وجّهت روسيا اليوم السبت دعوة إلى الدول الغربية المؤيدة لأوكرانيا لاجراء حوار جدي ونزيه حول الأزمة الأوكرانية، دون أن تتخلى عن نبرتها الهجومية تجاه الحكومة الجديدة في كييف، فيما سجل اليوم لقاء بين المسؤولين الروس والأوكرانيين.
والتقى نائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كراسين، اليوم السبت، في موسكو السفير الأوكراني فولوديمير التشينكو، بعد يوم واحد من تأكيد الحكومة الجديدة استعدادها لإجراء محادثات مع روسيا، "لكن بعد سحب قواتها والالتزام بالاتفاقيات الدولية ووقف دعمها للانفصاليين والإرهابيين".
وأوضحت الخارجية الروسية أنه تم خلال اللقاء "بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات الروسية - الأوكرانية في أجواء صريحة". وجاء اللقاء بالتزامن مع اعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، السبت، أن روسيا مستعدة لبدء حوار "نزيه ومتكافئ" مع القوى العظمى الأخرى حول الأزمة في أوكرانيا، متهماً الحكومة الأوكرانية في الوقت نفسه بأنها تتلقّى تعليمات من متطرفين.
وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره الطاجيكي في موسكو،: "إننا منفتحون لحوار نزيه وموضوعي على قدم المساواة مع شركائنا الأجانب لإيجاد طريقة لمساعدة أوكرانيا على الخروج من الأزمة"، في إشارة واضحة الى الغرب.
وأضاف "اننا مستعدون لمواصلة الحوار شرط ان يكون نزيها بين شركاء متساوين ودون اية محاولة لإظهارنا كأحد أطراف النزاع. لكننا لسنا كذلك". ومضى يقول: "هذا صراع أوكراني داخلي مستلهم من الخارج لا من جانبنا. الحكومة المؤقتة كما تصفونها ليست مستقلة. إنها تعتمد للأسف على قوميين متطرفين استولوا على السلطة في انقلاب مسلح".
وفيما اتهمت روسيا منظمة الأمن الأوروبي بازدواجية المعايير فى الموقف الأوكراني، هاجم لافروف الحكومة الأوكرانية التي سيطرت على السلطة بعد إطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وأشار إلى أن البلاد "تسودها أجواء الرعب والفوضى، وليس هناك أي سيطرة حكومية للحفاظ على القانون والنظام". وأضاف "تسيطر مجموعات من اليمين المتطرف من حركة برافي سيكتور (قطاع اليمين) القومية التي تلجأ الى اساليب الرعب والترهيب".
وأضاف لافروف "وعدنا شركاؤنا الغربيون بما في ذلك ما جرى في إطار توقيع اتفاقية 21 فبراير/شباط بأن الرئيس يانوكوفيتش، إذا التزم بتعهداته، فسيدفعون الطرف الآخر إلى التعقل ولن يسمحوا للقوميين المتطرفين بقيادة ما يسمى بعملية الإصلاح في أوكرانيا. الرئيس يانوكوفيتش وفى بكل ما وعد به لكن شركاءنا لم يفوا بوعدهم".
ونص اتفاق للسلام أبرم يوم 21 فبراير/ شباط بين الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش، والأحزاب السياسية المعارضة له على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء تحقيق بخصوص مقتل محتجين في كييف.
وفي السياق، دعا لافروف إلى اجراء تحقيق رسمي تجريه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بخصوص مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً برصاص قناصة مجهولين في ساخة الاستقلال في كييف الشهر الماضي".
في المقابل، اتفق الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ضرورة سحب روسيا قواتها من شبه جزيرة القرم، ودعم إجراء انتخابات رئاسية حرة في أوكرانيا خلال شهر مايو/أيار المقبل.
كما اتفقت الولايات المتحدة مع ألمانيا، التي وصلتها رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة، يوليا تيموشينكو لتلقّي العلاج، على ضرورة أن تسحب روسيا قواتها، وتسمح بنشر مراقبين دوليين ومراقبي حقوق الإنسان في القرم، ودعم إجراء انتخابات رئاسية حرة وعادلة في مايو/أيار.
وناقش الطرفان "ضرورة أن توافق روسيا بسرعة على تشكيل مجموعة اتصال، تقود لإجراء حوار مع أوكرانيا بغية خفض تصعيد الوضع، واستعادة سيادة الأراضي الأوكرانية".
وعبّرا عن قلقهما الكبير، بشأن انتهاك روسيا الواضح للقانون الدولي من خلال تدخلها العسكري في أوكرانيا.
وكان أوباما قد قال في تصريحات للصحافيين بالبيت الأبيض، إن التحرّك الروسي في أوكرانيا ليس علامة على القوة الروسية، وإنما هو انعكاس لمخاوف عميقة تساور الدول المجاورة لروسيا بشأن تدخّل موسكو فيها.
كما قلل البيت الأبيض من شأن التهديدات التي وجهتها شركة الغاز الروسية العامة غازبروم بوقف صادراتها من الغاز إلى أوكرانيا ومنها إلى أوروبا الغربية. وقال مساعد المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جون إيرنست، إن "وضع الغاز الطبيعي المسال فى أوروبا وأوكرانيا هو أن (المخزونات) فوق المستوى العادي".
وبالتزامن، أجرى وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، محادثة هاتفية مع نظيره الأوكراني، إيغور تينيوخ، وأشاد بـ"ضبط النفس" الذي يبديه الجيش الأوكراني في الأزمة مع روسيا.
وكانت الشروط التي وضعتها واشنطن على موسكو لتتفادى العقوبات، على خلفية الأزمة الأوكرانية، قد فتحت مجالاً لاحتمال حصول حوار أوكراني ــ روسي مباشر، إذ نقل عن بوتين قوله بعد حديثه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الجمعة إنه على رغم "الخلاف العميق" مع الغرب في شأن أوكرانيا، فإن موسكو تأمل العثور على أرضية مشتركة، وألّا تبدأ حرب باردة جديدة.
لكن ذلك لم يمنعه من القول أيضاً، إنه لا تزال هناك خلافات موجودة بين بلاده والولايات المتحدة في تقييمهما للأزمة في أوكرانيا.
وكان أوباما قد عرض على الرئيس الروسي، خلال اتصال هاتفي، شروط حل دبلوماسي للخلاف الراهن. ومن بين شروط أوباما، عودة القوات الروسية إلى ثكنها في شبه جزيرة القرم، والسماح بنشر مراقبين في الإقليم للتحقق من عدم تعرض الناطقين بالروسية هناك لانتهاكات، ودخول موسكو في محادثات مع السلطة الجديدة في أوكرانيا.
دعوات دولية لضبط النفس
في هذه الأثناء، دعت الصين، اليوم السبت، إلى الهدوء وضبط النفس في الأزمة الأوكرانية قائلة إن هذه المسألة لا بد من حلها من خلال المحادثات والوسائل السياسية.
من جهتها، أبدت الأمم المتحدة قلقها، أمس الجمعة، من خطط السلطات المحلية في شبه جزيرة القرم، لإجراء استفتاء حول الانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا، وحذرت من القرارات التي تتخذ "في خضمّ لحظة توتر".
وتصاعدت المواجهة الخميس، عندما صوّت برلمان شبه جزيرة القرم لصالح الانضمام إلى روسيا. وحددت حكومة المنطقة 16 مارس/ آذار موعداً للاستفتاء لتحديد مستقبل المنطقة.
وندد زعماء الاتحاد الأوروبي وأوباما بالاستفتاء المقترح، وقالوا إنه غير شرعي وينتهك دستور أوكرانيا.
ومنعت الولايات المتحدة من تعتبرهم مسؤولين عن عدم الاستقرار في أوكرانيا عامة، وفي إقليم القرم تحديداً، من الحصول على تأشيرات دخول إلى الأراضي الأميركية، بالإضافة إلى تجميد حساباتهم المصرفية. وهو ما ردت علي وزارة الخارجية الروسية بغضب، أمس الجمعة، على العقوبات، مهددة بأن العقوبات سترتد على الولايات المتحدة. كما وصفت قرار الاتحاد الأوروبي تجميد محادثات بشأن إلغاء تأشيرات السفر، وبشأن اتفاقية جديدة أوسع نطاقاً تحكم العلاقات بين روسيا والاتحاد، بأنها "موقف غير بنّاء على الإطلاق" وقالت إنها سترد على أي عقوبات.
تحركات روسية في القرم
من جهته، دافع رئيس وزراء شبه جزيرة القرم، سيرغي أكسيونوف، اليوم السبت، عن قرار إجراء الاستفتاء ، قائلاً إنه "لا أحد " يمكنه إلغاء التصويت.
ونقلت عنه وكالة "إيتار تاس" الروسية للأنباء قوله للتلفزيون الروسي "نواب المجلس الأعلى للقرم اتخذوا قرار سكان القرم وصوتوا لصالح إجراء استفتاء في 16 مارس/آذار ولا أحد بوسعه إلغاؤه".
وأضاف أن الاستفتاء دعي إليه في غضون مهلة قصيرة على هذا النحو "لتجنب الاستفزازات نظراً للوضع المتوتر للغاية في أوكرانيا"، فيما قال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، "إن مجلس الأمن الدولي لم يناقش مسألة الاستفتاء فى القرم، كما لم يتخذ أية قرارات بهذا الشأن".
في غضون ذلك، عاد المراقبون العسكريون لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أدراجهم، اليوم السبت، بعد محاولة ثالثة خلال ثلاثة أيّام لدخول القرم، وفق ما ذكر مصدر لوكالة "فرانس برس".
وقال المصدر "أرغمنا على العودة أدراجنا. أطلقت ثلاث عيارات نارية تحذيرية ليس بسببنا بل لأنّه كان هناك سيّارة صغيرة شوهدت بين السيّارات التي كانت تقلّ المراقبين ونقطة المراقبة". ودعت منظمة العفو الدولية، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى "تشكيل بعثة مراقبة قوية تتمتع بإمكانية الوصول بدون عوائق إلى جميع أنحاء أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم".
من جهته، قال فريق صحافي من "رويترز" موجود في الاقليم إن قافلة تضم مئات من الجنود الروس في نحو 50 شاحنة عسكرية دخلت قاعدة قرب سيمفروبول عاصمة الاقليم يوم السبت.
وتقول روسيا إن قواتها الوحيدة الموجودة في القرم هي التي تتمركز هناك بشكل طبيعي ضمن أسطول البحر الأسود التابع لها. وهو تأكيد تصفه واشنطن بأنه من "خيال (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
وتقول كييف إن هناك نحو 30 ألف جندي روسي في القرم، في حين تقدر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عددهم بنحو 20 ألفاً.
وكان الهدوء النسبي عاد إلى شبه جزيرة القرم بعدما أفاد مراسل لـ"رويترز" ليل الجمعة السبت بأن مسلحين دخلوا موقعاً أوكرانياً للدفاع الصاروخي في منطقة القرم، وسيطروا عليه من دون إطلاق رصاص.
من جهته، قال وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، إن بولندا أخلت قنصليتها في القرم جراء اضطرابات مع قوات روسية من جهةٍ ثانية، نظَّمت اليوم تظاهرة كبيرة مؤيدة لروسيا، في دونيتسك معقل الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا.
ودونيتسك هي عاصمة منطقة دونباس حوض المناجم الواقع على حدود روسيا، التى يتحدر، منها الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش. ومنذ فراره إلى روسيا، تشهد هذه المنطقة توتراً كبيراً بين مؤيدى روسيا والمدافعين عن وحدة أوكرانيا.
واحتل أنصار موسكو لثلاثة أيام الإدارة المحلية، ورفعوا العلم الروسي قبل أن تطردهم الشرطة الأوكرانية صباح الخميس الماضي.
تيموشينكو في ألمانيا للعلاج
في غضون ذلك، وصلت رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة، يوليا تيموشينكو، التى أُطلق سراحها الشهر الماضي بقرار من البرلمان الأوكراني، إلى العاصمة الألمانية برلين اليوم، السبت، لتلقي العلاج، من مشاكل في الظهر.
وذكرت وسائل إعلام أن تيموشينكو، وصلت إلى مطار "شونفيلد" الدولي فى برلين، ومن ثم توجهت مباشرة إلى مستشفى "شاريتيه"، فيما قال مسؤولون في المستشفى، إنهم سيعقدون مؤتمراً صحافياً اليوم للحديث عن الوضع الصحي لتيموشينكو، مشيرين إلى أن رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة لن تحضر المؤتمر.
وكانت المستشارة الألمانية دعت تيموشينكو، عقب إطلاق سراحها، إلى تلقّي العلاج في ألمانيا. وكان فريق طبي من مستشفى شاريتيه، قد زار تيموشينكو في السجن، وأجرى فحوصاً طبية لها، نتيجة معاناتها من آلام في الظهر.