على الرغم من أن بدلة الجيش تم تغييرها أكثر من مرة في الفترات الأخيرة، ولكن ستظل بدلة الجنرال مرقعة مليئة بالدماء، مهما حاول أن يداري جسده بها، وأن يخفي أفعاله التي أضاعت الدولة المصرية، أو أن يداري يده المليئة بدماء آلاف في جيبه، فالجميع أصبح يرى بدلته المليئة بالرقع، حتى أن بعضا من الذين يتلقون منه الأوامر، أصبح في مرمى سهام نقدهم، فالدماء لا تخفى ببدلة عسكرية أو حتى مدنية.
السيسي الذي ما زال يظن أن البدلة العسكرية هي مصدر الحماية الوحيد، والذي استغل عقيدة الجيش في الولاء والطاعة للقائد العسكري، والمنتفعين والآكلين على جميع الموائد، ليصبح الحاكم بأمره في مصر، لم يتعلم من أي تجارب سابقة لجنرالات لم تنفعهم قوة السلاح، أو من دول قريبة من حدودنا، وفي مقدمتها سورية والعراق واليمن، والتي دمرت جيوشها على يد جنرالاتها الذين دخلوا بها في معارك مع شعوبهم من أجل أن يكونوا الحاكمين بأمرهم فقط.
أكثر من 300 ضحية من الجيش والشرطة، بالإضافة إلى أكثر من 1500 مواطن ضحية في سيناء وحدها، قتلوا وفقا للأرقام المعلنة منذ انقلاب السيسي على ثورة يناير، فهذه ليست حصيلة معركة أو حرب بين مصر وإسرائيل، أو دولة أخرى، بل هي معركة داخلية صنعها النظام العسكري في مصر مع أهالي سيناء بحثا عن أمجاد شخصية وهمية لجنرال، صنعت إرهاب الدولة التي تعلن كل يوم عن عدد من قتلتهم تحت مسمى أنهم إرهابيون، من دون تحقيق أو حكم تحت أي قانون.
سيناء التي يمر على ذكرى تحريرها أكثر من 33 عاما، ويفرض عليها الآن حظر تجوال، وتنتشر الدماء في جميع بقاعها ويهجر منها الأهالي، كان يعلم الجنرال أن ما سيفعله من قتل سيؤدي إلى كراهية غير مسبوقة من الأهالي هناك للجيش، ولكنه فعل ذلك مع سبق الإصرار والترصد ليجعل أفراد الجيش والشرطة هناك مستهدفين.
آلاف الأبرياء قتلوا في ميادين مصر وشوارعها، سواء بأوامر مباشرة من الجنرالات لجهاز الشرطة، أو على يد أفراد من الجيش بشكل مباشر، كما حدث في مجازر ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والحرس الجمهوري والسويس والإسماعيلية والإسكندرية وفي مناطق أخرى، خلقت، ولأول مرة في تاريخ مصر، وفي فترة زمنية ضئيلة، حجم كراهية غير مسبوق، وأفراد من الجيش لا يجرؤون أن يسيروا بزيهم العسكري بمفردهم في الشوارع والميادين، وذلك بسبب عدد من قيادات الجيش التي جعلت الكثيرين يرون أهاليهم وأصدقاءهم وأبناءهم ينزفون الدماء، ويلقى بهم في السجون بسبب أطماع الجنرالات في السلطة.
دفع الجنرالات الجيشَ وأفراده المجندين من الشعب في معارك داخلية مع الشعب نفسه من أجل سلطة زائفة، لدولة يتعاملون على أنهم هم أصحابها على مدار عقود طويلة، ورفضهم أن يتم تداول السلطة بعد ثورة شعب أراد الحرية، لم تخلق ثقوبا في البدلة "الميري" للشرطة وحدها كما يدعون، بل هي رقع في البدلة العسكرية أيضا، لا يمكن أن تداريها أي كلمات، فالدماء دائما لا تغسل بالماء، وسيظل إبعاد جنرالات الجيش عن السياسة كما في كل الدول الحديثة والتي تسبقنا في تقدمها بسنوات ضوئية، هو الطريق الوحيد لإنقاذ دولة يعبث بقدرها جنرالات تمتلئ أيديهم بالدماء.
(مصر)