ملف ضخم أعدّته صحيفة "لوبوان" عن المفكّر والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه، في الوقت الذي يتحضّر فيه الأخير لإطلاق روايته (Madame H) يوم الخميس المقبل. الرواية التي أخذت حيّزا من صفحات العدد في قراءة نقدية قدّمها الروائي كمال داود، لم تكن وحدها موضوع الجدل القائم اليوم في الصحافة الفرنسية التي يُتّهم جزء منها بتعويم مفكرين محافظين استغلوا ضعف الأحزاب وترهّلها وتراجع خطابها النخبوي ليتصدّروا المشهد الإعلامي. قد يكون ريجيس دوبريه واحدًا من هؤلاء، لكنه على الأرجح سيكون خصما فكرياً، كما قال في المقابلة الطويلة التي أعدّتها لوبوان، لإريك زيمور وميشال أونفري وآلان فينكلكروت.
في افتتاحية العدد التي حملت عنوان "دفاعًا عن ميشال أونفري"، انتقد رئيس تحرير "لوبوان" فرانز-أوليفيه جيسبير الحملة العنيفة التي شنّتها صحيفة "ليبراسيون" ضد أونفري واصفة إياه بالـ"متواطئ مع خطاب الجبهة الوطنية"، وركّز جيسبير على حاجة فرنسا لقامة فكرية وأدبية مثل أونفري، متسائلاً في الوقت عينه عن السبب الذي يدفع بعض "اليسار النخبوي الحالم" للتصرّف بكيدية بعد كل تصريح يتبادر إلى الرأي العام من مفكّرين تتماهى رؤيتهم مع برنامج الجبهة تحديدا في ما يخصّ المهاجرين والجانب الاقتصادي. وأضاف "هل يجب علينا أنّ نقول إن الطقس جميل جدا، إذا قالت مارين لوبان إنّها تمطر؟". ثم ختم بالدعوة إلى عدم تحجيم أونفري واختصاره بتصريحات له فيها رؤية خاصة يجب احترامها، وقال "سنردّ عليهم بعبارة المسيح "لا تخافوا" مع حججنا وصورتنا الواضحة وسيتبيّن لاحقًا أنّهم هم أنفسهم الذين اخترعوا لعبة الجبهة الوطنية".
حوار طويل أجراه فرانسوا لوران وسيباستيان لوفول مع ريجيس دوبريه في ملف حمل عنوان "ريجيس دوبريه يعترف ويصارح". بداية سأله محاوراه عن إصداره الأدبي الجديد Madame H فأجاب "إنّه إعلان قلبيّ، ودعوة للحداد الذي يسمع طنينه قويا اليوم. المشاعر الحزينة والنفس الفرحة، إنه العملة المثالية لفكرة تحرير الإنسانية التي جعلت منا محاربا اشتراكيا أو لاهوتيا أو علميا، كلّ على طريقته سعى إلى تحقيقها. لقد أفلت الأيديولوجيا إلى غير رجعة. مدام H نسبة إلى Humanité التي وجدت نفسها دون سابق تصميم".
تطرّق دوبريه في الحوار إلى مسألة الهوية الدينية والوطنية وقال "كنا مخطئين حين اعتقدنا أنّ تطورّ مستوى المعيشة وتقدّم المجتمعات سيبعدنا عن الدين. تقولون لي إنّ داعش مخيفة. تماما هي مخيفة لكن عليك أن تسأل ماذا يستطيع عشرون ألف بشري في صحراء قاحلة بلا مصانع بلا مختبرات بلا أي مقدرة على صنع الحياة أن يفعلوا؟ هم مخيفون لكنهم ليسوا الرايخ الثالث ولا الجيش الأحمر". وعن فكرة أنّ المهاجرين واستقبال الوافدين من مناطق النزاع ستصنع هوية جديدة لفرنسا قال "مواجهة الإرهاب لا تصنع هوية وطنية خاصة، هذه المسألة منتهية الصلاحية وحدودها واشنطن. أوروبا كقوة سياسية مستقلة عن أميركا تنتهي عند مشارق تركيا".
أما عن وداعاته الكثيرة التي يحملها كتابه الجديد وعمّا إذا كان قد حسم خياراته بالخروج نهائيا من معترك السياسة والأيديولوجيا، ردّ دوبريه "طبعا، بشكل أو بآخر أنا اليوم أبحث عن العلمانية والعلمانية ليست مفهوما سهلا البتة. إنها مصطلح صعب وعلاجها يتطلّب عناية كبيرة، والعلمانية التي أريدها ليست دينا للادينيين، هي التي ستسمح لنا بالعيش سوية وهي التي ستجنّبنا معارك كثيرة. عندما يسألني أحدهم إذا ما كنت وطنياً، سأردّ عليه حتما لا، أنا مواطن أممي لأنّ الأوطان تتمايز فيما بينها ولا يوجد وطن يتفوّق على آخر".
عن ديغول وميتران اللذين عاصرهما قال "هم شركاء في الحلم وأصحاب طرح وليسوا حالمين أبدا، هم ليسوا صانعي أحلام كما يعتقد كثيرون. لو أجري استفتاء للرأي في 18 حزيران/ يونيو 1940 لحصل ديغول على أقل من 1% من إجماع الفرنسيين. أقول دوما إنّه سياسي كبير، مخادع يمتلك معنى الحقائق. في حالة ميتران القادم من المعسكر الاشتراكي، بطبيعة
الحال كان اليسار حالما أكثر من اليمين، لوقت قليل اعتقدت أنه سيعيد بعث روح جان جوريس في الشارع الفرنسي وسيعمل بحيوية ودهاء ليون بلوم. موسم الحج الذي بدأ سنة 81 إلى البانتيون، اعتقدنا يومها أنّه نهار سعيد جدا، كان حفلة وداع كبير... إنها مهزلة التاريخ التي لبست تارة اسم يسار وطورا اسم يمين".
عن اليسار إذا ما كان خسر كل معاركه الأخلاقية ردّ "لقد خسر أفكاره النظيفة، اليسار الذي يهتم فقط بقضيتي الزواج والحشيش لا حياة له ولا فائدة من وجوده أصلا". وعن ميشال أونفري وهجوم ليبراسيون وإذا ما كان يعتقد أنّه ورقة بيد مارين لوبان قال "لست مع فكرة تحطيم خصم ثقافي بشكل مكارثي أو ستاليني، أنا لست ليبراليا كما حال أونفري، قد يكون مخطئا هنا أو هناك لكنني سأدافع عنه فأضمن حريته وحريتي معا".
في ختام الحوار سُئل دوبريه عما إذا كان يعرف من سينتخب سنة 2017 في انتخابات فرنسا الرئاسية، فقال "لا أعرف. لكنني أعلم جيدا من لا أريد أن أصوّت له". ولدى سؤاله "ماذا بقي لك من اليسار؟" أجاب "حب العمّال، والانحياز للمهمشين والخاسرين وإحساس كبير بالذنب يتملّكني عندما أتذكّر أنني شخص معروف ومن طبقة الأغنياء. قرأت نيتشه ولم أعد أستطيع التخلي عنه، وأحب مدرسة اليعاقبة وشعار حرية-مساواة-أخوة، وأستطيع القول إنني جمهوري يساري متصالح مع نفسه وأشعر في كل يوم أنّني حر أكثر من سابقه".
اقرأ أيضاً:
في افتتاحية العدد التي حملت عنوان "دفاعًا عن ميشال أونفري"، انتقد رئيس تحرير "لوبوان" فرانز-أوليفيه جيسبير الحملة العنيفة التي شنّتها صحيفة "ليبراسيون" ضد أونفري واصفة إياه بالـ"متواطئ مع خطاب الجبهة الوطنية"، وركّز جيسبير على حاجة فرنسا لقامة فكرية وأدبية مثل أونفري، متسائلاً في الوقت عينه عن السبب الذي يدفع بعض "اليسار النخبوي الحالم" للتصرّف بكيدية بعد كل تصريح يتبادر إلى الرأي العام من مفكّرين تتماهى رؤيتهم مع برنامج الجبهة تحديدا في ما يخصّ المهاجرين والجانب الاقتصادي. وأضاف "هل يجب علينا أنّ نقول إن الطقس جميل جدا، إذا قالت مارين لوبان إنّها تمطر؟". ثم ختم بالدعوة إلى عدم تحجيم أونفري واختصاره بتصريحات له فيها رؤية خاصة يجب احترامها، وقال "سنردّ عليهم بعبارة المسيح "لا تخافوا" مع حججنا وصورتنا الواضحة وسيتبيّن لاحقًا أنّهم هم أنفسهم الذين اخترعوا لعبة الجبهة الوطنية".
حوار طويل أجراه فرانسوا لوران وسيباستيان لوفول مع ريجيس دوبريه في ملف حمل عنوان "ريجيس دوبريه يعترف ويصارح". بداية سأله محاوراه عن إصداره الأدبي الجديد Madame H فأجاب "إنّه إعلان قلبيّ، ودعوة للحداد الذي يسمع طنينه قويا اليوم. المشاعر الحزينة والنفس الفرحة، إنه العملة المثالية لفكرة تحرير الإنسانية التي جعلت منا محاربا اشتراكيا أو لاهوتيا أو علميا، كلّ على طريقته سعى إلى تحقيقها. لقد أفلت الأيديولوجيا إلى غير رجعة. مدام H نسبة إلى Humanité التي وجدت نفسها دون سابق تصميم".
تطرّق دوبريه في الحوار إلى مسألة الهوية الدينية والوطنية وقال "كنا مخطئين حين اعتقدنا أنّ تطورّ مستوى المعيشة وتقدّم المجتمعات سيبعدنا عن الدين. تقولون لي إنّ داعش مخيفة. تماما هي مخيفة لكن عليك أن تسأل ماذا يستطيع عشرون ألف بشري في صحراء قاحلة بلا مصانع بلا مختبرات بلا أي مقدرة على صنع الحياة أن يفعلوا؟ هم مخيفون لكنهم ليسوا الرايخ الثالث ولا الجيش الأحمر". وعن فكرة أنّ المهاجرين واستقبال الوافدين من مناطق النزاع ستصنع هوية جديدة لفرنسا قال "مواجهة الإرهاب لا تصنع هوية وطنية خاصة، هذه المسألة منتهية الصلاحية وحدودها واشنطن. أوروبا كقوة سياسية مستقلة عن أميركا تنتهي عند مشارق تركيا".
أما عن وداعاته الكثيرة التي يحملها كتابه الجديد وعمّا إذا كان قد حسم خياراته بالخروج نهائيا من معترك السياسة والأيديولوجيا، ردّ دوبريه "طبعا، بشكل أو بآخر أنا اليوم أبحث عن العلمانية والعلمانية ليست مفهوما سهلا البتة. إنها مصطلح صعب وعلاجها يتطلّب عناية كبيرة، والعلمانية التي أريدها ليست دينا للادينيين، هي التي ستسمح لنا بالعيش سوية وهي التي ستجنّبنا معارك كثيرة. عندما يسألني أحدهم إذا ما كنت وطنياً، سأردّ عليه حتما لا، أنا مواطن أممي لأنّ الأوطان تتمايز فيما بينها ولا يوجد وطن يتفوّق على آخر".
Twitter Post
|
عن ديغول وميتران اللذين عاصرهما قال "هم شركاء في الحلم وأصحاب طرح وليسوا حالمين أبدا، هم ليسوا صانعي أحلام كما يعتقد كثيرون. لو أجري استفتاء للرأي في 18 حزيران/ يونيو 1940 لحصل ديغول على أقل من 1% من إجماع الفرنسيين. أقول دوما إنّه سياسي كبير، مخادع يمتلك معنى الحقائق. في حالة ميتران القادم من المعسكر الاشتراكي، بطبيعة
عن اليسار إذا ما كان خسر كل معاركه الأخلاقية ردّ "لقد خسر أفكاره النظيفة، اليسار الذي يهتم فقط بقضيتي الزواج والحشيش لا حياة له ولا فائدة من وجوده أصلا". وعن ميشال أونفري وهجوم ليبراسيون وإذا ما كان يعتقد أنّه ورقة بيد مارين لوبان قال "لست مع فكرة تحطيم خصم ثقافي بشكل مكارثي أو ستاليني، أنا لست ليبراليا كما حال أونفري، قد يكون مخطئا هنا أو هناك لكنني سأدافع عنه فأضمن حريته وحريتي معا".
في ختام الحوار سُئل دوبريه عما إذا كان يعرف من سينتخب سنة 2017 في انتخابات فرنسا الرئاسية، فقال "لا أعرف. لكنني أعلم جيدا من لا أريد أن أصوّت له". ولدى سؤاله "ماذا بقي لك من اليسار؟" أجاب "حب العمّال، والانحياز للمهمشين والخاسرين وإحساس كبير بالذنب يتملّكني عندما أتذكّر أنني شخص معروف ومن طبقة الأغنياء. قرأت نيتشه ولم أعد أستطيع التخلي عنه، وأحب مدرسة اليعاقبة وشعار حرية-مساواة-أخوة، وأستطيع القول إنني جمهوري يساري متصالح مع نفسه وأشعر في كل يوم أنّني حر أكثر من سابقه".
اقرأ أيضاً: