بابتسامة رقيقة، تستقبل رئيسة جمعية مرضى السرطان، روضة زروق، المرضى القادمين من عديد المحافظات التونسية، دون خجل تخبرهم عن قصتها في التغلب على سرطان الثدي، بعد ان اختارت هذه السيدة الأنيقة المتفائلة دوماً أن تحوّل محنتها مع المرض إلى مصدر قوة وإلهام للكثير من التونسيات، سلاحها في ذلك كلمات بسيطة نابعة من القلب، وعزيمة للانتصار تنبع من رغبة المريض في تحديد نوعية الحياة التي سيعيشها، إما مستسلما للمرض، أو محارباً له، شعارها في ذلك أنه: "لا يأس مع الحياة".
زرّوق الناشطة بالمجتمع المدني، والمدافعة عن مرضى السرطان، هي امرأة تونسية من مواليد 24 أكتوبر/تشرين الأول 1955، كان مرضها دافعاً لتأسيس جمعية مرضى السرطان عام 2011، للاهتمام بالمرضى مادياً ومعنوياً وصحياً.
واختارت زرّوق ألا يقتصر دور الجمعية على استقبال المرضى بل مرافقتهم إلى المستشفيات، وتتصل شخصياً بالأطباء للمطالبة بتعجيل بعض المواعيد، وإن تعذّر ذلك تحجز لهم موعداً بإحدى المصحات الخاصة، وتقتني الأدوية، وتتابع المريضات اللاتي يتوافدن على الجمعية ويقمن بإحدى فضاءاتها قبل وبعد الخضوع إلى عمليات جراحية وأثناء حصص العلاج الكيمياوي، ومتى سمحت إمكانيات الجمعية التي تأتي عادة من تبرعات وحفلات خيرية، فإنها لا تتوانى في تزويد بعض الأقسام الطبية بإحدى الآلات اللازمة لكي لا يحول غياب التجهيزات دون شفاء البعض.
تقول زرّوق لـ"العربي الجديد"، إنها تستقبل يومياً عشرات المرضى، خاصة أن العديد من الحالات يقمن بمناطق نائية مما يحول دون قدومهن للعلاج، مبينة أن الجمعية توفر لهم مصاريف التنقل والعيادة الطبية، فالظروف الاجتماعية وقلة الإمكانيات المادية لا يجب أن تحرمهم من حقهم في العلاج والحياة.
زرّوق أم لابنين، بنت وولد، أصيبت بسرطان الثدي عام 2000، لم تكن تعتقد أنها سترى أحفادها الأربعة بعد إصابتها بالسرطان، ورغم يأسها في بداية المرض إلا أن إصرارها على الشفاء والعلاج جعلها تتحدى المرض، وتخرج من حالة اليأس التي كانت تمر بها إلى الأمل، فكانت تقيم حفلات استقبال لعائلتها والمقربين منها في بيتها أثناء حصص العلاج الكيميائي، وتتبادل معهم الأحاديث والسمر ويتم توزيع المشروبات والحلويات.
وبحسب زرّوق، فإنه لا يجب على المريض أن يخفي مرضه على المحيطين به، وأنه عوض نظرات الشفقة والبكاء والخوف التي يحاول الأهل عادة إخفاءها، فإنه يمكن تحويل هذه اللحظات الصعبة إلى دعم ومساندة.
وتعتبر زرّوق أن العائلة والمحيط الخارجي بإمكانهما أن يلعبا دوراً أكثر فاعلية في مساعدة مريض السرطان على الشفاء، فعديد الأسر للأسف وبسبب الجهل تتخلى عن مريضها.
وتروي زرّوق بكل خيبة، كيف تخلى زوجٌ من محافظة الكاف عن زوجته، جميلة، التي أخفى عنها حتى دفتر العلاج لكي لا تقوم بحصص العلاج الكيميائي، ثم بادر بإجراءات طلاقها في الوقت الذي كانت في أمس الحاجة إليه، مبينة أن ذنبها الوحيد أنها أصيبت بسرطان عنق الرحم، وتؤكد زرّوق أن الجمعية خصصت محامياً ينوب عن المريضات في مثل هذه القضايا.
واستقبلت جمعية مرضى السرطان مئات الحالات المشابهة لقصة جميلة وبادرت بالإحاطة بهن ومساعدتهن معنوياً ومادياً، وتم تخصيص أطباء نفسانيين للحالات التي يعاني أصحابها مشاكل نفسية وأولئك الذين لا يتقبلون المرض، وتؤكد زروق أنه يتم توفير مأوى لهم، وتخصيص أجنحة للنساء وأخرى للرجال تحتوي على 26 سريراً لإقامة المرضى، ويتم توفير الأكل والأدوية ومتابعة العلاج.
وتبين رئيسة الجمعية أن على المريض أن يكافح مادام حياً من أجل أن يكون إنساناً أفضل، مشيرة إلى أن أكثر ما أسعدها اليوم قدوم مريضة انتشر السرطان في أماكن متفرقة من جسدها، ومع ذلك جاءت لتخبرها بأنها تريد القيام بعملية تجميل، الأمر الذي تلقته زرّوق بكل سعادة لأنها تعتبر أن هذه السيدة لا ترغب في الحياة فقط وإنما أصبحت تبحث كيف تكون امرأة أجمل، فالمرأة لا يجب أن تهمل ذاتها بذريعة المرض، بل عليها أن تتشبث بالأمل مهما كانت الصعوبات.
وتقضي زرّوق جلّ وقتها رفقة المريضات، تتحدث إليهن وتصغي إلى مشاكلهن، تحاول الرفع من معنوياتهن ودفعهن إلى تغيير نظرتهن إلى مرض السرطان، فهذه أم لأطفال قدمت اليوم من العاصمة تونس، تسبب مرضها بالسرطان في شعورها بالإحباط وعبرت عن رغبتها في مفارقة الحياة، بدت يائسة، محبطة، ولكن بعد سويعات قضتها مع رئيسة الجمعية، قالت: "أشعر أنني إنسانة أقوى، ونفسيتي أفضل فلست نفس السيدة المحطمة التي دخلت منذ قليل إلى مقر الجمعية".
تعترف زروق التي تنتقد باستمرار بعض المسؤولين عن القطاع الصحي بأنّ هناك العديد من النقائص في علاج مرضى السرطان، فهذا المرض الذي ازداد في الأعوام الأخيرة، وبلغ أكثر من 12 ألف حالة في تونس يمكن التغلب عليه، معتبرة أنّ بُعد المواعيد لعدة أشهر وغلاء الأدوية، وخاصة ضياع بعض الملفات بسبب سوء التنظيم، وعدم استعمال التقنيات الحديثة وراء عزوف البعض عن العلاج، وعدم قدرة بعض الممرضين على التعامل بإنسانية مع بعض المرضى بسبب الاكتظاظ وغياب التأهيل والتكوين اللازم ما يعيق شفاء بعض الحالات التي يكون وضعها النفسي هشّاً وتتأثر بأي كلمة، الأمر الذي تناضل من أجله زروق بكل ما أوتيت من مجهود، فهدفها تغيير بعض العقليات في التعامل مع مرضى السرطان.
وتعتبر زرّوق أن استمرار وفيات النساء بمرض السرطان لم يعد مقبولاً في تونس وفي العالم عموماً، طالما أن الوقاية ممكنة، متى تم التفطّن إلى المرض بصفة مبكرة، ما يدعو لحملات إضافية للتحسيس.