علمنا أجدادنا "من زرع حصد، ومن جد وجد"، وهي حقيقة نجدها تتحقق على مدار السنين، ومن الأمور المثيرة للدهشه أن هذا المثل يوجد مثيل له في أغلب لغات العالم، وهذا ليس غريباً لأنها حقيقة توصل إليها البشر على مدار الحضارة الإنسانية.
وتحاول السطور التالية أن تبرهن على حقيقة بسيطة ألا وهي أننا نحن من زرعنا "الإرهاب" بأيدينا، ولنبدأ بفرضية "نحن المسؤولون عن ظواهر العنف والإرهاب من حولنا بسبب سلوكياتنا اليومية مع الأبناء".
نتساءل في ذهول "كيف ظهر كل هذا العنف وهذه القسوة في حياتنا؟" ونردد ليل نهار: ما الذي حدث؟ كنا نشتهر بالمروءة والكرم، كانت إغاثة اللهفان من سماتنا وخصالنا، كنا فيما مضي - لو قام أحد بما يشين في شارع أو حي وقف له الكل بالمرصاد، كان هناك ما يُسمّى بـ" الرقابة المجتمعية" الحاضرة بقوة في حياتنا اليومية، فلا الرجل يجرؤ على أن يجر مرأة من شعرها في عرض الشارع، ولا المرأة يتخيل أن تسب وتشتم وتضرب عاملاً أو صبياً أمام المارة، لا الطفل يسمع له صوت عالي متبجحاً ولا العجوز يتخيل أن يهان من قريب أو بعيد.. ماذا حدث إذن؟
نسأل هذا السؤال ونغفل أن الإجابة ماثلة أمام أعيننا، هل لا نريد أن نفتح بصائرنا؟ أم نتغافل عن الحقائق الجالية الوضوح؟ أم مسنا من الاضطراب العقلي ما جعلنا لا نجيد طرائق الاستنتاج المنطقي البسيطة؟
من أين لنا بكل هذا الكم من القسوة والبلطجة؟ كيف انشقت الأرض عن كل هذا العنف اليومي المحيط بنا أينما ذهبنا في كل الأوقات؟
فلنفتح أعيننا قليلاً ونحاول أن نعمل عقولنا في عملية بسيطة من الاستنتاج العقلي- إليكم لمحة سريعة من واقع الجيل الجديد، ولنتخيل حياً للطبقة المتوسطة في إحدى المدن الكبرى في أي بلد العربي:
في البيت الأول على ناصية الشارع أطفال ومراهقون يتركون لمدة 3-5 ساعات يومياً، وفي أيديهم ألعاب إلكترونية تتمحور حول القتل وإراقة الدماء، ليس هناك رقيب ولا مرشد، وكأن الحياة كلها اقتصر الترفيه فيها على مثل هذه الأنشطة المحفزة على السلوكيات العنيفة.
في المدرسة الابتدائية النموذجية التي تتوسط الشارع الرئيسي في هذا الحي: فتيات صغيرات في سن الابتدائي يقررن أن يلعبن الكرة في ساحة المدرسة ولكن يقال لهن: اجلسن هنا على "الدكة" ولا تتحركن كثيراً، لا يليق بالفتيات ما تفعلنه، ثم هذه مدرسة محترمة ويجب أن يسودها الهدوء.
أم معيلة لأبنائها الأربعة تقطن الدور الخامس في الشقة المجاورة للمدرسة: تأتي متعبة في نهاية اليوم وأول ما تقوله لأبنائها: "لا أريد أن أسمع ولا حتى همساً.. أنا متعبة.. أريد أن أراكم في حجرة المذاكرة والكتاب في أيديكم".
مدرسة البنين التي تم إنشاؤها على أطراف الحي وتشتمل على الصفوف من الأول إلى السادس الابتدائي: تلاميذ في الصف يرهبهم المدرس ويصرخ فيهم بأعلى صوته ثم ما يلبث أن يقرر أن يعاقب من قصر في تسليم الواجب المدرسي فينهال على التلاميذ ضرباً بالعصا تارة والمسطرة الحديدية تارة أخرى، وكأن الحياة لم يكفها قسوة أن تأتي لهم قبلها بساعة بهذا الخبر الأغبر عن إلغاء كافة الرحلات المدرسية والتي كان يعتبرها هؤلاء التلاميذ ملاذهم الوحيد والأخير للترفيه الجماعي.
أما على القهوة على الناصية المقابلة للمدرسة يجلس عدد من الشباب كانوا قد نجحوا في ما سبق في التصدي للعديد من الإغراءات المحرمة المنتشرة حولهم والضاغطة على أعصابهم – فيوماً يأتيهم صديق يحاول إقناعهم بتجربة لفائف السجائر المحشوة بالمخدرات وتارة يأتيهم من يعرض عليهم من المجلات وشرائط الفيديو الساقطة ما يثير لعابهم، ولكنهم كانوا قد قرروا أن يصرفوا أنفسهم عن كل هذا بممارسة الرياضة والدخول في البطولات المحلية ثم الدولية، ولكن ما لبث أن وصلهم خبر إلغاء الدوري.
وهناك فتيات في ريعان الشباب يتساءلن في براءة "لماذا أحس بأن جسمي في حالة تغير؟"، فلا تأتي الإجابة إلا محملة بكم غير متوقع من الشتائم والسباب والاتهامات بقلة الأدب – عدم الحياء – عدم التربية والتهديد بإحضار ولي الأمر للبت في هذه "المساخر".
آباء أنهكتهم متطلبات الحياة وقسوتها فلا يجد أطفالهم الصغار في حجرهم مكاناً أو على كتفهم ملجأ، ويعتبرون من المحظوظين حقاً لو عاشوا في بيوت لا تعلوها أصوات الزعيق والشجار على مصروف البيت وقلة الحيلة.
الأخوان التوأمان اللذان يعيشان مع عمهم – سائق التاكسي الذي خاصمته الابتسامة منذ أن عرف بمرض زوجته المزمن قررا أن يؤثرا السلامة فلا يتحركان إلا كما يطلب منهما، ولا يتفوهان إلا بما هو مقبول، فلا يسمع لهما رأي ولا ترى لهم شخصية.
من الذي زرع؟ ما الذي زرعنا؟ ما هو المحصول المتوقع؟ العنف المنتشر حولنا في كل مكان حتى كدنا نحس به مع الأنفاس والخطوات، هو النتيجة الحتمية للمقدمات سالفة الذكر. لماذا نتوقع نتائج عكسية للمقدمات، المنطق علمنا هذا، وأجدادنا وتجارب السنين الطويلة علمتنا أن ما نزرعه هو ما نحصده، ثم في نهاية الأمر أولادنا يولدون على الفطرة النقية البيضاء ونحن (وهي كلمة شاملة للمجتمع برمته) مسؤولون عن تشكيلهم.
نتساءل في ذهول "كيف ظهر كل هذا العنف وهذه القسوة في حياتنا؟" ونردد ليل نهار: ما الذي حدث؟ كنا نشتهر بالمروءة والكرم، كانت إغاثة اللهفان من سماتنا وخصالنا، كنا فيما مضي - لو قام أحد بما يشين في شارع أو حي وقف له الكل بالمرصاد، كان هناك ما يُسمّى بـ" الرقابة المجتمعية" الحاضرة بقوة في حياتنا اليومية، فلا الرجل يجرؤ على أن يجر مرأة من شعرها في عرض الشارع، ولا المرأة يتخيل أن تسب وتشتم وتضرب عاملاً أو صبياً أمام المارة، لا الطفل يسمع له صوت عالي متبجحاً ولا العجوز يتخيل أن يهان من قريب أو بعيد.. ماذا حدث إذن؟
نسأل هذا السؤال ونغفل أن الإجابة ماثلة أمام أعيننا، هل لا نريد أن نفتح بصائرنا؟ أم نتغافل عن الحقائق الجالية الوضوح؟ أم مسنا من الاضطراب العقلي ما جعلنا لا نجيد طرائق الاستنتاج المنطقي البسيطة؟
من أين لنا بكل هذا الكم من القسوة والبلطجة؟ كيف انشقت الأرض عن كل هذا العنف اليومي المحيط بنا أينما ذهبنا في كل الأوقات؟
فلنفتح أعيننا قليلاً ونحاول أن نعمل عقولنا في عملية بسيطة من الاستنتاج العقلي- إليكم لمحة سريعة من واقع الجيل الجديد، ولنتخيل حياً للطبقة المتوسطة في إحدى المدن الكبرى في أي بلد العربي:
في البيت الأول على ناصية الشارع أطفال ومراهقون يتركون لمدة 3-5 ساعات يومياً، وفي أيديهم ألعاب إلكترونية تتمحور حول القتل وإراقة الدماء، ليس هناك رقيب ولا مرشد، وكأن الحياة كلها اقتصر الترفيه فيها على مثل هذه الأنشطة المحفزة على السلوكيات العنيفة.
في المدرسة الابتدائية النموذجية التي تتوسط الشارع الرئيسي في هذا الحي: فتيات صغيرات في سن الابتدائي يقررن أن يلعبن الكرة في ساحة المدرسة ولكن يقال لهن: اجلسن هنا على "الدكة" ولا تتحركن كثيراً، لا يليق بالفتيات ما تفعلنه، ثم هذه مدرسة محترمة ويجب أن يسودها الهدوء.
أم معيلة لأبنائها الأربعة تقطن الدور الخامس في الشقة المجاورة للمدرسة: تأتي متعبة في نهاية اليوم وأول ما تقوله لأبنائها: "لا أريد أن أسمع ولا حتى همساً.. أنا متعبة.. أريد أن أراكم في حجرة المذاكرة والكتاب في أيديكم".
مدرسة البنين التي تم إنشاؤها على أطراف الحي وتشتمل على الصفوف من الأول إلى السادس الابتدائي: تلاميذ في الصف يرهبهم المدرس ويصرخ فيهم بأعلى صوته ثم ما يلبث أن يقرر أن يعاقب من قصر في تسليم الواجب المدرسي فينهال على التلاميذ ضرباً بالعصا تارة والمسطرة الحديدية تارة أخرى، وكأن الحياة لم يكفها قسوة أن تأتي لهم قبلها بساعة بهذا الخبر الأغبر عن إلغاء كافة الرحلات المدرسية والتي كان يعتبرها هؤلاء التلاميذ ملاذهم الوحيد والأخير للترفيه الجماعي.
أما على القهوة على الناصية المقابلة للمدرسة يجلس عدد من الشباب كانوا قد نجحوا في ما سبق في التصدي للعديد من الإغراءات المحرمة المنتشرة حولهم والضاغطة على أعصابهم – فيوماً يأتيهم صديق يحاول إقناعهم بتجربة لفائف السجائر المحشوة بالمخدرات وتارة يأتيهم من يعرض عليهم من المجلات وشرائط الفيديو الساقطة ما يثير لعابهم، ولكنهم كانوا قد قرروا أن يصرفوا أنفسهم عن كل هذا بممارسة الرياضة والدخول في البطولات المحلية ثم الدولية، ولكن ما لبث أن وصلهم خبر إلغاء الدوري.
وهناك فتيات في ريعان الشباب يتساءلن في براءة "لماذا أحس بأن جسمي في حالة تغير؟"، فلا تأتي الإجابة إلا محملة بكم غير متوقع من الشتائم والسباب والاتهامات بقلة الأدب – عدم الحياء – عدم التربية والتهديد بإحضار ولي الأمر للبت في هذه "المساخر".
آباء أنهكتهم متطلبات الحياة وقسوتها فلا يجد أطفالهم الصغار في حجرهم مكاناً أو على كتفهم ملجأ، ويعتبرون من المحظوظين حقاً لو عاشوا في بيوت لا تعلوها أصوات الزعيق والشجار على مصروف البيت وقلة الحيلة.
الأخوان التوأمان اللذان يعيشان مع عمهم – سائق التاكسي الذي خاصمته الابتسامة منذ أن عرف بمرض زوجته المزمن قررا أن يؤثرا السلامة فلا يتحركان إلا كما يطلب منهما، ولا يتفوهان إلا بما هو مقبول، فلا يسمع لهما رأي ولا ترى لهم شخصية.
من الذي زرع؟ ما الذي زرعنا؟ ما هو المحصول المتوقع؟ العنف المنتشر حولنا في كل مكان حتى كدنا نحس به مع الأنفاس والخطوات، هو النتيجة الحتمية للمقدمات سالفة الذكر. لماذا نتوقع نتائج عكسية للمقدمات، المنطق علمنا هذا، وأجدادنا وتجارب السنين الطويلة علمتنا أن ما نزرعه هو ما نحصده، ثم في نهاية الأمر أولادنا يولدون على الفطرة النقية البيضاء ونحن (وهي كلمة شاملة للمجتمع برمته) مسؤولون عن تشكيلهم.