تنتقل روسيا إلى نمط سياسي جديد يماشي مستويات التطور التقني التي بلغتها صناعتها، الفضائية منها أساساً، لتحقيق وجودها عالمياً وتأمين السيطرة بما تستوجبه مصالحها. فعلى سبيل المثال، لم تعد موسكو في حاجة إلى قاعدتها السوفييتية السابقة في كوبا، من أجل التجسس على الولايات المتحدة، كما لم تعد في حاجة إلى نشر صواريخها النووية هناك، فمنظومة "الرصد الفضائي والملاحة" (غلوناس) الروسية، التي تنافس بقوة "جي بي إس" الأميركية، تسمح لموسكو اليوم، وعن بعد، برؤية ما كان يتعذر عليها رؤيته عن قرب.
لدى موسكو شركاء في أميركا اللاتينية، يساعدونها على التواجد على مقربة من الولايات المتحدة ونشر محطات أرضية لمنظومتها هناك. ومن أجل تحقيق ذلك، قام نائب رئيس الوزراء الروسي، المسؤول عن الصناعة العسكرية الروسية، ديمتري روغوزين، بجولة إلى بلدان أميركا اللاتينية، التي تربطها بموسكو علاقات اقتصادية وعسكرية.
ففي 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وصل روغوزين إلى كاراكاس، في زيارة، وصفها وزير خارجية فنزويلا، رافايل راميريز، في تغريدة له على موقع "تويتر"، بأنها "نجحت في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين". ولاحظ الوزير الفنزويلي أن "اللجنة الحكومية المشتركة تدرس الآن 57 مشروعاً في مجالات التعاون العسكري التقني والنفط والطاقة والزراعة والتكنولوجيا". كما أعلنت وكالة "ريا نوفوستي"، أن "اجتماع اللجنة العليا الروسية الفنزويلية المقبل سيُعقد في أبريل/نيسان 2015 في كاراكاس، وسيتم التباحث في إنجاز المشاريع الثنائية بما فيه مصلحة البلدين".
وكان روغوزين قد اطلع على العمل الجاري في "جامعة البرازيل"، على محطة أرضية لخدمة منظومة "غلوناس"، مؤكداً أنه "يجري تطوير البنية التحتية للمنظومة، والقيادة البرازيلية تساندنا فيها". علماً بأن المحطة ستكون أول تجربة خارجية لـ"غلوناس"، وستكون باكورة محطتين أخريين في البرازيل، قبل إنجاز محطات أخرى في جنوب شرق آسيا وأميركا الوسطى وإسبانيا.
أما كوبا، فلا تزال على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لموسكو، ولكن ليس لأغراض أيديولوجية هذه المرة، إنما لنشر ذراعها الإلكترونية الفضائية من هناك، فوق الأراضي الأميركية. ففي 20 ديسمبر، نقلت وكالة "تاس" عن روغوزين، خلال زيارته هافانا، ولقائه رئيس مجلس الدولة رئيس الوزراء الكوبي راؤول كاسترو، قوله إن "الولايات المتحدة تفاوضت لفترة طويلة مع روسيا، حول نشر محطات أرضية لخدمة منظومة غلوناس على الأراضي الأميركية، إلا أن واشنطن تراجعت عن ذلك فيما بعد، بحجة أنه يمكن استخدام المنظومة لأغراض عسكرية".
وأدى الرفض الأميركي إلى ردّ فعل روسي، لخّصه روغوزين بعبارة "إليكم ما جناه الأميركيون: لن يحصلوا على أي شيء على أرضهم، وخسروا ما كان لديهم على الأرض الروسية. إلا أنهم سيحصلون على شبكة من محطات غلوناس حول الولايات المتحدة، لا تلهث وراء جي بي إس، إنما ستجعل جي بي إس، مجبرة على اللهاث وراءنا، قريباً".
وكان البرلمان الروسي قد أقرّ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشروع قانون "للمصادقة على الاتفاق بين حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية كوبا، للتعاون في البحوث الفضائية واستخدامات المجال الفضائي لأغراض سلمية". فروسيا تحتاج تحديداً إلى نشر محطات أرضية لخدمة منظومة "غلوناس"، ووضع الاتفاق مع كوبا، الأساس القانوني لتحقيق ذلك على الأرض الكوبية.
ولم يفت روغوزين التأكيد على "دعم المتطلبات الضرورية للقوات المسلّحة الكوبية"، فأثناء توقيع محضر الاجتماع الـ12 للجنة الحكومية الروسية الكوبية، للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بين البلدين، في 19 ديسمبر، قال "إننا ندعم متطلبات القوات الكوبية بما نستطيع، غير أنه تمّ التركيز عملياً في اجتماع اليوم على مسائل أخرى".
فقد تمّ التوقيع على اتفاقية لتزويد كوبا بطائرة "إيل ـ 96"، علماً بأن لدى كوبا أربع طائرات منها، وأربعاً أخرى من طراز "تو ـ 204" (طائرات توبوليف)، وخمساً من طراز "أن ـ 158" (طائرات أنتونوف). وتبلغ قيمة العقود الإجمالية الموقعة لمدة عشر سنوات حوالي 700 مليون دولار.
وتُعدّ كوبا إحدى خمس دول في أميركا اللاتينية، تقيم معها موسكو شراكات تجارية اقتصادية. ووفقاً لصحيفة "فيستي"، فإن "التبادل التجاري بين كوبا وروسيا يبلغ 400 مليون دولار سنوياً، كما زودت موسكو هافانا بأسلحة على مدى 30 عاماً، بقيمة 16 مليار دولار". أما عن إمكانية انشاء قاعدة بحرية عسكرية روسية في كوبا، فقد أكد روغوزين أنه "لا حاجة بنا لمثل هذه الخطوات الباهظة الثمن".
وحول ما إذا كانت هافانا ستغير سياساتها وشركاتها بعد إعلان واشنطن عن تطبيع العلاقات معها، رأى في مقابلة على قناة "إن تي في" الروسية، أن "الجانب الكوبي لا ينوي التنازل عن مبادئه، أي أنه لن يتخلى عن مواقفه مقابل وعود، لا تزال مجرد جزء من حوار شفهي بادرت إليه واشنطن".