روسيا والهيئة العليا للمفاوضات
احترقت أصابع جميع القوى الإقليمية والدولية في القضية السورية، وبات واضحاً أنها جميعها تسعى إلى حل ما، وذلك بعدما نالها من نصيب منها، "فالكل" حريص على بدء المفاوضات، و"الكل" حريص أيضاً على أن تكون النتائج على قياس أطماعه، وموازية للاستثمارات والضغوط المادية والمعنوية التي وضعها في الملف السوري.
الضغوط الدولية التي تتعرض لها الهيئة العليا للمفاوضات كبيرة جداً، ومحاولات تشكيل وفد مفاوض على مقاس رغبات هذه الدول، وما ترجوه من هذه المفاوضات جارٍ على قدم وساق، وهذا قد يعتبر مؤشراً على أن هناك نية لإيجاد "حل ما" يُراد تمريره.
أبدت الهيئة العليا للمفاوضات أداءً سياسياً عالياً، منذ بداية تشكيلها، وتمتعت بميزات كبيرة، فرضها حسن تنظيم الدولة الراعية للمؤتمر، بالإضافة إلى تراكم الخبرة، مع اليقين الذي تشكل لدى مختلف أطيافها بأنه لا تقدم يمكن أن يتحقق إلا في حال تقديم مصلحة سورية على كل القضايا والخلافات الأخرى، وأن الأسباب التي كانت عائقاً أمام وحدتها على المستوى السياسي أولاً، وعلى المسارين السياسي والعسكري ثانياً يجب أن يتم تحييدها حالياً، ما أكسب الهيئة زخماً عالياً، تم من خلاله استعادة الثقة الشعبية والدولية بالمعارضة السياسية السورية، فالاستناد والإصرار على مبادئ الثورة الرئيسية، والكفاءة المرافقة في الأداء والشفافية المتعمدة مع السوريين، أوضحت مواقف الدول، وما يحصل وراء الكواليس، ما أعطى الهيئة مصداقية.
الغريب أنه، وعلى الرغم من "تعيير" القوى الدولية المعارضة السورية بتشرذمها في السنوات السابقة؛ إلا أنها تسعى جاهدة حالياً إلى إعادة تفريقها بعد وحدتها التي جاءت نتيجة مؤتمر الرياض، حيث تطالب هذه القوى، الآن، باستبعاد الفصائل العسكرية، وتطالب بتقسيم الوفد إلى عدة وفود، ممثلة أصلا في الهيئة العليا.
كل القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في القضية السورية أضناها التعب، وأصبح لديها اعتقاد أنه حان وقت اقتسام الغنيمة، فالحزب الديمقراطي الأميركي بشكل عام، والرئيس باراك أوباما خصوصاً، يسعيان إلى تسجيل نقاط، مهما كانت شكلية قبل انتهاء فترة الرئاسة الحالية، في حين أن روسيا سقطت في المستنقع السوري، حيث سجل اقتصادها انهياراً كبيراً، وصل فيه تراجع الروبل إلى 14% مقابل الدولار منذ بداية العام، وأدركت مدى حماقة قرار تدخلها العسكري المباشر، وما يسببه من ضغط على ملفها الاقتصادي والأمني، إضافة إلى رغبتها بإنهاء الملف، قبل تغيّر الأوضاع في الولايات المتحدة بانتهاء الرئاسة الحالية، والتي قد تحمل معها كل الاحتمالات، فليس مستبعداً أن تكون رؤية الإدارة الأميركية الجديدة للملف السوري مغايرة للرؤية السلبية للإدارة الحالية، وهذه كانت أقرب إلى التواطؤ منها إلى الحيادية.
أصبحت التوترات المتصاعدة بين الحليفين السابقين، روسيا وإيران، واضحة بعد التدخل العسكري المباشر لروسيا، وعلاقة التعاون والتحالف بينهما انتقلت إلى علاقة تنافس، وتتوج ذلك برفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن ايران، فهذا التقارب لا يصب في صالح الروس في النهاية، ما دفع روسيا إلى التحالف مع الصديق المحتمل الجديد، متمثلا بدول الخليج، وفي مقدمتها السعودية.
على روسيا أن تتيقن أن دول الخليج لم يعد لديها الخيار بالتخلي عن القضية السورية، أو أن تقدم التنازلات حولها، خصوصاً أنها الورقة الأخيرة التي بقيت بيدها أمام التغول الإيراني الذي بات أقرب إلى الحقيقة، بعد رفع العقوبات الاقتصادية، حيث فقدت الدول الخليجية الثقة بأميركا، وهي بحاجة إلى حليف جديد، وهي إذاً فرصة ذهبية أمام الروس، ليثبتوا أنهم يفكرون استراتيجيا "بعقولهم"، ولا يعتمدون على القوة العسكرية التي يمتلكونها فقط، خصوصاً أن هذه الدول فتحت الباب أكثر من مرة لروسيا، ورحبت بها حليفاً، وإن كان الثمن المطلوب من روسيا هو التخلي عن النظام الحالي في سورية، فلم لا؟ خصوصاً أن روسيا أدركت أن النظام الحالي لن يكون قادراً على حماية مصالحها، وهو ما يفسر إصرار روسيا على خيار "حكومة وحدة وطنية"، تضمن من خلالها استمرارية الاتفاقيات والعقود الموقعة مع النظام الحالي، والتي قد يتم نسفها كافة، في حال تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
تركيا اليوم في أقوى حالاتها بعد الانتخابات الأخيرة، فقد أثبتت الحيثيات بعد إسقاط الطائرة الروسية أنه ليس للروس أية مصلحة من أي نوع من العداوة مع تركيا، لأنها ستكون الخاسر الأكبر اقتصادياً ولوجستياً، نتيجة إرهاصات الخلاف المحتمل، وخصوصاً مع سيطرة تركيا على المضائق البحرية التي تقيد حركة روسيا بشكل واضح، في حال نشوب أي نوع من الخلافات.
مازالت القوى الدولية تتعامل مع القضية السورية على أنها "نزاع على السلطة"، ولم تستطع، حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من كل التضحيات المقدمة من الشعب السوري، أن تعي أن ما يحصل هو "ثورة" كرامة ضد الظلم، وأن الثمن الوحيد المقبول لكل تلك الدماء هو: "حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة " لا وجود لبشار الأسد وطغمته فيها.
الضغوط الدولية التي تتعرض لها الهيئة العليا للمفاوضات كبيرة جداً، ومحاولات تشكيل وفد مفاوض على مقاس رغبات هذه الدول، وما ترجوه من هذه المفاوضات جارٍ على قدم وساق، وهذا قد يعتبر مؤشراً على أن هناك نية لإيجاد "حل ما" يُراد تمريره.
أبدت الهيئة العليا للمفاوضات أداءً سياسياً عالياً، منذ بداية تشكيلها، وتمتعت بميزات كبيرة، فرضها حسن تنظيم الدولة الراعية للمؤتمر، بالإضافة إلى تراكم الخبرة، مع اليقين الذي تشكل لدى مختلف أطيافها بأنه لا تقدم يمكن أن يتحقق إلا في حال تقديم مصلحة سورية على كل القضايا والخلافات الأخرى، وأن الأسباب التي كانت عائقاً أمام وحدتها على المستوى السياسي أولاً، وعلى المسارين السياسي والعسكري ثانياً يجب أن يتم تحييدها حالياً، ما أكسب الهيئة زخماً عالياً، تم من خلاله استعادة الثقة الشعبية والدولية بالمعارضة السياسية السورية، فالاستناد والإصرار على مبادئ الثورة الرئيسية، والكفاءة المرافقة في الأداء والشفافية المتعمدة مع السوريين، أوضحت مواقف الدول، وما يحصل وراء الكواليس، ما أعطى الهيئة مصداقية.
الغريب أنه، وعلى الرغم من "تعيير" القوى الدولية المعارضة السورية بتشرذمها في السنوات السابقة؛ إلا أنها تسعى جاهدة حالياً إلى إعادة تفريقها بعد وحدتها التي جاءت نتيجة مؤتمر الرياض، حيث تطالب هذه القوى، الآن، باستبعاد الفصائل العسكرية، وتطالب بتقسيم الوفد إلى عدة وفود، ممثلة أصلا في الهيئة العليا.
كل القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في القضية السورية أضناها التعب، وأصبح لديها اعتقاد أنه حان وقت اقتسام الغنيمة، فالحزب الديمقراطي الأميركي بشكل عام، والرئيس باراك أوباما خصوصاً، يسعيان إلى تسجيل نقاط، مهما كانت شكلية قبل انتهاء فترة الرئاسة الحالية، في حين أن روسيا سقطت في المستنقع السوري، حيث سجل اقتصادها انهياراً كبيراً، وصل فيه تراجع الروبل إلى 14% مقابل الدولار منذ بداية العام، وأدركت مدى حماقة قرار تدخلها العسكري المباشر، وما يسببه من ضغط على ملفها الاقتصادي والأمني، إضافة إلى رغبتها بإنهاء الملف، قبل تغيّر الأوضاع في الولايات المتحدة بانتهاء الرئاسة الحالية، والتي قد تحمل معها كل الاحتمالات، فليس مستبعداً أن تكون رؤية الإدارة الأميركية الجديدة للملف السوري مغايرة للرؤية السلبية للإدارة الحالية، وهذه كانت أقرب إلى التواطؤ منها إلى الحيادية.
أصبحت التوترات المتصاعدة بين الحليفين السابقين، روسيا وإيران، واضحة بعد التدخل العسكري المباشر لروسيا، وعلاقة التعاون والتحالف بينهما انتقلت إلى علاقة تنافس، وتتوج ذلك برفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن ايران، فهذا التقارب لا يصب في صالح الروس في النهاية، ما دفع روسيا إلى التحالف مع الصديق المحتمل الجديد، متمثلا بدول الخليج، وفي مقدمتها السعودية.
على روسيا أن تتيقن أن دول الخليج لم يعد لديها الخيار بالتخلي عن القضية السورية، أو أن تقدم التنازلات حولها، خصوصاً أنها الورقة الأخيرة التي بقيت بيدها أمام التغول الإيراني الذي بات أقرب إلى الحقيقة، بعد رفع العقوبات الاقتصادية، حيث فقدت الدول الخليجية الثقة بأميركا، وهي بحاجة إلى حليف جديد، وهي إذاً فرصة ذهبية أمام الروس، ليثبتوا أنهم يفكرون استراتيجيا "بعقولهم"، ولا يعتمدون على القوة العسكرية التي يمتلكونها فقط، خصوصاً أن هذه الدول فتحت الباب أكثر من مرة لروسيا، ورحبت بها حليفاً، وإن كان الثمن المطلوب من روسيا هو التخلي عن النظام الحالي في سورية، فلم لا؟ خصوصاً أن روسيا أدركت أن النظام الحالي لن يكون قادراً على حماية مصالحها، وهو ما يفسر إصرار روسيا على خيار "حكومة وحدة وطنية"، تضمن من خلالها استمرارية الاتفاقيات والعقود الموقعة مع النظام الحالي، والتي قد يتم نسفها كافة، في حال تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
تركيا اليوم في أقوى حالاتها بعد الانتخابات الأخيرة، فقد أثبتت الحيثيات بعد إسقاط الطائرة الروسية أنه ليس للروس أية مصلحة من أي نوع من العداوة مع تركيا، لأنها ستكون الخاسر الأكبر اقتصادياً ولوجستياً، نتيجة إرهاصات الخلاف المحتمل، وخصوصاً مع سيطرة تركيا على المضائق البحرية التي تقيد حركة روسيا بشكل واضح، في حال نشوب أي نوع من الخلافات.
مازالت القوى الدولية تتعامل مع القضية السورية على أنها "نزاع على السلطة"، ولم تستطع، حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من كل التضحيات المقدمة من الشعب السوري، أن تعي أن ما يحصل هو "ثورة" كرامة ضد الظلم، وأن الثمن الوحيد المقبول لكل تلك الدماء هو: "حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة " لا وجود لبشار الأسد وطغمته فيها.
دينا رمضان
باحثة وكاتبة سورية
دينا رمضان