية، أي لم يتمكنوا من
إثبات نظافة أموالهم، ولذلك تم تجميد هذه الحسابات المصرفية، وأن التجميد شمل حسابات مئات المواطنين السوفييت السابقين، وليس الروس فقط.
وأفادت مصادر في الجالية الروسية في إسبانيا بأن كثيرا من أصحاب الحسابات المصرفية هناك يخشون طلب وثائق من وطنهم (روسيا) تؤكد شرعية أموالهم، ولذلك فهم يفضّلون الصمت على الاعتراض قانونياً على قرار تجميد حساباتهم، حتى لو فقدوا أموالهم، في إشارة واضحة إلى أساليب جني الأموال التي وصلت إلى مصارف الغرب وليس فقط إسبانيا.
ويجري الحديث عن أن عدد الروس الذين يعيشون في إسبانيا يبلغ حاليا قرابة 65 ألفا، مقابل 90 ألف أوكراني.
وكانت إسبانيا في عام 2010 قد اعتمدت قانوناً يتيح للسلطات طلب الوثائق التي تثبت شرعية الأموال المودعة في مصارف البلاد. والقانون يشمل الحسابات المصرفية والأصول الثابتة الكبيرة، وقد بدأت السلطات الإسبانية بتنفيذه منذ عام 2014.
وبصورة مشابهة لما يجري في إسبانيا، أُعلن في 23 مارس/آذار الماضي عن بدء تدقيق حسابات الروس في المصارف البريطانية. ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن يوري تشيخانتشين، رئيس هيئة الرقابة المالية، تأكيده أن الروس الذين لديهم حسابات مصرفية في بريطانيا بدأت تصلهم رسائل من الجهات البريطانية الرسمية تطالبهم بوثائق تبيّن مصادر أموالهم، مضيفا ما يحث الروس على الإسراع في إعادة أموالهم إلى روسيا حتى قبل صدور قرار العفو المرتقب عن الأموال التي هربت إلى الخارج مع انهيار الاتحاد السوفييتي وسنوات البيريسترويكا وما بعدها: "ينبغي هنا أن يأخذ مواطنونا (الروس) بعين الاعتبار أنّه ليس عليهم انتظار العفو عن رؤوس الأموال لإعادة أموالهم إلى روسيا".
ووفقا لتشيخانتشين، فإن سلطات الدول التي يودع فيها رجال الأعمال الروس أموالهم يمكن أن يبدأوا في أي وقت بالتحقيق في مصادر الأموال، وصولا إلى إحالة أصحابها إلى المحاكم. وحينها، لن يتمكن هؤلاء من استعادة أموالهم، ناهيكم عن إعادتها إلى وطنهم، فقال: "ذلك في
الجوهر لن يتيح لهم إعادة الأموال (إلى روسيا)".
وتشير التقديرات، وفقا لفالينتين كاساتونوف، أستاذ الاقتصاد في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، إلى أن هناك 160-300 ألف من الروس يعيشون في لندن وضواحيها، وحوالى مائة ألف منهم أثرياء جدا.
وما يعقد المسألة أن "التدقيق لا يقتصر على شرعية مصادر الأموال، إنما علاقة أصحابها بالشخصيات الروسية، بما فيها الاعتبارية الواردة في القوائم السوداء التي أعدها الغرب في
إطار العقوبات على روسيا".
ويجدر التوقف عند معطيات البنك المركزي الروسي للسنوات الخمس الأخيرة، التي تفيد بمبالغ كبيرة جدا تم إخراجها من روسيا في السنوات الأخيرة.
فوفقا لما نشره بنك روسيا على موقعه الرسمي، بلغت الأموال المتدفقة إلى الخارج سنة 2010 30.8 مليار دولار، وسنة 2011 بلغت 81.4 مليار دولار، ثم 53.9 مليار دولار سنة 2012، ونحو 61 مليار دولار سنة 2013، لتبلغ ذروتها في العام الماضي عند رقم 151.5 مليار دولار.
اقرأ أيضاً:
"المركزي الروسي" ينفق 4.4 مليار دولار لدعم الروبل