على هامش انعقاد المؤتمر الثالث لمعاهدة "الحد من انتشار الأسلحة النووية"، في مقرّ الأمم المتحدة بنيويورك، الذي أنهى أعماله، أمس الجمعة، أكد مدير "إدارة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومن التسلّح" بوزارة الخارجية الروسية، ميخائيل أوليانوف، أن "روسيا يُمكن أن تزيد ترسانتها النووية، نتيجة سلوك الولايات المتحدة في الساحة الدولية". أثار كلام أوليانوف ردود فعل ومخاوف في الأوساط الدولية والروسية، من العودة إلى زمن الحرب الباردة وإنهاك البلاد بتبعاتها، عدا احتمال تفجّر نزاعات على هامشها، بين روسيا وجيرانها الأوروبيين.
ويُضاف كلام أوليانوف إلى دعوات تتكرّر في أوساط المنظّرين العسكريين الروس، من أجل مضاعفة إنتاج الصواريخ المتوسطة المدى الحاملة للرؤوس النووية، والتي يمكن أن تستهدف أوروبا ومنشآت الدرع الصاروخية الأميركية فيها، بدلاً من الإنفاق على الأسلحة التقليدية، لردع سياسات الغرب الأطلسي المعادية لروسيا.
وفي السياق، اعتبر كبير الباحثين في معهد "مشاكل الأمن الدولي" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، الأستاذ المشارك أليكسي فينينكو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا شيء ثورياً في الإعلان الروسي، ونحن نعمل في إطار شروط تصديقنا على معاهدة ستارت ـ 3، كما حددتها الدوما الروسية في العام 2011".
اقرأ أيضاً: الإخفاقات المتتالية تطيح بهيبة صناعات الفضاء الروسية
وأضاف فينينكو "نصّت الشروط على التالي: في حال مضاعفة الأميركيين الحادة لمنظوماتهم المضادة للصواريخ، فإن روسيا تحتفظ لنفسها بحق الانسحاب من معاهدة ستارت ـ 3 بخصوص نزع الأسلحة النووية". وتابع قائلاً إن "إعلان الخارجية الروسية ليس جديداً، فقد سبق لـ(رئيس الحكومة الحالي) ديمتري ميدفيديف في فترته الرئاسية، أن قال شيئاً مشابهاً، ولكن لم يحصل شيء على الأرض".
ورأى فينيكو ضعفاً في الموقف الروسي، عكسه تصريح الخارجية الرخو، فدعا إلى ما هو أشدّ منه، وأشار إلى أن "ما يشغل اهتمامي شيء آخر، وهو اللين غير العادي في إعلان الخارجية الروسية. هل انتبهتم أنّ روسيا لم تهدد، ولا مرة خلال تأزم علاقاتها مع الولايات المتحدة، بتوجيه ضربة لاتفاقية نزع الأسلحة النووية. لم نطرح ولا مرة توجيه ضربة لهذه المسألة الموجعة للولايات المتحدة، فلو انسحبت روسيا من هذه الاتفاقية، ولو أنها وضعت على الطاولة بند العقوبات مقابل الاتفاقية، هل كنتم سترون كثراً يرغبون في اتخاذ عقوبات ضدها؟ بل كان يمكن المضي أبعد، أن نعلن عن عزمنا الانسحاب من اتفاقية معاهدة الأسلحة الكيماوية".
واستدرك الخبير ديغوييف، رداً عن سؤال حول قدرة روسيا على تحمل أعباء الحرب الباردة، ومخاطر الانزلاق إلى مواجهات وصراعات موضعية تنهكها، على مثال أوكرانيا اليوم وربما مولدوفا غداً. بالقول "في جميع الحالات، ينبغي لروسيا أن تتصرف بحذر، وألّا تنجرّ إلى استفزازات". لكنه أكد أنه "في الوقت نفسه على روسيا أن تردّ على الأفعال الموجهة بصورة مباشرة ضدها، خصوصاً بالقرب من حدودنا. لأن نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية في أوروبا، يشكل تهديداً مباشراً لروسيا. ومن الممكن جداً أن تقوم روسيا، مع الوقت، بمضاعفة ترسانتها النووية".
وبينما يبدو أن روسيا البوتينية، أقرب إلى انتهاج سياسة المواجهة مع الغرب الأطلسي، يسير العمل في معقل الصناعات الحربية الروسية في سياق تطوير أجيال جديدة من الأسلحة، ولا يستبعد أن تكون الأسلحة النووية من ضمنها، في ظلّ مواجهة، يدرك الكرملين أن ثمنها سيكون باهظاً إذا لم تتسلح روسيا بقوة ردع كافية. ويدرك المواطن الروسي أن أعباءها على لقمته قد تكون ثقيلة، بينما يرى العاملون في أوساط البحث العلمي أن تاريخ التطور التقني يقول بأن "الصناعات المدنية لا تتطور إلا على خلفية الصناعات الحربية"، فيرون خيراً في عودة معامل مؤسسة الدفاع إلى أمجادها.
اقرأ أيضاً: سياسة تكميم الأفواه تطيح تقرير "بوتين. الحرب"