منذ بداية العصر الفاطمي، ظهرت العديد من المعالم التاريخية التي عبّرت عن مراكز القوى في السلطة كالتكايا والزوايا والمدارس، وعن المظاهر الدينية في احتفالياتها الموسمية، كما قدّمت خدمات باسمها في التعليم والصحّة ورعاية الفقراء، واستمرّت في عهود لاحقة.
اعتمد الحكم على هذه المؤسّسات في تكريس خطابه وجمع المؤيّدين من حوله؛ حيث انتشرت بالمئات في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، واهتمّ بعمارتها وزخرفتها وجمالياتها باعتبارها التمثّل الأبرز لحضوره وهيمنته على المجتمع، إضافة إلى التراتبية التي خضع لها الأساتذة والقضاة والأئمة العاملون فيها.
يلقي الباحث وأستاذ الدراسات الإسلامية ريتشارد ماكغريغور عند الخامسة من مساء اليوم الثلاثاء في "المعهد الدومنيكي" بالعاصمة المصرية محاضرة بعنوان "الآثار والطبوغرافيا الدينية في القاهرة"، يضيء فيها على استخدامات الآثار كعلامات تدلّ على السلطة.
ويقف المحاضِر عند أهمية المباني الدينية في المدينة، والاستخدام الاستراتيجي لها منذ نقل إليها الفاطميون عام 1153، رأس الحسين بن علي الذي كان مدفوناً في مدينة عسقلان خوفاً عليه من تخريب الحملات الصليية آنذاك، لإعادة دفنه في مصر.
منذ ذلك التاريخ، تأسّس أول مشهد ديني في القاهرة حظي بتقدير من السلطات والرعية على حدّ سواء، ولم ينقطع الاهتمام به طوال ألف سنة مضت، وهو مشهد طغى على جامع الأزهر الذي أُهمل من قبل الأيوبيّين باعتباره مركزاً لنشر الدعوة الإسماعيلية الفاطمية، ثم عاد حضوره في العصر المملوكي بعد توسعته كجامعة ومركز للمؤسّسة الدينية الرسمية.
ألّف ماكغريغور العديد من الأبحاث حول تاريخ التدّين في مصر، حيث ركّز في بعضها على التصوّف الذي ارتبط بعدد من الأولياء والصالحين الذين لا يزالون يتمعتّون بمكانة كبيرة لدى المصريّين الذي توارثوا طقوساً في مواسم منتظمة يقيمونها في مزاراتهم المنتشرة، مثل مسجد سيدي السلطان أبو العلا، وسيدي درويش العشماوي، وسيدي عبد القادر الدسوقي.